إعلانات لزيارة إسرائيل تتجاهل الأراضي الفلسطينية منتشرة في لندن رغم قرار إزالتها

شركة إعلانات المواصلات تؤكد أنها لا تشكل خرقا للمعايير.. ووزارة السياحة الإسرائيلية تعترف بالخطأ

ملصق يظهر فيه الإعلان الذي أثار الضجة (تصوير: حاتم عويضة)
TT

في إحدى محطات مترو الأنفاق في لندن، وقف شاب بريطاني على المنصة ينتظر القطار، يسلي نفسه بقراءة الإعلانات المنتشرة على الحائط المقابل. كان ينقل ناظريه بين لوحات إعلانية عديدة، ومن بينها لوحة تدعو إلى «استكشاف إسرائيل»، رُسم عليها خارطة يقول الإعلان إنها إسرائيل، مطلية باللون الأصفر، ويدعو السياح لزيارة البلاد. لم يستوقف الإعلان الشاب كثيرا. ولم يجد فيه ما يحيّر أو يثير الاستغراب. تابع ينقل ناظريه بين الإعلانات الأخرى دون أن يلحظ أن الخريطة التي يُفترض أنها خريطة إسرائيل، غيّبت الحدود مع الأراضي الفلسطينية والجولان وجعلتها جزءا من إسرائيل. «معرفتي بجغرافيا الشرق الأوسط سيئة، ولكن الآن وقد ذكرتِ الأمر، فعلا الأراضي الفلسطينية غير موجودة»، هكذا أجاب عندما سألته إذا كان يلاحظ شيئا غريبا في الخريطة، هو وكثيرون غيره من الذين كانوا ينظرون إلى الخريطة. إلا أن هذا الإعلان، وإن لم يثر استغراب الكثير من البريطانيين، تسبب في موجة استياء كبيرة بين المنظمات المؤدية لحقوق الفلسطينيين، ولدى السفارة السورية في بريطانيا، ودفعهم إلى تقديم شكاوى واعتراضات لإزالة الإعلان الذي ترعاه وزارة السياحة الإسرائيلية. وبالفعل، نجحت الضغوط والاعتراضات التي تلقتها شركة مواصلات لندن، ووكالة المعايير الإعلانية البريطانية، ودفعت بوزارة السياحة إلى الإيعاز إلى شركة «سي بي إس آوتدورز» المسؤولة عن نشر الإعلانات في مواصلات لندن، بنزع الإعلان يوم أول أمس. واعترفت وزارة السياحة الإسرائيلية في وقت لاحق أمس، بأن الإعلان كان «خطأ مهنيا»، ولكن رفضت الاعتراف بأنه له أهداف جيوسياسية».

ولكن على الرغم من هذا القرار، لا تزال هذه الإعلانات تنشر في الكثير من محطات المترو، وخصوصا المزدحمة منها. وتنفي شركة مواصلات لندن أي مسؤولية لها في إزالة الإعلانات المنتشرة في محطات المترو، وتقول إن شركة «سي بي إس آوتورز» الملتزمة إعلانات المواصلات، هي المسؤولة عن الأمر، بحسب ما صرح مسؤول في الشركة لـ«الشرق الأوسط». وتؤكد شركة «سي بي إس آوتورز» أنها أمرت بإزالة الإعلانات فورا، وقال نيك ويليامز المدير العام في الشركة لـ«الشرق الأوسط»، إن إزالة الإعلانات بدأت فور تلقي الإيعاز من وزارة السياحة الإسرائيلية بذلك، إلا أنه قال إن الأمر قد يستغرق أياما قبل الانتهاء من إزالتها كليا. وهذا الإعلان هو الثاني من نوعه في بريطانيا في أقل من عامين، إذ تسبب إعلان نُشر في مارس (آذار) عام 2007 في موجة شكاوى مماثلة، بعد أن صور خريطة إسرائيل ومن ضمنها منطقة قمران في الضفة الغربية، وأصدرت حينها «وكالة المعايير الإعلانية» البريطانية حكمها بأن الإعلان مضلل، ودعت إلى سحبه وعدم نشره مجددا. إلا أن إعلانا شبيها نُشر بعد أقل من عامين، وهذه المرة لم تقتطع فقط منطقة قمران، بل الأراضي الفلسطينية كلها، إضافة إلى الجولان.

