البحرين: البرلمان يقر قانونا لأحكام الأسرة للطائفة السنية ويرجئ أحكام الطائفة الشيعية

جمعيات تعتبر تجزئة القانون بحسب الطائفة «سابقة خطيرة لتقسيم المجتمع البحريني»

TT

أقر البرلمان البحريني بغرفته الشورية أمس، قانونا ينظم أحكام الأسرة (الشق السني)، وأحاله بصفة الاستعجال إلى الحكومة تمهيدا لمصادقة الملك حمد بن عيسى عليه وإصداره في صورة قانون نافذ، فيما تم تأجيل القسم الخاص بالطائفة الشيعية، حتى يتم التوافق عليه مع علماء الشيعة في البحرين.

وتأتي موافقة مجلس الشورى على القانون المثير للجدل، بعد خمسة أيام من إقرار المجلس النيابي للقانون نفسه، في خطوة هي الأولى من نوعها التي يوافق فيها البرلمان على قانون يطبق على جزء من المجتمع (الطائفة السنية) ولا يطبق على الجزء الآخر (الطائفة الشيعية). وفيما شهدت جلسة المجلس النيابي الخميس الماضي انسحاب كتلة جمعية الوفاق الإسلامية (الشيعية) عن جلسة مناقشة القانون، واعتراض ثلاثة نواب إسلاميين سنة، مرر نواب مجلس الشورى أمس القانون الذي يتكون من 147 مادة بوقت قياسي.

لكن قانون أحكام الأسرة المقر من قبل البرلمان أمس، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، تم إجراء تعديلات على عدد من بنوده المثيرة للجدل، من قبل لجنة تضم كبار علماء السنة في البحرين، ومن أبرز البنود التي تم تعديلها، حذف المادة التي تجيز للمرأة عند عقد الزواج أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها. كما تم تعديل سن الزواج للفتاة بـ16 عاما، بدلا من 15 عاما، التي لا يتم الموافقة على تزويجها إلا بموافقة المحكمة الشرعية بعد التحقق من ملاءمة الزواج.

ويشترط القانون لمن أراد توثيق زواجه بامرأة من خارج دول مجلس التعاون الخليجي، وقد تجاوز الستين من عمره، الحصول على إذن من المحكمة الشرعية. كما يعطي القانون الزوجة الحق في طلب الطلاق في حال كان الزوج مدمنا شرب الخمر، وتسببت موافقة البرلمان على الجزء الأول من القانون الذي يختص بأحكام الأسرة التي تعنى بالطائفة السنية، إلى اعتراض من فعاليات وجمعيات بحرينية، التي رأت في مثل هذه الموافقة «سابقة خطيرة لتقسيم المجتمع البحريني».

ورفضت جمعية العمل الوطني الديمقراطي القبول بغير إصدار متزامن لشقي القانون السني والجعفري في وقت واحد، مؤكدة على ضرورة إقرار قانون واحد للأسرة البحرينية «يستجيب لمعاناة المتضررين والمتضررات من النساء والأطفال والرجال وفق مقاصد الشريعة الإسلامية السامية في تحقيق العدالة والكرامة الإنسانية للمواطنين على المذهبين الكريمين»، وطالبت الجمعية البرلمان بعدم التأسيس «لسابقة تاريخية خطيرة تعالج الحقوق المجتمعية بذهنية طائفية غير آبهة بالمصلحة الوطنية». وكانت الحكومة البحرينية قد قامت بسحب المشروع بشقيه السني والجعفري في فبراير (شباط) الماضي من مجلس النواب، إثر معارضة شديدة من قبل نواب كتلتي الوفاق والأصالة. قبل أن تقوم السلطة التنفيذية في أبريل (نيسان) الماضي، بإحالة الشق السني فقط من القانون إلى مكتب مجلس النواب، ثم مرر مشروع القانون عبر جلسة النواب إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية البرلمانية، ثم تحصل القانون على موافقة المجلس النيابي.

واكتفى أعضاء مجلس الشورى في جلستهم أمس، بالمطالبة بالإسراع بتحقيق التوافق المجتمعي فيما يخص القسم الثاني (الشق الشيعي) من القانون «ليعم الخير جميع مواطني مملكة البحرين دون استثناء».

غير أن العضو في مجلس الشورى البحريني السيد ضياء الموسوي قال لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي إنه يأسف «ألف مرة لأن شخصا واحدا أو مجموعة صغيرة من علماء الشيعة اختطفت الشارع الشيعي وتسببت في رفضهم للقانون، وبالتالي اضطررنا لإصدار قانون يخص الطائفة السنية، للتدليل بأن كافة بنوده تم استقاؤها من الشريعة الإسلامية».

وردا على سؤال حول قيام البرلمان بمثل هذه الخطوة اللافتة بإصدار قانون لجزء من المجتمع فقط، قال الموسوي «أشعر بالألم والأسى والحزن لأن القانون قسم المجتمع، لكن كان مما لا بد منه، على الأقل في المرحلة الحالية».

ويتضمن مشروع القانون مواد تتعلق بتنظيم أحكام الزواج وآثاره الشرعية وفقا للمذهب السني، ويقول معدو القانون إن مشروع القانون «جاء لتقنين مجموعة من القواعد الشرعية التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم بسبب الزواج والطلاق وآثارهما من حيث الحقوق والواجبات التي تنشأ عن هذه العلاقة بما ينظم العلاقات بين أفراد الأسرة مستمدا أحكامه من الشريعة الإسلامية، الأمر الذي سيسهم في مساندة القضاة والأفراد المتقاضين أمام القضاء الشرعي من حيث معرفة الحقوق والواجبات، وتوحيد الأحكام الشرعية في القضايا والوقائع المتشابهة، وقصر أمد التقاضي وسرعة البت في الدعاوى الأمر الذي يؤدي إلى استقرار أوضاع الأسر».

وتقول عضو الشورى الدكتورة فوزية سعيد الصالح إن القانون يغطي ثلاث ركائز قام عليها المشروع الإصلاحي في البحرين، «فهو يحل جزءا من معاناة المرأة التي أولاها المشروع عظيم الاهتمام ويؤسس للتقارب بين المذاهب، ويسهم في إصلاح القضاء الذي هو ركيزة أساسية لتحقيق الديمقراطية»، معتبرة أن إقرار هذا القانون خطوة تاريخية هامة في طريق تحقيق مصالح المرأة البحرينية والأسرة عامة.

وفي سياق تأييده للقانون، يؤكد العضو الشيخ عبد الرحمن عبد السلام على ضرورة قانون أحكام الأسرة «لكونه جمعا لأحكام سطرت في كتب الفقه، فأساس هذا القانون موجود في كتاب الله والسنة النبوية، فالقانون ضرورة للقاضي والمترافع والمتخاصمين والناس جميعا». يشار إلى أن لجنة الأحوال الشخصية بالاتحاد النسائي أعلنت الشهر الماضي عن تدشين عريضة للمطالبة بقانون موحد للطائفتين، تعتزم عرضها على مؤسسات المجتمع المدني للتوقيع عليها، ومن ثم رفعها إلى الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين.