البيت الأبيض يتحول إلى بيت عائلي بامتياز.. ويعج بأقارب الرئيس الوافدين من شيكاغو

ميشيل أُمّ أميركية تقليدية وبيت العائلة الجديد بات يضم ملعبا للأطفال وحديقة لزراعة الخضراوات

TT

ر اليوم تكون قد مرت مائة يوم على تنصيب باراك أوباما رئيسا لأميركا، وبالإضافة إلى تقييم الأميركيين للقرارات التي أعلنها، وللمؤتمرات التي حضرها، وللتصريحات التي قالها، قيمه الأميركيون تقييما شخصيا، هو، وعاداته، وتصرفاته، وزوجته، أول سيدة أميركية أولى سوداء.

قالت ستاسي كوردراي، أستاذة تاريخ في كلية مونماوث (ولاية إلينوي)، ومؤلفة كتاب «أليس روزفلت: ابنة الرئيس روزفلت»: «يوجد سجل طيب وغير طيب لإنجازات الرئيس أوباما، لكن نجحت زوجته ميشيل في المحافظة على سجل نظيف». وأضافت: «تعمدت ميشيل إهمال أسئلة الصحافيين عن ماضيها، مثل رسالة الماجستير التي انتقدت فيها اضطهاد البيض للسود. وتعمدت أن تتكلم عن الحاضر والمستقبل، لهذا يمكن القول إنها صارت سيدة أولى مثالية، وذلك لأنها حرصت على عادة أميركية قديمة: تسعد معظم الناس معظم الوقت، حتى الآن».

وقالت ستاسي كوردراي إن أغلبية الأميركيين، وخصوصا الأميركيات، يفضلون أن تكون السيدة الأولى «تقليدية» أكثر من أن تكون «تقدمية»؛ وذلك لتعطيهن إحساسا بأن البيت الأبيض أيضا «بيت»، أي فيه زوجة وأُمّ تحرص على أداء واجباتها العائلية. لا يرفض الأميركيون، وخصوصا الأميركيات، أن تهتم سيدة البيت الأبيض بما يفعل زوجها، لكنهن يفضلن أن تكون، في المقام الأول، زوجة وأُمّا.

وأوضح استفتاء شعبي أجري في بداية هذا الشهر «تقدير» أغلبية الأميركيين والأميركيات للسيدة الأولى. لم يكن السؤال عن «حب»، ولكن كان عن «تقدير». ربما لأن علاقة الشعب بسيدته الأولى يجب ألا يكون موضوع حب أو كراهية، ولكن موضوع تقدير أو عدم تقدير. وخلال الأيام المائة الماضية، تابع الإعلام الأميركي الجانب العائلي للبيت الأبيض. أولا: ملعب للأطفال. ثانيا: الكلب. ثالثا: مزرعة خضراوات صغيرة. رابعا: جدة تشارك في تربية الفتاتين. خامسا: زيارات عائلية كثيرة.

ليس سرا، أو حرجا، أن العلاقات العائلية وسط السود تبدو أكثر قوة منها وسط البِيض. وخلال الأيام المائة الأولى ظلت أفواج الأقرباء والأصدقاء تتوافد على البيت الأبيض، ربما فرحا بأول رئيس أسود، وأول سيدة أولى سوداء. وربما حرصا على استمرار العلاقات العائلية القوية.

ورغم تندر نجوم الفكاهة في التلفزيون على ذلك، تحاشوا أي إساءة عرقية أو عنصرية. حتى الذي قال: «تسير حافلات (غرايهاوند) خطا سريعا بين البيت الأبيض وشيكاغو»، إشارة إلى المدينة التي ينتمي إليها أوباما وميشيل.

بالنسبة لكل الأميركيين، سودا وبيضا وسمرا وصفرا وحمرا، عكست ميشيل صورة امرأة أميركية حديثة وحضارية، مثلما بدا ذلك في فساتينها، رغم أن البعض انتقد هذه الفساتين لأن كثيرا منها يكشف ذراعيها، وأشادت بها بيوت الأزياء الأميركية، وأيضا أشادت بها صحف وتلفزيونات السود كدليل على تحضرها. وفي هذا قالت ستاسي كوردراي: «مظهر السيدة الأولى، حتى إذا لم تنطق حرفا واحدا، يدل على أشياء كثيرة». كانت جاكلين، زوجة الرئيس كنيدي، أنيقة، وأكثر أناقة من ميشيل. فضلت فساتين ذات أكمام مكشوفة، لكنها كانت صامتة أو شبه صامتة. ولم تعرف عنها اهتمامات سياسية أو حتى اجتماعية، لكنها عكست صورة المرأة الأميركية الحديثة بفساتينها الأنيقة جدا وباهتمامها بالفنون والطعام الفرنسي (عائلتها لها جذور أرستقراطية فرنسية).

