خلية نيويورك: توجيه تهمة محاولة قتل يهود لـ4 مدانين سابقين.. زعيمهم تاجر مخدرات وأحدهم مدمن كوكايين

هللوا «الله أكبر» عندما حصلوا على متفجرات وصاروخ «ستينغر» غير فاعل.. وكانوا تحت أعين الـ«إف. بي آي» بالصوت والصورة

اريك سيندر مساعد المدعي العام الاميركي (يسار) ومحامي الدفاع مالرين ريدر (وسط) والمتهم لاغوري باين في رسم تفصيلي بقاعة محكمة وايت بلينز بنيويورك اول من امس (ا.ب)
TT

كانوا أربعة من المدانين السابقين، أحدهم مدمن كوكايين وآخر كانت آخر جرائمه اختطاف حافظات النقود، جمعوا أدوات إرهابهم أينما حلوا. وقالت السلطات إن الأربعة اشتروا هواتف جوالة، كما اشتروا كاميرا من متجر وول مارت؛ لالتقاط صور للمعبدين اليهوديين في مدينة نيويورك، وإنهم كانوا يريدون تفجيرهما. وعندما فشلت محاولتهم لشراء الأسلحة في نيوبورغ في نيويورك، قالت لهم تاجرة الأسلحة إنها باعتها، اتجهوا إلى القسم الجنوبي من الولاية واشتروا مسدسا بقيمة 700 دولار من زعيم عصابة بلودز في بروكلين. وتزعم السلطات أنه بعد شهور من التخطيط بدأ الرجال في تنفيذ الرعب الحقيقي لهم هذا الشهر، حيث اتجهوا إلى ستامفورد بولاية كونيتيكت لشراء صاروخ أرض جو، كان ينتظرهم في أحد المستودعات. كان أحد الرجال بالسيارة يعتقد أن السلطات تراقبهم؛ لذا عادوا إلى نيوبورغ واستمروا في القيادة إلى أن اطمأنوا أنهم في مأمن. ثم عادوا بعد ذلك إلى ستامفورد للحصول على الصاروخ والقنابل. وبعد أن اشتروا الأغراض عادوا إلى نيوبورغ ووضعوها في حاوية وهللوا «الله أكبر».

ووجه الادعاء العام الأميركي تهمة «محاولة قتل يهود» لأربعة رجال اعتقلوا الأربعاء، وطالب باحتجازهم وعدم الإفراج عنهم بالكفالة، بزعم محاولتهم تفجير معبد يهودي في مدينة نيويورك، والتخطيط لإسقاط طائرات أميركية مقاتلة بصواريخ أرض جو. وأمرت القاضية ليزا سميث باحتجاز ثلاثة متهمين ومنع خروجهم بكفالة إلى حين عرضهم أمام المحكمة في الخامس من يونيو (حزيران) المقبل، في حين وافقت على طلب المتهم الرابع، وزعيم المجموعة جيمس كروميتي، بالعلاج من جروح أصيب بها من قطع زجاج متطايرة خلال عملية اعتقاله، كما قال. القضية خضعت لتحقيق طويل امتد على مدى عام تقريباً وشارك فيها عميل سري من عملاء مكتب المباحث الأميركية وشرطة نيويورك، واستخدموا شاحنة كبيرة لاعتراض سيارة كانت تقل الرجال الأربعة المشتبه بهم، بعد أن زرعوا ما اعتقدوا أنها مواد متفجرة، كانت في الحقيقة مواد متفجرة مزيفة، في سيارات بالقرب من المعبد اليهودي مساء الأربعاء، وفقاً لرئيس شرطة نيويورك، ريموند كيلي. ووصف كيلي المؤامرة بأنها محلية، ولا ترتبط بأي جماعة خارجية أو محلية أخرى معروفة.

تلك التفاصيل كما سردتها السلطات، بخصوص خطة إرهابية محلية، لتفجير كنيسين يهوديين في برونكس وإسقاط طائرة عسكرية. وقد نشرت تفاصيل الخطة يوم الخميس خلال جلسات استماع في المحاكمة ووثائق ومقابلات، وكذا بعض تفاصيل حياة المدانين الأربعة المتهمين في القضية.

يذكر أن الصفحات الضخمة الخاصة بالتآمر، التي أعدتها المباحث الأميركية التي تناولت الحديث عن قتل يهود واختبار الأسلحة التي اشتروها، ارتكزت على مسرح مليء بالكاميرات الخفية والميكروفونات السرية وأدوات أخرى، قدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي. فقد تم تسجيل كل الأمور التي دارت في ذلك المنزل الكائن في نيوبورغ، وفي المخزن الموجود في ستامفورد وزرع القنابل المخطط له في حي ريفردال في برونكس بالصوت والصورة. وقال إريك سيندر، مساعد النائب العام الأميركي في المحكمة الفيدرالية في منهاتن أول من امس: «من الصعب تخيل مؤامرة أكثر ضررا من هذه، إن هؤلاء الرجال يتسمون بقدر كبير من العنف، إن هؤلاء نوع من الرجال كانوا يتوقون لانتهاز الفرصة للفتك بيهود».

