المحكمة الجنائية بلاهاي: مثول زعيم فصيل متمرد في دارفور لنصف ساعة.. والإفراج عنه

تحديد جلسة ثانية في أكتوبر.. وأبو قردة يؤكد براءته ويطلب من البشير والمشتبه فيهم الآخرين أن يحذوا حذوه

بحر ادريس أبو قردة (يمين) لدى مثوله أمام المحكمة الدولية الجنائية في لاهاي أمس (إ.ب.أ)
TT

مثل قائد إحدى مجموعات المتمردين في دارفور، بحر إدريس أبو قردة، أمس أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب إثر اعتداء على قوات حفظ السلام عام 2007، وهو أول مشتبه به يحضر طواعية إلى المحكمة. واستمرت الجلسة الخاصة به أقل من نصف ساعة تلا فيها القاضي الإيطالي كونو تارفوسير، الذي يضطلع بمهام القاضي المنفرد، تفاصيل الاتهامات الموجهة إليه، واستمع إلى وجهة نظر المشتبه به فيها، قبل أن يعلن موعد جلسة أخرى في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لكل الأطراف (الادعاء والدفاع) لتأكيد أو نفي الاتهامات وتحديد الشهود. وقال القاضي إن أبو قردة الذي كان يقيم في منزل فخم تابع للمحكمة، حر الآن في مغادرة هولندا وقتما يشاء، كما يمكنه توكيل محاميه لحضور الجلسات المقبلة إذا أراد. وقال إنه يشكر المحكمة، وخصوصا إدارة السجلات التابعة لها، ويشكرهم جميعا على جميع الترتيبات التي قاموا بها من أجله حتى يحضر إلى قاعة المحكمة. وقال أبو قردة خلال مؤتمر صحافي عقده عقب انتهاء جلسة مثوله أمام الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة: «أريد أن أؤكد أنني بريء تماما من كل التهم الموجهة إليّ». وأضاف: «أنا متشوق لصدور حكم براءتي».

وجّه أبو قردة نداء إلى كل المطلوبين السودانيين للمحكمة الدولية في لاهاي وفي مقدمتهم الرئيس عمر البشير ووالي جنوب كردفان أحمد هارون، وزعيم مليشيا الجنجويد المفترض علي كوشيب، بأن يحذوا حذوه بالمثول أمام المحكمة طوعا. وقال أبو قردة إنه يطالب كل المطلوبين بالقدوم والمثول أمام المحكمة والدفاع عن أنفسهم، وعليهم أن لا يخافوا من مواجهة القضاة. وأضاف: «لا بد من التعاون مع العدالة الدولية». وقال: «بعد خروجي من القاعة أعلن أمامكم أنه من المهم جدا مواجهة العدالة والحضور والدفاع عن النفس. أنا الآن لا أستطيع التحدث عن كل شيء، تنفيذا لما جرى الاتفاق عليه بيني وبين المحامي والمحكمة، وأريد أن أشير هنا إلى أنني أتيت لأننا لنا موقف واحد في الجبهة التي أقودها، وموقفنا سليم، ولدينا الإثباتات التي سوف ندافع بها ضد كل الاتهامات، وفي نفس الوقت نحن على قناعة بأنه لا أحد فوق القانون». وأضاف: «أنا هنا لأن الموقف يتعلق بدارفور، ولا بد من شرح الحقائق، ونريد أيضا من حضوري إعطاء نموذج للآخرين، وتشجيع العدالة الدولية على ممارسة دورها، وفي نفس الوقت شرح حقيقة الوضع في دارفور وتسليط الضوء على القرارات الأخيرة التي اتخذتها حكومة الخرطوم وأدت إلى تفاقم الوضع في الإقليم». وقال: «نناشد المجتمع الدولي ممارسة الضغوط على الحكومة السودانية للعودة عن قراراتها وإعادة المنظمات الإنسانية إلى عملها لمساعدة سكان دارفور».

