«سوليد» تفقد شاهدا أساسيا في قضية المفقودين والمعتقلين في سورية

عجلات أسرع من «همة» المسؤولين تودي بأم لمفقودين

TT

رحلت وفي قلبها حرقة وغصة عمرهما 24 عاما. قضت أمس أوديت أديب سالم تحت عجلات سيارة كانت أسرع من «همة» المسؤولين اللبنانيين الذين أغدقوا ويغدقون وعودا على أهالي المفقودين والمعتقلين في السجون السورية. دهستها سيارة، أوقف صاحبها، أثناء عبورها الطريق وصولا إلى خيمة «الاسكوا» في وسط بيروت حيث تعتصم منذ 11 أبريل (نيسان) 2005 لتطالب بمعرفة مصير ولديها كريستين سالم (19 عاما) وريشار (22 عاما) اللذين اختطفا في 17 سبتمبر (أيلول) 1985. هذه المرأة التي أمضت 4 سنوات وشهرا وخمسة أيام في خيمة تقاوم برد الشتاء وأمطاره وحرارة الصيف، فقدت على مر سنوات الانتظار جميع أفراد عائلتها. لكن موتها شكل فاجعة لأهالي الخيمة ولمن عرفوها من الصحافيين، فهي سيدة «الإرادة الصلبة والعزيمة الأصلب» كما يصفها من عرفوها.

قالت أوديت، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» قبل أشهر: «صحيح أن موت عائلتي جعلني مشلوحة وحيدة على قارعة الطريق، لكنه في الوقت نفسه، زادني عزيمة لمواصلة المشوار، فلم يبق سواي للمطالبة بعودة كريستين وريشار اللذين لم يكونا على صلة بأي تنظيم أو حزب».

وفي لقاء آخر، بعد زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لبيروت، حين دعا الأهالي لـ«الصبر أسابيع مثلما صبروا 30 سنة» في الخيمة التي لازمت وستتحول ساحة لتقبل التعازي طوال هذا الأسبوع، كانت أوديت تسأل وفي عينيها دمعة وفي صوتها خنقة: «متى سيأتي ذاك اليوم؟». هذه المرأة التي عرفها اللبنانيون عبر المقابلات الكثيرة التي أجرتها، قال عنها رئيس لجنة «سوليد» المعنية بهذه القضية غازي عاد، في اتصال أجرته به أمس «الشرق الأوسط»: «كانت أوديت ركنا أساسيا لبقاء الخيمة، لأنها كانت من أشد المؤمنين بقضية المفقودين والمعتقلين في السجون السورية. ولم تكن تفارق الخيمة إلا يوما واحدا أو يومين على الأكثر في الأسبوع. أقول للمسؤولين إنه، بموت أوديت فقدنا شاهدا أساسيا من شهود القضية. لكن موتها زاد الأهالي ثباتا وإصرارا على متابعة نضالهم». وأفاد أن «اللجنة تعمل على التحضير لمأتم وطني يقام اليوم الثلاثاء بعد أن ينقل جثمانها من مستشفى بيروت الحكومي إلى الخيمة حيث تقام الصلاة وتتلا كلمات الوداع، ومن ثم تقام مراسم الدفن في برج حمود». زميلة أوديت في الخيمة نهيل شهوان التي اختطف زوجها قبل 28 عاما، تقول لـ«الشرق الأوسط» وهي تجهش بالبكاء: «خسرناها وماتت حرقة على ولديها. لم تكن تفارق الخيمة لا شتاء ولا صيفا. لم تعرف الراحة ولم يثنها مرضها عن مواصلة الاعتصام. كانت تأمل في أن ترى ولديها يوما ما، لا بل كانت واثقة من ذلك. إنسانة قوية جدا ومناضلة حقيقية، فرغم آلامها ومعاناتها، كانت تمدنا جميعا بالأمل وتقوي عزيمتنا بكلماتها المشجعة. وأقول للمسؤولين: خبئوا رؤوسكم فالأمهات يمتن الواحدة تلو الأخرى وسكوتكم لا يهزه شيء».

اكتفت نور حنا، وهي قريبة أحد المفقودين منذ عام 1985، بالقول: «نضع موتها برسم المسؤولين. فهذه أم أخرى ماتت من دون أن تعرف مصير ولديها، عل موتها يهز المسؤولين في كراسيهم».

رحلت أوديت تاركة صورتي كريستين وريشار معلقتين أمام الخيمة، فمن سيواصل السعي لمعرفة مصيرهما؟ وهل يهز موتها ذاك الصمت المريب ويحرك قضية يبدو أنها لا تثار إلا لتغذية خطابات السياسيين؟