صحافي في التسعين ما يزال ينبض بالحيوية في مجال الصحافة العلمية

بعد 78 عاما من العمل.. ديفيد بيرلمان يرفض التقاعد وامتلاك الأسهم في «سان فرانسيسكو كرونيكل»

قام بيرلمان بتغطية موضوعات علمية متنوعة مثل البيئة والمياه والتلوث وقضايا الأرض وعلم الكونيات واستكشاف الفضاء والأبحاث الجينية والزلازل والأبحاث الحيوية في المجال الطبي والرعاية الصحية («نيويورك تايمز»)
TT

قلما تجد صحافيا بمثل عمر ديفيد بيرلمان، الذي يبلغ من العمر 90 عاما، والذي يكتب لصحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل». كما سيصعب أيضا أن تجد من هو أكثر شبابا منه.

بدأ مشوار بيرلمان الصحافي، الذي امتد على مدى 78 عاما، عندما كان في الثانية عشرة من عمره حيث استهلها في مجلة مدرسته الثانوية الصغيرة بآلة نسخ صغيرة. ثم انتقل إلى العمل في صحيفة «ذا كرونيكل» عام 1940 عندما عمل كناسخ، وظل يمارس عمله بدوام كامل في ركن إحدى الغرف بالصحيفة.

كان بيرلمان يمتلك معداته من مدرسته القديمة: ماكينة «رولودكس» مستعمَلة، وأسلوب طباعة سريعا باستعمال إصبعين فقط، والفخر بأنه لم يشتر يوما حاسبا منزليا. لكن ما إن تراه وهو يسعى وراء الأخبار وهو يركب سيارته «الهوندا 1993» أو يطوف في غرفة الأخبار، ستدرك أن صحة بيرلمان على خير ما يرام. تلك الصحة في «كرونيكل» هي التي تهدد مستقبله المهني.

ولكي تتجنب الإغلاق، تسعى الصحيفة إلى الاستغناء عن بعض موظفيها عبر عرض بيع أسهمها، لكن بيرلمان يرفض شراء حصة فيها.

وقال بيرلمان الأسبوع الماضي في غرفة الأخبار، وهو يمر أمام مكتب رئيس التحرير مرددا دون توقف: «سأظل أعمل حتى أسقط ميتا على مكتبي».

كان لبيرلمان العديد من الأخبار ذات السبق الصحافي، لكن تغطيته للمجال العلمي كانت في عام 1957 عندما كُسرت رجله في أثناء ممارسة التزحلق على الجليد واضطُرّ إلى العمل في مناوبة إعادة الكتابة. كان يمضي وقته في قراءة الكتب العلمية الرائعة التي أثارت اهتمامه بالأخبار العلمية، والتي تتوافر بكثرة في منطقة باي إريا حيث تكثر معامل الأبحاث ومن بينها تلك المعامل الموجودة في بيركلي وستانفورد.

يحمل بيرلمان لقب «محرر العلوم»، لكنه يطلق على هذه الألقاب ألقابا رنانة، حيث يقول إنه محرر يطبق المهارات الإخبارية القوية على الجرائم والقتل والسياسة إلى القضايا التي تتعدد ما بين الصرف الصحي وحتى الجيوفيزيقيا.

انطلق بيرلمان في أحد الأيام بسيارته إلى معامل ستانفورد لزيارة عالم ذكره بأنه كتب مقالات عن والده الذي كان عالما شهيرا هو الآخر وخبيرا في علم الجينات في نباتات الطماطم.

قضى بيرلمان طفولته في منطقة أبر وست سايد من منهاتن، وحصل على أول وظيفة له كصحافي في عام 1938 في صحيفة «سيتشنكتادي» بنيويورك، ثم تخرج عام 1940 في كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، وخدم في الجيش خلال الحرب العالمية الثانية وعمل مراسلا لصحيفة «نيويورك هيرالد تريبيون» في أوروبا حتى عودته إلى «ذا كرونيكل» عام 1951.

توفيت آنا، زوجة بيرلمان، منذ سبع سنوات، لكن أبناءه الثلاثة ما زالوا يعيشون في سان فرانسيسكو. وقد شفي من سرطان البروستاتا منذ أعوام كما أجرى عمليتين جراحيتين في الأوعية الدموية. وعندما سُئل عن التفسير العلمي لعمره المديد قال: «حقيقة أنا لا أعلم. إنه لغز».

قام بيرلمان بتغطية موضوعات علمية متنوعة مثل البيئة والمياه والتلوث وقضايا الأرض وعلم الكونيات واستكشاف الفضاء والأبحاث الجينية والزلازل والأبحاث الحيوية في المجال الطبي والرعاية الصحية. وقد دفعه حب السبق الصحفي للتجول حول العالم، حيث كتب ثلاثين مقالا خلال الرحلة التي امتدت إلى شهرين عام 1964 على متن سفينة متتبعا خطوات داروين في جزر غالابيغوس، وكان الصحافي الوحيد بين الباحثين عندما اكتشفوا الكائنات الحية حول فتحات المياه الحارة في قاع البحر. وقد بعث بهذه المقالات إلى الصحيفة عبر لاسلكي السفينة. وقال ويليام غيرمان، الذي يبلغ من العمر 90 عاما، والذي تخرج أيضا في كلية الصحافة بجامعة كولومبيا مع بيرلمان عام 1940 والتحق بالصحيفة كناسخ في ذلك العام وقضى جل حياته بها حيث وصل إلى منصب مدير التحرير قبل التقاعد في عام 2002 إن بيرلمان قام بالتدريب والإشراف على العديد من الصحافيين العاملين بالصحفية.وأضاف غيرمان: «إن بيرلمان عزيز على كل صحافي يعمل في (ذا كرونيكل)، فهم يلجأون إليه طلبا للنصيحة، ففي الأوقات التي تعرض فيها الصحافيون لضغوط للحصول على أسهم في الصحيفة، كان ديفيد مصرا على الكتابة».

وأشار غيرمان إلى أن بيرلمان يحظى باحترام كبير في غرفة الأخبار لدرجة أنه عيّنه مسؤولا عن صفحة المدينة لمدة عام في 1978 قبل اغتيال هارفي ميلك والانتحار الجماعي في جونز تاون في غويانا. وقد قاد بيرلمان التغطية بنجاح، لكنه انتخب في النهاية لكي يعود إلى الكتابة. عندما تحدث إليّ كان يكتب مقال المعمل الوطني في الجزء المخصص له الذي لا يزيد عن 12 بوصة، قبل انتهاء الموعد المخصص له، وقال وهو ينظر إلى ساعة معصمه وهو يواصل الكتابة: «كنت صحافيا طوال حياتي، ولا أرغب في شيء أكثر من ذلك». وقال مازحا بشأن اتفاق منح الحصص في الجريدة بناء على سنوات الخبرة: «إنني سأفلس الجريدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»