ونفت أوليفيا كامبل من الوكالة في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن يكون الحكم الذي أصدرته الوكالة حول الإعلان السابق بعدم نشره في المستقبل، يطبق على الإعلان المنتشر حاليا، وقالت إن «الإعلان الذي نُشر قبل سنتين، كان مختلفا قليلا». إلا أنها قالت إن الوكالة ستبدأ تحقيقا لترى ما إذا كان الإعلان مضللا، بعد أن تلقت 342 شكوى حتى يوم أمس. ولم تكشف الوكالة التي تحدد معايير الإعلانات في بريطانيا وتمنع الإعلانات المضللة، على الإعلان قبل نشره. وقد يمتد التحقيق الذي فتحته الوكالة بين 6 و12 أسبوعا، قبل أن يصدر الحكم. وكانت السفارة السورية في بريطانيا تقدمت بشكاوى لشركة مواصلات لندن ولـ«سي بي إس آوتدور» ولعمدة لندن ولوزارة الخارجية البريطانية، بسبب ضم مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل من سورية عام 1967. وقال جهاد مقدسي الناطق باسم السفارة السورية لـ«الشرق الأوسط»، إن الإعلان «مهين»، ويُعتبر خرقا للقانون الدولي، ويعتبر تحويرا للحقائق. وأكد مقدسي تجاوب شركة «سي بي إس آوتدور» مع الشكوى المقدمة من السفارة السورية، وقال إن الشركة أعلنت أنها ستسحب الإعلانات، وقال ريتشارد آشمن مدير خدمة الزبائن في الشركة في رسالة كتبها: «نعتذر إذا كان مضمون الإعلان قد تسبب في القلق للبعض». وقال دينيس فرناندو من «حملة التضامن مع فلسطين» التي تتخذ من لندن مقرا لها وتقدمت بشكاوى أيضا لإزالة الإعلان، إنه يروج لكذبة، خصوصا أنها المرة الثانية التي يروج فيها لإعلان شبيه خلال أقل من عامين. وقالت الحملة إن هذه الإعلانات هي «محاولة مخادعة للقضاء على الفلسطينيين في أذهان الناس، وتخلق انطباعا خاطئا عما يشكل إسرائيل». وأضافت أن الإعلان «يروج لكذبة عبر الإيحاء بأن السياح يمكنهم أن يزوروا غزة في وقت أن القطاع الذي تديره حماس تحت حصار كامل من الجيش الإسرائيلي، حتى إن بعض أطباء وعمال الإغاثة الإنسانية يُمنعون من الدخول». وبعد أن نقلت صحيفة «جويش كرونيكل» عن بيني شاني نائب مدير التسويق في الخارج في وزارة السياحة الإسرائيلية، أن المسألة قد تم «تسييسها دون سبب وأنه ليس هناك من خطأ كبير»، نقل موقع «بي بي سي» عن أورن دروري مسؤول إدارة التسويق في الوزارة، أن الإعلان كان «خطأ مهنيا» دون نوايا سياسية. وقال دروري إن الخطأ أنه لم يتم التدقيق في الخريطة بشكل كاف وإنه لم يكن يجب نشرها في إعلانات سياحية. وطرح نشر هذا الإعلان جدلا حول الطرف الذي يُفترض أن يتحمل مسؤولية التدقيق في مضمون الإعلان قبل نشره. فوكالة المعايير الإعلانية البريطانية تقول إنها لا تدقق في مضمون الإعلانات قبل نشرها، بل فقط في حال تلقي شكاوى بها. وقالت كامبل إن مراقبتها مسبقا أمر مستحيل «لأن هناك الملايين من الإعلانات التي تطبع سنويا». كما أن شركة «سي بي إس أوتدور» المسؤولة على الإعلانات في مواصلات لندن، تقول إنها تلتزم المعايير التي تفرضها شركة مواصلات لندن، وتؤكد أن هذا الإعلان لا يشكل خرقا لهذه المعايير. وقال المدير العام للشركة نيك ويليامز إن «تخطيط وتصميم الخريطة شكّل إهانة، ولكن هذا الأمر يُترك للمعلن. نحن نأخذ موقفا مسؤولا من الإعلانات التي تتسبب في إهانة، ولذلك قررنا نزع الإعلانات». وإذا كان الأمر يُترك للمعلن، فإن المعلن، وزارة السياحة الإسرائيلية، يبدو أنه يستفيد من الضجة الإعلامية التي أثيرت حول الخريطة، وهو تجاهل قرار وكالة المعايير الإعلانية البريطانية الأول الذي اعتبر الإعلان الذي تم الترويج له قبل عامين مضللا.