لورا، زوجة الرئيس السابق جورج بوش، كانت أيضا شابة وجميلة وأنيقة، لكن كانت أناقتها من النوع التقليدي، حيث حرصت على ارتداء الفساتين الطويلة الأكمام. وعن هذا قالت ستاسي كوردراي: «كانت ملابس زوجة بوش مثل ملابس زوجة أيزنهاور»، (الرئيس قبل نصف قرن). في الأسبوع الماضي نشرت مجلة «تايم» صورا تنشر لأول مرة عن أوباما في البيت الأبيض خلال الأيام المائة الأولى، صورا وهو يتجول في غرف البيت الأبيض (قال إن ابنته «ماليا» تعرف خريطة البيت الأبيض أكثر منه)، وصورة وهو يقف أمام صورة للرئيس كنيدي (قال إن كنيدي كان من الرؤساء الذين ألهموه)، وصورة وهو يتبادل داخل المكتب البيضاوي قذف كرة سلة مع دينيس ماكدونو، مستشاره في الشؤون الخارجية (قال إنه يحتاج إلى أن يتحرك، ويترك الكرسي من وقت لآخر)، وصورة وهو يجتمع مع مستشاريه خلال عطلة نهاية الأسبوع في مكتب محلق بالطابق العائلي، وكان يرتدي فانلة وبنطالا عاديين (في هذه الحالة يرتدي المستشارون أيضا ملابس عادية، على الأقل دون ربطة عنق)، وصورة وهو يقرأ صحف الصباح (ربما في هذا غمز للرئيس السابق بوش الذي قال مرة إنه لا يقرا صحف الصباح).

وقبل يومين قدم برنامج «غودمورننغ أميركا» (صباح الخير) لقطات من الأيام المائة من وجهة نظر عرقية، وركز البرنامج على الفرق بين أول يوم لرؤساء سابقين وأول يوم لرئيس أسود:

صورة التقطت في البيت الأبيض فيها الرؤساء الخمسة الأميركيون الأحياء: كارتر، بوش الأب، كلينتون، بوش الابن، أوباما. وقالت المذيعة: «من كان يتصور أسودا وسط هؤلاء؟».

ولقطة من الخطاب التلفزيوني الأسبوعي الذي يلقيه أوباما (في الإنترنت أيضا)، وأن أوباما صار واحدا من أفصح رؤساء أميركا، وأنه تأثر بفصاحة مارتن لوثر كينغ، القس الأسود الذي قاد حركة الحقوق المدنية قبل خمسين سنة.

ولقطة لحفل في مسرح البيت الأبيض لمشاهدة منافسة نهائية على بطولة أندية أميركا لكرة السلة (هواية أوباما المفضلة). وكان واضحا في اللقطة أن أغلبية الضيوف سود، وهم يحيون بعضهم بعضا بتحية «هاي فايف» (رفع اليد إلى أعلى ولمسح كف بكف).

ولقطة لمسؤولات سود في البيت الأبيض، وقالت واحدة: «أحيانا أقرص نفسي لأصحو وأتأكد أنني في البيت الأبيض، وأن أخواتي السوداوات هؤلاء معي». وأضافت: «بارك الله في أوباما، رسالة الله لنا، ومكافأة الله لنا لأننا صبرنا لثلاثمائة سنة من العبودية والتفرقة».

ومع نهاية الأيام المائة أوضحت استفتاءات أميركية أن شعبية أوباما في الخارج، وخصوصا عندما زار أوروبا، ثم عندما زار البحر الكاريبي، ساهمت في زيادة تأييد الأميركيين له. وهكذا، لأول مرة، قرب رئيس أميركي بين الشعب الأميركي وشعوب العالم، ليس فقط بسبب سياساته، ولكن بسبب ثقافته وخلفيته العالمية المختلطة. وخلال الأيام المائة الأولى فاز ألبوم «أحلام من والدي» بجائزة «غرامي» الموسيقية (قراءة أوباما لأجزاء من كتابه عن والده). وشاهد أكثر من عشرة ملايين شخص خطاب «يس وي كان» (نعم نقدر)، وفي وقت لاحق فاز الخطاب بجائزة «إيمي» التلفزيونية.