وقد زار عمدة نيويورك ريتشار بلومبيرغ ومفوض الشرطة رايموند دبليو كيلي المركز اليهودي في ريفرديل، الذي قال عنه مكتب التحقيقات الفيدرالي، إنه كان أحد أهداف المؤامرة، حيث امتدح بلومبيرغ وكيلي عمل الهيئات التي وقفت خلف عمليات الاعتقال، وسعوا لتهدئة أية مخاوف من وجود منظمة إرهابية ضخمة.

وقال بلومبيرغ، الذي شدد مع كيلي على أن الرجال الأربعة لا صلة لهم بأي منظمات إرهابية دولية: «من المحزن، أن هذا مذكر أن السلام هش وأن الديمقراطية هشة، وأن علينا أن نكون متيقظين على الدوام، لكن الخبر السار هو أن شرطة نيويورك ومكتب المباحث الفيدرالي منعا ما كان يمكن أن يكون حادثا مروعا في مدينتنا». وتعد هذه القضية الأخيرة في سلسلة المحاولات التي شهدتها مدينة نيويورك ومختلف أنحاء الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وبدت مألوفة إلى حد ما.

بدأت التحقيقات، على سبيل المثال، بعمل مخبر سري، الذي قدم نفسه كعميل لمنظمة إرهابية باكستانية، الذي أصبح عضوا بارزا في مؤامرة الرجال. ولا تزال طبيعة ومدى الدور الكامل للمخبر في تسهيل المؤامرة غير معروف. وقد سعى محامو الدفاع في القضايا الأخرى إلى تصوير هؤلاء المخبرين كمشاركين في عملية إعداد الأكمنة، مشيرين إلى أنهم قاموا باستثارة موكليهم ووفروا الدعم لما يسعون له.

لكن تقول السلطات، إنه بينما كانت محاكمات الإرهابيين السابقة ترتكز في الغالب على محادثات بشأن هجمات مخطط لها أو متخيلة، تمادت تلك المؤامرة أبعد من ذلك، فقد انخرط الرجال في أعمال خطيرة فيما يعتقدون انه اعتداءات مميتة.

بالنسبة للمتهمين الأربعة، جيمس كروميتي، الذي يبلغ من العمر 44 عاما، وديفيد ويليامز، الذي يبلغ من العمر 28 عاما، وأونتا ويليامز الذي يبلغ من العمر 32 عاما، الذي لا تربطه صلة قرابة واضحة بديفيد، ولاغوري باين الذي يبلغ من العمر 27 عاما، كانت كل التفاصيل التي قدمت يوم الخميس كانت عن ماضيهم الإجرامي. وصف الادعاء ديفيد ويليامز، الذي أطلق لحيته مؤخرا وأخذ يقرأ القرآن في الليالي، التي لا تشهد ازدحاما في وظيفته في متجر اللحوم، بأنه رجل عنيف، فعندما فشلت عملية شراء المسدسات من امرأة في نيوبورغ، كان ديفيد ويليامز هو من ارتجل ورتب لشراء مسدس من رجل وصفه بأنه «زعيم عصابة بلود» في بروكلين، حسب ما قاله سندر. وبعد شرائه المسدس بصحبة المخبر، قال ديفيد ويليامز، إنه كان على استعداد لإطلاق الرصاص على زعيم العصابة لو كان بمفرده معه ليحتفظ بنقوده الـ700 دولار.

ووصف باين بأنه شخص عصبي المزاج منحرف المزاج إلى حد بعيد ويتناول العقاقير لأنه مصاب بانفصام الشخصية ولا يعمل ويعيش في القذارة في نيوبورغ. وكانت آخر المرات التي اعتقل فيها في عام 2002 بتهمة الاعتداء المسلح، بعد أن قاد في قرية مونسي بمقاطعة روكلاند كاونتي، حيث أطلق مسدسه من نافذة السيارة؛ ليصيب مراهقتين، ويخطف حافظتي نقود. وقال صديق باين، الذي زار شقته يوم الخميس، إنها كانت تحتوي على دجاج غير ناضج على الموقد. أما كونتا ويليامز فيقول محاميه، سول ليسر، عندما أدين عام 2003، إنه مدمن للكوكايين منذ أن كان مراهقا، أما كروميتي الذي يعتبر زعيم الخلية فقد قضي 12 عاما في السجن، كانت آخرها لبيع المخدرات لضابط سري خلف مدرسة.

