احتمال خروج الاقتصاد الأميركي من حالة الركود في وقت لاحق هذا العام

برنامج مصرف الاحتياط بقيمة تريليون دولار لدعم الشركات الصغيرة لم يوزع سوى خمس المبلغ

خفض مصرف الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة قصيرة الأجل إلى مستوى صفر في ديسمبر (كانون الأول)، الأمر الذي حد من تكاليف اقتراض الأميركيين المال (أ.ب)
TT

يشهد النظام المالي، الذي تعرض لحالة من الجمود البالغ على مدار الأشهر التسعة الماضية، ذوبانا للثلوج التي شلت حركته. ويأتي ذلك على الرغم من أن كثيرا من برامج الإنقاذ الكبرى التي أقرتها إدارة أوباما لم يبدأ تنفيذها بعد. ويعكس هذا التحسن تأثير مجموعة واسعة النطاق من الإجراءات، التي جرى اتخاذ كثير منها بعيدا عن دائرة الضوء، وذلك طبقا لوجهات نظر مسؤولين حكوميين وخبراء اقتصاديين. إلا أنهم أكدوا أن العنصر الأكثر أهمية على هذا الصعيد يتمثل في زيادة ثقة الأسواق المالية في استعداد الحكومة لاتخاذ إجراءات قوية ـ وهي ثقة يعمل المسؤولون المعاونون لأوباما باستمرار على تعزيزها من خلال الخطب التي ألقوها والمناسبات العامة التي ظهروا بها. منذ مطلع هذا الشهر، أقدمت المصارف الكبرى على جمع أو إعلان أنها ستجمع 56 مليار دولار في صورة رؤوس أموال خاصة، في إجراء سبق أن صرح رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي، بين إس. بيرنانك، في مارس (آذار) بأنه سيعد بمثابة مؤشر على تعافي النظام المالي. والملاحظ أن معدل الفائدة على القروض التي تقدمها المصارف لبعضها بعضا، وهو مؤشر آخر على مدى قوة النظام المالي، في أدنى مستوياته منذ أن بدأت فصول الأزمة المالية الراهنة عام 2007. منذ 9 مارس (آذار)، ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز» 34 في المائة، ووصل مؤشر قياس حجم تقلبات سوق الأسهم هذا الأسبوع لأقل مستوى له منذ تعمق الأزمة المالية في سبتمبر (أيلول)، ما يوحي بأن المستثمرين يعتقدون أن عمليات الدوران الشديد والالتفاف حول نقطة معينة ستتضاءل حاليا. والواضح أن جهود تحقيق الاستقرار على الصعيد الاقتصادي العام ساعدت القطاع المالي على تصحيح أوضاعه. يذكر أنه في إطار الوثائق التي كشف عنها لمحاضر وقائع اجتماع قيادات مصرف الاحتياطي الفيدرالي في أبريل (نيسان) لصياغة السياسات الواجب اتباعها، أعرب المسؤولون عن اعتقادهم بأن الاقتصاد ربما يبدأ في الخروج من حالة الركود في وقت لاحق من هذا العام. إلا أن هذه القيادات، علاوة على خبراء اقتصاديين تابعين للقطاع الخاص، حذروا من احتمالات استمرار معدلات البطالة عند مستويات مرتفعة حتى عام 2011 على الأقل، وخلال تلك الفترة قد يستمر الأفراد في تقليص نفقاتهم والاقتراض بمعدلات أقل، بينما يتحتم على الشركات التجارية التشبث بالوفرة الكبيرة في الاستثمارات التي خلقتها سنوات الازدهار. في هذا السياق، علق أنيل كاشياب، الخبير الاقتصادي بكلية بوث للأعمال التجارية التابعة لجامعة شيكاغو، بالقول: «يسود شعور بأننا في الوقت الحاضر تجنبنا السقوط في كساد كبير آخر. لكن الاقتصاد الحقيقي لا يزال في حالة متردية للغاية».

