4 رجال وسيدتان يشكلون الدائرة الضيقة حول أوباما ويساعدون على رسم القرارات

رام إيمانويل هو «شرطي المرور» للمكتب البيضاوي.. وهيلاري تحتل المرتبة الثالثة في الدائرة

اوباما ورام ايمانويل يتحدثان في المكتب البيضاوي بالبيت الابيض بعد ايام من تنصيب الرئيس (أ.ف.ب)
TT

كان أول من لفت الأنظار إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما «مستمع جيد»، هو الرئيس الأسبق بيل كلينتون. يستمع أوباما الآن وباستمرار إلى عدد كبير من المستشارين الذين يعملون معه في البيت الأبيض أو من أعضاء حكومته. أسلوبه بسيط لكنه يتسم بالعمق. خلال الاجتماعات التي يعقدها في المكتب البيضاوي يطرح الموضوع ثم ينصت بانتباه إلى الحاضرين، ويدون بعض النقاط. وبعد ذلك يطرح بعض الأسئلة، ولا تصدر منه أي إشارة إلى القرار الذي سيتخذه. وغالباً ما يعقد اجتماعاً مصغراً بعد ذلك يشارك فيه ستة من أهم الذين يمثلون الشخصيات البارزة في إدارته أو معظمهم على الأقل. هؤلاء هم جو بايدن نائب الرئيس، وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، وجيمس جونز مستشار الأمن القومي، وديفيد اكسلرود كبير المستشارين في البيت الأبيض، ورام إيمانيول كبير موظفي البيت الأبيض، وسوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة. وفي بعض الأحيان ينضم إلى هذا الاجتماع روبرت غيبس المتحدث الصحافي باسم البيت الأبيض.

يلعب جو بايدن دوراً مهما على صعيد رسم السياسة الخارجية وكذلك في اختيار بعض الشخصيات الثانوية في إدارة أوباما، وضبط العلاقة مع الكونغرس. ومرة كل أسبوع يتناول باراك أوباما وجو بايدن الغداء سوياً، حيث يكون لهما جدول أعمال مفتوح. وبموازاة ذلك، يعقد أسبوعيا لقاء رباعي يضم أوباما وبايدن وكلينتون وإيمانويل. راكم بايدن خبرات كبيرة من خلال عمله كسيناتور حيث ظل ينتخب عن ولاية ديلوار منذ عام 1973، ويعد واحداً من أصغر الأعضاء في تاريخ الكونغرس، وله خبرة واسعة بالقضايا الداخلية حيث كان عضواً ورئيساً للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. ومن مواقفه البارزة تشجيع التدخل الأميركي في البوسنة، ومعارضته لحرب الخليج الثانية عام 1991. وكان من مؤيدي غزو العراق، لكنه دعا لاحقا إلى استراتيجية جديدة في العراق، ورمى على الطاولة اقتراحاً مثيراً حول تقسيم العراق إلى ثلاث دول. وهو من مؤيدي إسرائيل، لكنه يؤمن كذلك بحل يؤدي إلى قيام دولتين، وسبق له أن انتقد إسرائيل أكثر من مرة. ويعتقد أن بايدن هو الذي يقف خلف فكرة توسيع نطاق الحرب في أفغانستان، والتركيز على باكستان.

أما هيلاري كلينتون، فهي حتى الآن حافظت على مكانتها باعتبارها الشخصية الثالثة في إدارة أوباما، لكن من الواضح أنها قدمت بعض التنازلات حتى تطبق «سياسية أوباما الخارجية» وليس السياسة التي كانت تدعو لها أثناء الحملة الانتخابية أو عندما كانت في الكونغرس.

ميزة هيلاري أنها لم تتخل عن العمل السياسي بعد خروجها من البيت الأبيض عندما كانت «سيدة أولى»، إذ خاضت تجربة الترشح للكونغرس وفازت بمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، وأصبحت من أبرز شخصيات الحزب الديمقراطي. وكانت هيلاري تختلف مع أوباما حول عدد من القضايا الخارجية خاصة حرب العراق والعلاقة مع إيران والموقف من إسرائيل. بيد أنها الآن تطبق رؤية أوباما حول هذه القضايا، وهي مسؤولة الآن والى حد كبير عن العلاقات مع آسيا أوروبا. يعتقد كثيرون في واشنطن أن أداء هيلاري حتى الآن في الخارجية ليس مبهراً، لكنه متزن ولم ترتكب أخطاء.

أما جيمس جونز مستشار الأمن القومي، فهو يلعب دوراً متنامياً داخل إدارة أوباما. ليس مثل الدور الذي لعبته كوندليزا رايس في فترة الرئيس السابق جورج بوش الأولى، لكن يبدو واضحاً أنه يؤثر كثيراً من خلال أسلوب عمله وليس من خلال أفكاره، إذ حشد جونز داخل البيت الأبيض مجموعة من العقول الكبيرة ضمن فريق مجلس الأمن القومي، وأصبح هناك متخصص في كل قضية يحتاج فيها الرئيس أوباما إلى رأي استشاري، إلى حد أنه خلال قمة الأميركيتين اتضح أن هناك سيدة تعمل ضمن فريق جيمس جونز، متخصصة في أسلوب وسياسة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز. ويبدو جيمس جونز (63 عاما) متأثراً بالمدرسة الفرنسية في السياسة، وهي مدرسة ترى أن أكبر عدد من المستشارين يعني تقليص احتمالات الخطأ. وهذا ليس غريبا فجونز نشأ في فرنسا ويتحدث الفرنسية بطلاقة. وعلى مدى أربعين عاما من الخدمة العسكرية، شارك جونز في حرب فيتنام وتقلد عدة مناصب كان أهمها قيادة قوات مشاة البحرية (المارينز) بين عامي 1999 و2003. ورفض منصب رئيس هيئة الأركان عندما عرضه عليه دونالد رامسفيلد وزير الدفاع في عهد بوش، وتولى مهمة قائد عمليات الإغاثة الأميركية في شمال العراق والبوسنة، واشتهر بشخصيته القيادية وحضوره القوي إضافة إلى مقدرة خطابية لا تخلو من صراحة شديدة تثير التبرم أحيانا. لا يعرف على وجه التحديد ما هي الملفات التي يتولاها ديفيد اكسلرود كبير المستشارين في البيت الأبيض، والرجل الذي مهد الطريق أمام أوباما نحو البيت الأبيض، لكن المؤكد أنه أكثر من يرى الرئيس الأميركي يومياً ويسافر معه باستمرار، كما كان الشأن أثناء الحملة الانتخابية حيث تولى اكسلرود مهمة التخطيط الاستراتيجي للحملة. إنه «الرجل المهم» كما يطلق عليه في واشنطن، والبعيد في الوقت نفسه عن الأضواء.

يعادل منصب كبير موظفي البيت الأبيض الذي يشغل الجناح الغربي من مقر الرئاسة الأميركية، منصب رئيس الوزراء في الديمقراطيات الأخرى، هذا المنصب يتولاه الداهية رام إيمانويل «الرجل الذي يعرف جيدا ماذا يجري في طرفي شارع بنسلفانيا»، كما قالت هيلاري، في إشارة إلى معرفته بخبايا البيت الأبيض والكونغرس. إيمانويل يحمل هاتفاً لا يعرف رقمه إلا قلة قليلة جداً من الناس، ذلك أن باراك أوباما يطلبه باستمرار. وأول أمس نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريراً طريفاً حول عشاء تناوله ايمانويل مع مجموعة من الصحافيين البارزين، وقالت إنه خلال العشاء رن هاتف ايمانويل مرتين «المرة الأولى كانت مكالمة من الرئيس أوباما والثانية كانت من كلينتون». رام ايمانويل هو «شرطي المرور» الواقف أمام باب الرئيس، هو الذي يقرر أي ملف يدخل إليه وأي شخص يلتقي به، وأحيانا تحتاجه إدارة أوباما عندما تريد أن تتحدث عن مسألة صعبة أو تحيط بها تعقيدات، ذلك أن ايمانويل جريء حتى درجة الوقاحة.

عندما زار باراك أوباما خلال الحملة الانتخابية منطقة الشرق الأوسط، كان الشخص الذي يسجل ما يدور في الاجتماعات هي سوزان رايس التي كانت توصف وقتها بأنها مستشارته في القضايا الخارجية. أوباما يثق فيها كثيراً. لذلك هي تتولى الآن الاتصالات غير المعلنة مع إيران، كما أنها تهتم بالشؤون الأفريقية، لكن الأفارقة لهم تجارب مريرة معها عندما كانت مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية في عهد كلينتون، إذ هي تعتقد أن أفريقيا تحتاج إلى «قيادات جديدة» وكانت ترى أن ملس زيناوي في إثيوبيا، ويوري موسفيني في يوغندا، وبول كيغامي في رواندا، يمثلون هذا التوجه، والواقع أن هؤلاء ليسوا سوى ديكتاتوريين بمعطف ديمقراطي زائف. أربعة رجال وسيدتان هم الأكثر نفوذاً في إدارة الرئيس باراك أوباما، لكن المؤكد أن الأكثر تأثيرا في توجهات هذه الإدارة هو أوباما نفسه.