وخلال المؤتمر الصحافي تدخل المحامي البريطاني الجنسية كريم خان وأشار إلى موكله أبو قردة بعدم الإجابة على بعض الأسئلة، كما تدخل أعضاء في الجبهة المتحدة للمقاومة التي يقودها المشتبه به، لضمان احترام الاتفاق الذي توصل إليه مع المحكمة بشأن تصريحاته وعدم الخوض في تفاصيل قد تلحق ضررا بالتحقيق. ورفض أبو قردة ما جاء في سؤال يشير إلى أن السفارة الفرنسية في تشاد هي التي منحته تأشيرة دخول أوروبا. وقال إن «علاقتنا جيدة مع الفرنسيين». وحول المساعدات التي حصل عليها من منظمات والدول للوصول إلى لاهاي والجهة التي سيذهب إليها بعد حضوره المحكمة، قال أبو قردة إنه زار دولا كثيرة وسيزور دولا كثيرة ولكن في النهاية سيعود إلى دارفور. وأشار إلى دور مهم تقوم به ليبيا، موضحا أن «طرابلس لها تأثير لا يستطيع أحد أن ينكره».

ودعا أبو قردة حكومة قطر إلى ضرورة أن توجه الدعوة إلى كل أطراف النزاع في دارفور للمشاركة في العملية السلمية وعدم اقتصارها على فصيل واحد، مشيرا إلى أن «المفاوضات التي جرت في قطر كانت ثنائية»، وشدد على وجود رغبة قوية لديه لإيجاد حل للأزمة في دارفور بالحوار السلمي، «ولكن لا بد أن تقدم الحكومة السودانية تنازلات حقيقية وتكون عازمة على تحقيق السلام». وشدد أيضا على أنه ضد انفصال دارفور، وعاد بعدها وهاجم حركة العدل والمساواة التي يقودها خليل إبراهيم، التي تفاوض الخرطوم في الدوحة، وقال إنها «تجيد فقط البرباغندا، وتعلن عن أشياء كثيرة، ونريد فقط منها أن تحقق أيا من تلك الأمور التي تقولها».

وحضر أبو قردة (41 عاما) زعيم الجبهة الموحدة للمقاومة بُعيد ظهر أمس إلى مبنى المحكمة الجنائية التي أصدرت في السابع من مايو (أيار) أمرا بمثوله، بعدما وصل أول من أمس طواعية إلى هولندا على متن طائرة ركاب قادمة من ليبيا. وبحسب المحكمة الجنائية، فإن مثول أبو قردة على علاقة بهجوم شنه ألف مقاتل بعضهم من أتباعه على قاعدة لبعثة الاتحاد الإفريقي في السودان في 29 سبتمبر (أيلول) 2007 في بلدة حسكنيتة في شمال دارفور، ما أسفر عن سقوط 12 قتيلا وثمانية جرحى إصاباتهم بالغة في صفوف الجنود الإفريقيين.

وحددت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي جلسة 12 أكتوبر (تشرين الثاني) القادم، لبداية جلسة تأكيد الاتهامات، التي وجهها الادعاء العام في المحكمة للمشتبه به بحر إدريس أبو قردة. ورأت المحكمة أن الفترة مناسبة لكل الأطراف المشاركة في الجلسة لإعداد الأدلة والإثباتات والشهود، لكي يؤكد كل طرف وجهة نظره. وقال القاضي إنه كان يود التبكير بموعد الجلسة ولكنه راعى العطلة الصيفية.

وقالت سيلفانا أربيا كاتبة المحكمة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش الجلسة، إن «بحر أبو قردة اتخذ خطوة إيجابية للغاية عندما حضر طواعية إلى لاهاي للمثول أمام الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة، وتريد المحكمة أن ترسل إشارة إيجابية إلى المشتبه بهم الآخرين (الرئيس السوداني عمر البشير ومسؤولين آخرين) حتى يحضروا إلى المحكمة ونضمن لهم محاكمة عادلة». ومن جانبها قالت مسؤولة الإعلام والوثائق سونيا روبيلا إن «القاضي استمع خلال الجلسة إلى المشتبه به، ويعتقد (القاضي) أنه في حاجة إلى مزيد من الوقت من أجل مزيد من الدارسة المتأنية للملف وفحص الأسانيد كافة التي اعتمد عليها الادعاء في توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب في دارفور. وأشار إلى أن الدفاع في حاجة أيضا إلى متسع من الوقت».

