انهيار ديترويت يسهم في تحويل بكين إلى مركز لصناعة السيارات

مبيعات السيارات الصينية تصل إلى ما يزيد على مليون سيارة شهريا

زوار يفحصون سيارة «شيفروليه» كروز في معرض للسيارات في بكين (أ.ب)
TT

تشهد الفترة الحالية تفكيك الشركات الأميركية العملاقة بمجال تصنيع السيارات لإمبراطورياتها العالمية. بيد أنه على الجهة المقابلة من المحيط الهادي يبدو الوضع كأن العوامل الاقتصادية العالمية التي عصفت بديترويت ليس لها وجود، حيث تحقق مبيعات السيارات الصينية ارتفاعا. ومن المتوقع أن تحل الصين هذا العام محل اليابان كأكبر دولة منتجة للسيارات عالميا. وفي الوقت الراهن تدور أقاويل بمختلف أرجاء العالم حول إمكانية إقدام صناعة السيارات الصينية على جمع شظايا ديترويت في إطار صفقة ما. من ناحيتها، حاولت الشركات الصينية كبح هذه التوقعات من خلال إصدار وثائق تنظيمية تنفي تقدمها بأي عروض لشراء خط إنتاج «فولفو» التابع لشركة «فورد» أو «ساب» المملوك لـ«جنرال موتورز». ورغم ذلك تسود قناعة في أوساط المحللين بأن صانعي السيارات الصينيين مهتمون بالصناعة الأميركية، وأن هذا الاهتمام متبادل من قبل صانعي السيارات في ديترويت.

في هذا الصدد، أعربت كيلي سيمز غالاغر المحاضرة بكلية كينيدي لعلوم السياسة التابعة لجامعة هارفارد، التي وضعت كتابا حول صانعي السيارات الصينيين، عن اعتقادها بأن شراء العلامات التجارية بالغة الشهرة، مثل «هامر» و«ساترن»، بمقدوره إمداد صانعي السيارات الصينيين بخبرة تقنية تساعدهم على تحقيق قفزات نحو الأمام وتفوقهم على منافسيهم.

وأضافت: «إن هذه نقطة الضعف الكبرى للشركات الصينية. ذلك أن لديها حاليا قدرات تجارية وتصنيعية على مستوى عالمي. لكنها لا تزال تفتقر إلى المعرفة التقنية والأنظمة المتكاملة والقدرة على تصميم مركبات جديدة من الصفر والوصول بها حتى مرحلة التصنيع». والواضح أن الصين لا تزال تعاني من سمعتها كجهة تصنيع تعتمد على التقليد. ومن الممكن أن يسهم استحواذها على شركة أميركية في إضفاء ثقل كبير على بعض من شركات إنتاج السيارات بها البالغ عددها 100 شركة تفتقر إلى الشهرة بوجه عام خارج الأراضي الصينية. وعن هذا الأمر قال آرون براغمان المحلل المعنيّ بصناعة السيارات لدى «آي إتش إس غلوبال إنسايت»، إن مثل هذه الصفقة ستكون أشبه بـ «شراء غطاء جاهز من الشرعية». والملاحظ أن صناعة السيارات العالمية تمر بعملية إعادة هيكلة، فعلى سبيل المثال، نجد أن «فيات» الإيطالية على وشك شراء «كرايسلر». وفي العام الماضي اشترت «تاتا موتورز» الهندية، التي اكتسبت شهرة واسعة بالفعل بإنتاجها سيارة «نانو» التي يبلغ ثمنها 2.000 دولار، كلا من «جاغوار» و«لاند روفر». في الوقت ذاته صعد قطاع السيارات الصيني كتهديد للنظام القائم منذ أمد بعيد على صعيد صناعة السيارات العالمي، ففي وقت سابق من هذا العام اشترت «غيلي أوتوموبيل»، إحدى كبرى الشركات الصينية الخاصة بمجال صناعة السيارات، واحدة من أبرز الشركات الأسترالية المنتجة لأجهزة نقل الحركة في القطارات. إضافة إلى ذلك، اشترت «ويتشاي باور»، إحدى أهم الشركات الصينية المنتجة لمحركات الديزل، شركة فرنسية تصنع هذه المحركات. من ناحية أخرى، طرحت شركة صينية أخرى «بي واي دي»، المعتمدة على استثمارات الملياردير الأميركي وارين إي بافيت، سيارة كهربية في الأسواق، لتسبق بذلك «شيفروليه فولت» التي تنوي «جنرال موتورز» إطلاقها. من ناحية أخرى خيمت أجواء من الكآبة على معرض السيارات السنوي الذي استضافته ديترويت في يناير (كانون الثاني). في المقابل، أثار معرض شنغهاي انبهار الزائرين بحشود العارضين والفرق الموسيقية والأضواء المتألقة. وجدير بالذكر أن «نيسان» لم تشارك في معرض ديترويت، بينما حرصت على المشاركة في المعرض الصيني في أبريل (نيسان). علاوة على ذلك، كشفت كل من «مرسيدس ـ بنز» و«بي إم دبليو» و«بورش» عن طرز جديدة في معرض شنغهاي.