وقال مسؤولو تنفيذ القانون بصورة مبدئية، إن الرجال الأربعة مسلمون، لكن خلفياتهم الدينية ظلت محل شكوك يوم الخميس. فقد أورد مسؤول تأهيلي، أن باين قال خلال مدة السجن التي امتدت 15 شهرا وانتهت في 2005 إنه كاثوليكي. وعرف كروميتي وأونتا ويليامز نفسيهما في سجلات السجن على أنهما معمدانيان على الرغم من تغيير كروميتي لديانته المسجلة إلى مسلم خلال مدتي السجن اللتين قضاهما بعد ذلك، فيما لم يذكر ديفيد أي انتمائه لأي دين. لم يقض الرجال الأربعة أي حكم في سجن واحد سويا، غير أن ثلاثة منهم اعتادوا تناول طعام الغداء سويا في مطعم داني في نيوبورغ. وقال داني ديلون مالك المطعم، إنهم «كانوا يتبادلون الأحاديث وهم يتناولون أطباق الأرز والفاصولياء».

وأشار صلاح الدين مصطفى محمد، إمام المسجد الذي قالت السلطات، إن مخبرها السري التقى الرجال فيه للمرة الأولى، إلى أنه لم يكن أي من هؤلاء الرجال عضوًا ناشطًا بالمسجد، وأفاد هامان رشادا، مساعد الإمام، أن كلاً من كروميتي وباين كانا يحضران الشعائر الدينية بالمسجد بين الفينة والأخرى.

وكان كروميتي بالمسجد في شهر يونيو (حزيران) الماضي، حيث التقى رجلاً غريبًا. ولم يكن يعلم أن طريق الغريب إلى المسجد بدأ عام 2002، وذلك عندما تم إلقاء القبض عليه على خلفية اتهامات فيدرالية بانتحال شخصية. بعد ذلك، تم الحكم عليه بالسجن 5 سنوات مع تعليق العقوبة والاستمرار في مراقبته، وبعدها عمل مخبرًا سريًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، بدأ في الظهور بالمسجد في نيوبورغ في عام 2007، حسب ما قاله محمد. وأثار سلوك الرجل الغريب شكوك الإمام، إذ كان يدعو باقي المصلين من مرتادي المسجد لتناول الطعام معه، وكان يتحدث معهم عن العنف والجهاد، لذا كان الإمام ينأى بنفسه عنه. وتابع قائلاً: «كانت هناك شكوك تحوم حوله تمامًا». وكان رواد للمسجد «يعتقدون أنه كان عميلاً حكوميًا».

وقال محمد إن مرتادي المسجد أخبروه أن الرجل، الذي كان يعتقد أنه كان المخبر، عرض على واحد منهم على الأقل مبلغًا كبيرًا من المال للانضمام إلى «فريقه». وطبقًا للبلاغ، التقى المخبر مع كروميتي، وسرعان ما اتضح له أن كروميتي من نوعية الرجال ذوي العقليات الراديكالية بصورة جلية. وقال كروميتي، إن والديه كانا يعيشان في أفغانستان قبل مولده، وأنه غاضب بشدة من قتل المسلمين هناك. وفي الشهر التالي، وتحديدًا في 3 يوليو (تموز)، التقى الرجلان، وتحدثا عن المنظمة الإرهابية المسماة بجيش محمد ومقرها باكستان، التي زعم المخبر أنه تابع لها، وفي تلك الأثناء، قال كروميتي له أنه يرغب في الانضمام إلى المنظمة «للمجاهدة»، وذلك طبقًا للبلاغ. وقد جاءت كل هذه الأحداث بمثابة صدمة لوالدة كروميتي بعد إلقاء القبض عليه يوم الأربعاء. وقالت أديل كروميتي، البالغة من العمر 65 عامًا، إن ابنها تربى على المسيحية، وإنه لا هي ولا والده الذي ترك الأسرة، عندما كان كروميتي طفلاً صغيرًا، عاشا في أفغانستان من قبل. وقالت إن كروميتي زارها في شقتها الكائنة في ضاحية كاسل هيل في برونكس للمرة الأولى منذ 15 عامًا، وذلك عقب خروجه من السجن، وأخبرها حينها أنه اعتنق الإسلام. وتتذكر كروميتي قائلة: عندما أخبرني بذلك، قلت له «أخرج من هنا». وقبل ستة أشهر لاحظ ديليون، صاحب مطعم، تردد رجل جديد على المطعم لتناول طعام الغداء، وبدا عليه أنه في الخمسين من عمره وأنه من جنوب آسيا. وكان دومًا ما يدفع حساب الطعام للمجموعة التي برفقته، حينها ظن ديليون أنه رئيسهم في العمل.

