التونسيون يستقبلون فصل الربيع.. سيرا على الأقدام

متمتعين بجمال الطبيعة والآثار البديعة

يكفي الظفر بيوم للنزهة لاكتشاف كم هي الطبيعة جميلة، وكم أكرم الخالق هذه الأرض بالخيرات («الشرق الاوسط»)
TT

عرف المجتمع التونسي تحوّلات عدة خلال العقود الماضية، جعلت النظر إلى زرقة السماء عملية نسيها عديد من الشرائح الاجتماعية. كما غدا من الصعب على التونسيين التمتع بالطبيعة في ظل الجري وراء لقمة العيش..

هذه الحالة جعلت أمراض العصر كالسمنة والسّكري وارتفاع ضغط الدم من الأمراض المستشرية بين التونسيين رجالا ونساء. ويبدو أن كثيرين منهم باتوا بحاجة إلى مَن يذكّرهم بأن في بلادهم مناطق جذابة لا تفوقها أجمل المناطق الأوروبية السياحية من حيث جمال الطبيعة في شيء، بل يكفي الظفر بيوم للنزهة لاكتشاف كم هي الطبيعة جميلة، وكم أكرم الخالق هذه الأرض بالخيرات.

هذه الفرصة وفّرها المكتب الجهوي (الإقليمي) لمنظمة الوطنية رياضة والثقافة والشغل في جندوبة، بشمال غربي تونس، يوم الأحد 3 مايو(أيار) الجاري، وأفسح المجال أمام أكثر من 1500 شخص لاستقبال الربيع مشيا على الأقدام. وأتيحت الفرصة للمواطنين من مختلف الأعمار، شرط أن تعطى للأقدام فرصة دخول الغابة في مناطق عين دراهم، التي شغف بها شاعر تونس أبو القاسم الشابي ونظم فيها أعذب القصائد الشعرية.

وبالفعل كان الجميع على الموعد. وبرقت براءة الأطفال على جميع الوجوه وهي تكتشف المناظر الطبيعية من جديد وتكتشف معها حلاوة الدنيا في هدوء وسكينة، وكأنها ترى الدنيا الكثيرة الألوان، للمرة الأولى. وضمت القافلة دكاترة وأساتذة جامعيين وأطباء وموظفين وطلبة وأعضاء في جمعيات أحباء الطبيعة وأحباء العصافير.. كلهم جاءوا من أجل التمتع بالطبيعة البكر كما تعرضها مناطق الشمال الغربي التونسي حيث أهم منطقة غابية في تونس، تكثر فيها أشجار الفلين والزان والذرو والريحان، وكلها كانت تداعب خدود القادمين وأعينهم ولسان حالها «يقول أين أنتم؟ لم نركم منذ زمن!؟»، أو «زوروني كل سنة مرة.. إذا لم تقدروا على ذلك أكثر من مرة». ولعل الراجلين داخل المنعرجات الغابية أحسوا بالرسالة وفهموها.

التظاهرة تضمنت برنامجا ترفيهيا من خلال مسابقة «المشي للجميع» بين أحضان الطبيعة الخلابة بمنطقة عين دراهم لمسافة 7 كلم. كما كان الجميع على موعد مع عديد النزهات عبر المناطق السياحية والأثرية في مناطق عين دراهم وبني مطير وشمتو وبلاريجيا، وكلها مناطق واقعة في ولاية (محافظة) جندوبة، على بعد 160 كلم إلى الشمال الغربي من تونس العاصمة، إلى جانب نزهة جبلية على ظهور الخيل. كما انتظمت بالمناسبة مسابقة ترفيهية طريفة في لعبة «العكفة» وهي لعبة تراثية تقليدية تعتمد على مهارة لعب الكرة بالعصا، وقد وجد فيها كبار السن الكثير من المتعة بعدما استطاعت تذكيرهم بالذي مضى.

حول هذه التظاهرة قال محمد علي العيادي، رئيس المكتب الجهوي للمنظمة التونسية للرياضة والثقافة والشغل بجندوبة، «التظاهرة بلغت الآن سنتها التاسعة ولم نكن نأمل أكثر من 40 إلى 50 مشاركا في البداية، إلا إن السكان فوجئوا بالسير الجماعي على الأقدام الذي كانت له نتائج إيجابية للغاية، فقد راجت الفكرة في مناطق عديدة في تونس، وأصبحت موعدا ينتظره الكثير من الناس ويأتون لأجله من مناطق عدة وصلت إلى حد الجنوب التونسي على مسافة 600 كلم عن مكان التظاهرة. وهي تشهد من سنة إلى أخرى مشاركة متزايدة بين السياح.

وقد عرفت هذه السنة إقبال المزيد من السياح الألمان والإيطاليين والبريطانيين، وانطلقت مسيرة السبعة كيلومترات مشيا على الأقدام هذه السنة ـ كما ذكر العيادي ـ من دار فاطمة مرورا بفج الريح وصولا إلى المركّب الرياضي في عين دراهم. وقد جذبت لها كل الأعمار من سن الخمس سنوات إلى السبعين سنة، وزادت كميات الأمطار التي هطلت على مناطق الشمال التونسي أخيرا المناظر الطبيعية روعة بوجود شلالات من المياه المتدفقة من الجبال أثارت انتباه المشاركين وحفّزتهم على التمتع أكثر بجمال بالطبيعة البكر». وأضاف العيادي من ناحية أخرى ـ وهو أول المشاركين ـ «إن التظاهرة تغيّر المسلك العام لمسافة السبعة كيلومترات من سنة إلى أخرى لكي يصار إلى اكتشاف المزيد مما وهبت الطبيعة للمنطقة وهو ما يجعل الإقبال يتزايد من دورة إلى أخرى». ومن جهة ثانية، قال منصف الكريمي، رئيس خلية الإعلام الثقافي في المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بجندوبة، «هذه التظاهرة تمثل أفضل طريقة للتعريف بالمخزون الثقافي والطبيعي الذي تتمتع به الجهة، سواء كان ذلك على شكل المناطق الأثرية مثل شمتو وبلاريجيا أو المناظر الطبيعية على غرار الحديقة الوطنية في الفايجة التي تزخر بحيوانات نادرة مثل الأيل الأطلسي وكذلك نصيب من الجوارح والنباتات التي لا توجد إلا في ذلك المحيط الطبيعي، وكل هذه المزايا الطبيعية والمعمارية والأثرية لا يمكن اكتشافها بشكل جيد ودقيق إلا عبر المشي على الأقدام».