تفاصيل الجلسة: بعد أقل من دقيقة من انطلاق الجلسة دخل أبو قردة إلى القاعة برفقة محاميه، وكان يحمل معه حقيبة في يده اليمنى. ووجه إليه القاضي عدة أسئلة للتأكد من هويته. أجاب أبو قردة على القاضي باللغة العربية التي طلب التحدث بها. وذكر اسمه وتاريخ ميلاده في الأول من يناير (كانون الثاني) 1963، وأن وظيفته هي قائد سياسي، بينما أشار في البداية مع اسمه إلى أنه رئيس الجبهة المتحدة للمقاومة. ثم أطلع القاضي المشتبهَ به على حقوقه القانونية، قبل أن يترك موظفا (مسجل المحكمة) لقراءة الاتهامات التي يواجهها أبو قردة.

ومن بين الحقوق التي يتمتع بها المشتبه به إتاحة الفرصة له لتحضير الدفاع والتشاور مع محاميه، وله الحق في أن يحضر الجلسات المقبلة، أو يخول محاميه بحضورها. وله الحق في الحصول على المساعدة القانونية واستجواب الشهود. ولن يجبره أحد على الشهادة ضد نفسه أو الاعتراف بشيء فيه ضرر له حسبما أكد له القاضي. وقال إن المشتبه به له الحق في مغادرة هولندا خلال ساعات بعد نهاية الجلسة، وطلب من الدفاع إعطاءه كل المعلومات اللازمة لحضور الجلسات، ورد المحامي بالقول إنه يطالب في البداية بضرورة وصول المستندات اللازمة من الادعاء التي تتضمن أسباب الاتهامات ومضمونها «حتى نستطيع تجهيز الدفاع وبعد ذلك سوف نرى إمكانية حضور أبو قردة وهذا الأمر سابق لأوانه».

وكان أبو قردة حضر طواعية إلى هولندا بعد ظهر الأحد على متن طائرة تجارية. وإثر وصوله، تم إخطاره من قِبل مسؤولين في المحكمة بأمر الحضور الصادر بحقه للمثول أمام الدائرة التمهيدية الأولى. وبعد اللقاء بمحاميه تم إيصال أبو قردة إلى المكان الذي خصصته المحكمة الجنائية الدولية لإقامته في لاهاي. ومكان إقامة أبو قردة ظل سريا ويُعتبر امتدادا لمباني المحكمة التي حظر عليه مغادرتها إلا بإذن خاص من الدائرة.

وجاء في لائحة الاتهام أن «أبو قردة، الذي ينتمي إلى قبيلة الزغاوة في السودان، متهم بثلاث جرائم حرب في أثناء هجوم شُنّ بتاريخ 29 سبتمبر (أيلول) 2007 على بعثة الاتحاد الإفريقي في السودان، وهي بعثة لحفظ السلام مقرها بلدة حسكنيتة، في محلية أم كدادة، في شمال دارفور. والتهم الثلاث هي القتل، واستهداف موظفين ومنشآت، والنهب المسلح. وتقول لائحة الاتهام إن المهاجمين كانوا قرابة ألف شخص مسلحين بالمدافع المضادة للطائرات والأسلحة المدفعية وقاذفات القنابل الصاروخية، وإنهم قتلوا اثني عشر من جنود بعثة الاتحاد الإفريقي في السودان وأصابوا ثمانية آخرين بجروح بالغة. ودمروا في أثناء الهجوم وبعده أجهزة اتصالات ومنشآت ومهاجع ومركبات ومعدات أخرى تابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي في السودان، واستولوا على ممتلكات تابعة لها من بينها 17 مركبة ومبردات وحواسيب وهواتف خلوية وأحذية وأزياء عسكرية ووقود وذخيرة وأموال.

ورأت الدائرة التمهيدية الأولى، المؤلفة من القاضية سيلفيا شتاينر (البرازيل)، رئيسة الدائرة، والقاضية سانجي ماسينونو موناجينغ (بوتسوانا) والقاضي كونو تارفوسير (إيطاليا)، أن للاعتقاد بأن أبو قردة يتحمل المسؤولية الجنائية عن ارتكاب جرائم الحرب أسبابا معقولة.