ويشير البلاغ الجنائي إلى أنه مع بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول)، بدأ المخبر لقاء كروميتي بمنزل في نيوبورغ مزود بكاميرات مراقبة ومايكروفونات خفية. وكان ديفيد ويليامز، وأونتا ويليامز، وباين يحضرون هذه الاجتماعات، وناقشت المجموعة رغبة كروميتي في مهاجمة الكنيس اليهودي في برونكس، وطائرة عسكرية في قاعدة جوية للحرس القومي في نيوبورغ .

وفي ديسمبر (كانون الأول)، بدأت الخطة تأخذ ملامحها داخل المنزل الكائن في برونكس. وفي 5 ديسمبر (كانون الأول)، سأل كروميتي المخبر إذا ما كان بإمكانه الحصول على «صواريخ» و«متفجرات» لتنفيذ هذه الهجمات، حينها قال له المخبر، إن بإمكانه توفير متفجرات بلاستيكية من نوعية «سي فور» والقنابل الارتجالية. وفي 17 ديسمبر (كانون الأول)، قال كروميتي، إنه يرغب في مراقبة القاعدة الجوية في وقت لاحق من هذا الأسبوع، وأنه سوف يغير زيه الإسلامية التقليدي، الذي يتمثل في الجلباب الأبيض والقلنسوة، حتى لا تتجه إليه الشكوك. واقترح ديفيد ويليامز أن يشيروا إلى الكنيسين اليهوديين بـ«المساكن». وفي 10 أبريل (نيسان)، استقل كروميتي وديفيد ويليامز والمخبر السيارة إلى وال مارت في نيوبورغ ، واشتروا كاميرا، ثم توجهوا بعد ذلك إلى برونكس، حيث التقط كروميتي صورًا للكنيسين. وقال، إن تفجير مركز ريفيرديل اليهودي سيكون «قطعة من الكعكة». وبعد أيام، التقى الرجال الثلاثة مرة أخرى، وتباحثوا بشأن الحصول على صاروخ ستينغر في كونيكتيكت، وأن يتم تنفيذ عملية استهداف الطائرة وتفجيرات الكنيسين بالتزامن. وحسبما أعلنت السلطات، ففي عشية 28 أبريل (نيسان)، وبعد تحديد المكان، الذي يمكنهم منه الحصول على قاذفة صاروخ ستينغر، أكدوا على التزامهم بالخطة، إذ قالوا إنهم عازمون على الجهاد، وتحدث أونتا منوهًا أن الجيش «يقتل الإخوان والأخوات المسلمين في البلاد الإسلامية، وبناء عليه، فإذا قتلناهم هنا باستخدام أدوات التفجير الارتجالية وصواريخ ستينغر، فسيكون هذا ردًا بالمثل»، حسب ما ورد في البلاغ، الذي كشف أنه في 6 مايو (أيار) توجه الرجال الخمسة بالسيارة إلى ستامفورد؛ للحصول على صواريخ ستينغر والمتفجرات. وتم تحديد المكان جيدًا مسبقا، ولكن ليس من قبل أي من الموجودين بالسيارة.

وقال المسؤولون، إن مسؤولي المباحث الأميركية باشروا العمل في القضية مع شرطة ستامفورد قبل عدة شهور، وطلبوا مساعدتهم في العثور على مخزن يمكن إتمام فيه اللقاء مع الخلية الإرهابية المشتبه بها. ووقع الاختيار على مخزن كائن دائرة ووترسايد بالمدينة، كما تم زرع أجهزة التنصت والكاميرات فيه لتصوير وتسجيل اللقاء.

ووصل الرجال إلى ستامفورد بعد أن كانوا فزعين بعض الشيء من احتمالية أن يكونوا مراقبين. وهناك، عمدوا إلى فحص المتفجرات، وكان وزن الواحدة منها 37 رطلاً، وكانت داخل حقيبة من القماش. ولم يكن أي من هذه القنابل، أو حتى صاروخ ستينغر فعالاً، حيث أبطلها مكتب المباحث الأميركية.

وبحسب البلاغ فقد فحص الرجال الأربعة أحد المتفجرات الخاصة بالقنابل، وكان معدا لأن يتم تفجيره باستخدام هاتف جوال. وقاموا جميعًا بأخذ المتفجرات إلى نيوبورغ ، وقاموا بتخزينها والإغلاق عليها في حاوية تخزين، ثم احتفلوا جميعًا. وفي 8 مايو (أيار)، التقى الرجال الخمسة عند وحدة التخزين لفحص الأسلحة، وبعد 12 يومًا اتجهوا بالقنابل إلى برونكس.

*خدمة «نيويورك تايمز»