وجاء هذا التحسن النسبي على الرغم من التقدم البطيء في بعض الجهود الحكومية الأكثر استحواذا على الاهتمام العام والرامية لإنعاش النظام المالي والاقتصاد بوجه عام. إلى ذلك، فإن البرنامج الذي وضعه مصرف الاحتياطي الفيدرالي بقيمة تريليون دولار بهدف دعم إقراض المستهلكين والشركات التجارية الصغيرة لم يوزع سوى خمس هذا المبلغ حتى الآن. وصرح وزير الخزانة، تيموثي إف. غيتنر، بالأمس في إطار شهادة أدلى بها أمام الكونغرس، بأن تنفيذ خطة إدارة أوباما لشراء الأصول المتعثرة من المصارف لن يبدأ قبل نحو ستة أسابيع. علاوة على ذلك، لم تتدفق حتى الآن المساعدات المالية المخصصة للشركات الصغيرة ومالكي المنازل الذين يجابهون خطر مصادرة منازلهم بكميات كبيرة بعد، وكذلك الحال مع الأموال المتعلقة بخطة التحفيز الاقتصادي الحكومية، التي تم تمريرها في فبراير (شباط). ومع ذلك، يؤكد المسؤولون الحكوميون والخبراء الاقتصاديون استمرار وجود شعور بأن الحكومة تعمد إلى مهاجمة الأزمة من كافة الجوانب. على سبيل المثال، قال ديزموند لاتشمان، زميل «أميركان إنتربرايز انستيتيوت»، وهو منظمة أبحاث مقرها واشنطن: «إنهم يقومون بجميع الإجراءات اللازمة في كثير من الأسواق المختلفة بهدف توفير الدعم. ومن جانبها، تتطلع الأسواق نحو الأمام، وتشهد إلى حد ما تحسنا بناء على توقعاتها بإجراءات لم تتخذ بعد». يذكر أن فكرة التجربة والخطأ واستعراض كثير من السياسات المختلفة قبل إقرار تفاصيل السياسات الواجب اتباعها، شكلت واحدا من العناصر الأساسية في استراتيجية إدارة أوباما. في إطار لقاء أجرته معه «واشنطن بوست» مؤخرا، قال غيتنر: «يرتبط جزء كبير من جهود الخروج من الأزمة بالثقة. وتتسم الانطباعات والتأثيرات الناشئة ليس عن مستوى جودة السياسات المتبعة فحسب، وإنما الشعور بأن الحكومة تتحرك.. بأهمية جوهرية بالنسبة للثقة». بيد أن اتخاذ مثل هذا العدد الكبير من المبادرات كانت له تكلفته، التي تمثلت في بعض التشتيت لتركيز الإدارة وتعريض كميات هائلة من أموال دافعي الضرائب للمخاطر. ويشعر النقاد بالقلق إزاء عدم توافر خطة واضحة طويلة الأمد لدى إدارة أوباما فيما يخص تقليص الإعانات المالية التي تقدمها. يذكر أن «برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة» الذي وضعته وزارة الخزانة بقيمة 700 مليار دولار، وحظي بموافقة الكونغرس في أكتوبر (تشرين الأول)، جرى تقديم أمواله بشكل كامل حتى الآن للاستثمارات الحكومية في المصارف، ولإنقاذ كبريات شركات إنتاج السيارات و«أميركان إنترناشيونال غروب» فقط. إلا أن مجموعة واسعة النطاق من الإجراءات التي استحوذت على اهتمام عام أقل تركت تأثيرا مباشرا أكبر. على سبيل المثال، خفض مصرف الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة قصيرة الأجل إلى مستوى صفر في ديسمبر (كانون الأول)، الأمر الذي حد من تكاليف اقتراض الأميركيين المال، وساعد المصارف على سد النقص في رؤوس الأموال المتوافرة لديها. من المعروف أن المصارف تجني المال من وراء الفارق بين ما تدفعه للمودعين كفائدة على أموالهم والفائدة التي تفرضها على القروض، وكان من شأن تقليص معدلات الفائدة قصيرة الأجل توسيع هذا الفارق. وكان من شأن إنشاء «مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية»، وهي برنامج يعمل على ضمان الديون المصرفية، تمكين المصارف من الاستمرار في تمويل نفسها خلال أسوأ فترات الأزمة المالية. إضافة إلى ذلك، ساعدت البرامج التي وضعها المصرف الاحتياطي الفيدرالي لشراء أوراق مالية متعلقة بالرهون العقارية بقيمة 1.75 تريليون دولار وسندات الحكومة الأميركية، في خفض معدلات الفائدة على مختلف الأصعدة، خاصة بالنسبة لمن يشترون أو يعيدون تمويل منزل. ويقف برنامج آخر يتبع المصرف الاحتياطي الفيدرالي على أهبة الاستعداد لدعم أسواق الأوراق التجارية، وهي نمط من الديون قصيرة الأجل للشركات الكبيرة، على الرغم من أن معدلات الاستعانة بالبرنامج تراجعت خلال الأشهر الأخيرة مع استقرار سوق الأوراق التجارية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»