في هذا الصدد صرح ديتر زتش رئيس «دايملر»، أمام المراسلين الصحافيين خلال فعاليات المعرض، بقوله: «مركز الجاذبية يتحرك شرقا».

وأكد جاك بيركوسكي الرئيس السابق لإحدى شركات إنتاج قطع غيار السيارات في بكين، في مدونته تحت عنوان «ترويض التنين»، أنه: «عندما نتطلع نحو الماضي بعد 20 عاما من الآن، من المحتمل أن يجري النظر على عام 2009 باعتباره العام الذي شهد انتقال زعامة صناعة السيارات العالمية من الولايات المتحدة إلى الصين». من ناحية أخرى، أعلنت بعض أبرز الشركات الصينية المصنعة للسيارات، مثل «تشري أوتوموبيل»، عزمها تصدير سيارات صينية الصنع إلى الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة القادمة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يتعين على الشركة تعديل منتجاتها بحيث تتواءم مع المعايير الأميركية الصارمة على صعيدي تقليص الانبعاثات الضارة بالبيئة وضمان السلامة. ولا شك أنه أمر ليس بالهيّن، بالنظر إلى فشل المحاولات الصينية السابقة لتصدير سيارات إلى السوق الأميركية. وقد أخفقت شركة تدعى «بريليانس» في تحقيق هدفها بطرح سيارات لها داخل السوق الأميركية بحلول عام 2009. كما أعلنت «بي واي دي» من قبل أنها ستطرح سياراتها داخل الولايات المتحدة عام 2010، ثم أرجأت الموعد إلى عام 2011. أما الشركات الأخرى التي تشكل جهات منافسة محتملة فإما توقفت عن العمل وإما تناضل من أجل البقاء. يُذكر أنه في عام 1994 أعلنت بكين خطة لزيادة إنتاجها من السيارات بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول عام 2000، وتقليص الواردات. وعملت الحكومة على اجتذاب المستثمرين الأجانب للاستفادة من خبراتهم التقنية، وحثهم على الاستثمار بالشركات الصينية المعنية بقطع غيار السيارات. وسعت الحكومة نحو تحديث صناعتها المحلية عبر خلق مشروعات مشتركة مع شركات أجنبية مصنعة للسيارات مثل «جنرال موتورز». وعليه، ارتفعت مبيعات السيارات الصينية عام 2000. وتجاوزت حاجز مليون سيارة عام 2002. ومؤخرا، مُنيت المبيعات بتراجع في خضم الأزمة المالية، ما أجبر الشركات على تقليص صادراتها إلى دول مثل روسيا وفيتنام.

إلا أنه في أعقاب ممارسة الصناعة ضغوطا على بكين من أجل توفير إعانات مالية لها في أواخر العام الماضي، استجابت الحكومة المركزية بتوفير إعانات مالية وخفض ضريبة المبيعات على السيارات الصغيرة المتميزة بترشيد استهلاك الوقود، ما شكّل دفعة لجانب الطلب. ويقول المحللون إن التوسع في شبكة الطرق داخل البلاد ـ كجزء من حزمة محفزات اقتصادية ـ إضافة إلى تنامي الطبقة الوسطى، باستطاعته دفع المبيعات على نحو أكبر على امتداد سنوات عدة قادمة.

وتشير الأرقام إلى أنه في أبريل (نيسان)، قفزت مبيعات السيارات الصينية لأعلى بنسبة 25%، مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى مستوى شهري قياسي بلغ 1.15 مليون وحدة. وكان ذلك الشهر الثالث على التوالي الذي تتفوق خلاله الصين على الولايات المتحدة من حيث المبيعات. أيضا حققت «جنرال موتورز»، التي تشارك بمشروعين في الصين، رقما شهريا قياسيا من حيث المبيعات في أبريل (نيسان)، مع ارتفاع مبيعاتها بنسبة 50% عن العام السابق. وتخطط الشركة لاستيراد سيارات من الصين بدءا من عام 2011، طبقا للخطة التي عرضتها على الكونغرس. في المقابل، تراجعت مبيعات السيارات داخل الولايات المتحدة بنسبة 34% الشهر الماضي. وأعلنت «جنرال موتورز»، التي حصلت على قروض من الحكومة الأميركية بقيمة 15.4 مليار دولار، أنه من المحتمل أن تتقدم بطلب لإشهار إفلاسها لضمان حمايتها.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»