زيارة أوباما للسعودية: بحث المبادرة العربية وأفكار جديدة للسلام.. وحمل إيران على الجلوس للتفاوض

مصادر أميركية لـالشرق الأوسط»: الزيارة هدفها التنسيق بسبب وزن الرياض وأهمية القضايا

TT

قالت مصادر أميركية مطلعة إن المباحثات التي سيجريها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في السعودية في الثالث من يونيو (حزيران) المقبل تهدف إلى تبادل وجهات النظر مع السعودية في قضايا الشرق الأوسط الملحة، وذلك مع توجه إدارة الرئيس الأميركي إلى صياغة أفكار جديدة للسلام لتحريكه قدما، وسعي واشنطن لدفع إيران للتفاوض حول ملفها النووي خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وسيتوجه أوباما بعد الرياض إلى مصر لإلقاء خطاب هام موجّه إلى العالم الإسلامي، على أن يزور بعد ذلك ألمانيا وفرنسا للمشاركة في احتفالات ذكرى الحرب العالمية الثانية.

وأوضحت المصادر أن أوباما سيبحث في الرياض عملية سلام الشرق الأوسط في المنطقة ومبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية عام 2002، وملف إيران والتطرف، وكيفية الاستفادة من جهود السعودية في إعادة دمج المتطرفين في المجتمع. وكانت أميركا قد طرحت فكرة إرسال محتجزين يمنيين في معتقل غوانتانامو الذي يقول أوباما إنه سيغلقه بحلول يناير (كانون الثاني) المقبل إلى السعودية، لأن الرياض لديها برنامج لإعادة تأهيل المتشددين. وتأتي زيارة أوباما التي تشكل أولى خطواته كرئيس أميركي في الشرق الأوسط، في وقت يعمل فيه على وضع مقاربة جديدة لإحياء عملية السلام المتعثرة في المنطقة، ويسعى لحمل إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وهما ملفان، كما قال مصدر أميركي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، لا يمكن لإدارة أوباما التقدم فيهما دون مباحثات مع السعودية ومصر، بسبب جهودهما المتواصلة في المصالحة الفلسطينية ودفع عملية السلام على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إضافة إلى جهودهما لحل النزاع النووي مع إيران.

وأوضح المصدر أن المباحثات التي أجراها مستشار شؤون إيران في الخارجية الأميركية دنيس روس في الخليج حول الملف النووي الإيراني، تظهر أهمية التنسيق بين واشنطن وحلفائها في هذا الملف. وتابع المصدر الأميركي: «بسبب وزن السعودية ودورها في كل الملفات التي تهم أميركا والمنطقة تأتي زيارة أوباما وتتبعها زيارته لمصر، فالقضايا المعقدة والشائكة تستلزم تبادل وجهات نظر بين السعودية وأميركا، وفي تحركات واشنطن نحو عملية السلام أو نحو إيران لا بد من أن يكون هناك تنسيق أميركي ـ سعودي ـ مصري».

وقال مسؤول في البيت الأبيض لـ«الشرق الأوسط» إن الرحلة إلى السعودية ليست ردا على أية تطورات معينة، بل إن التوقيت قبل زيارة مصر شكل «فرصة جيدة لزيارة السعودية واستجابة دعوة الملك» عبد الله بن عبد العزيز. وامتنع المسؤول عن الخوض في تفاصيل الزيارة والمواضيع التي ستطرح، منتظرا أن يقوم أوباما بالزيارة بدلا من استباقها. وأكد البيت الأبيض أن أوباما سيقضي ليلة 3 يونيو (حزيران) المقبل في المملكة قبل التوجه إلى مصر يوم 4 يونيو (حزيران). وتأتي زيارة أوباما في وقت يسعى فيه الرئيس الأميركي إلى بناء تحالف يضم البلدان الإسلامية المعتدلة للضغط على إيران لوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، الذي تخشى واشنطن أن يكون ستارا لصنع أسلحة نووية. وبذلت إدارة أوباما جهدا كبيرا لطمأنة دول المنطقة على أن مساعي واشنطن للتفاهم مع إيران بالطرق الدبلوماسية لن تؤثر على العلاقات الثنائية. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس ليل أول من أمس إن «الرئيس سيلتقي الملك عبد الله لبحث مجموعة من القضايا المهمة، تشمل السلام في الشرق الأوسط وإيران والإرهاب». وتابع المتحدث أن «الرئيس يؤمن بأنها ستكون فرصة لمناقشة الكثير من المسائل المهمة»، غير أنه لفت إلى أن قرار القيام بالزيارة لم ينتج عن أي عرض محدد طرح بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائهما الأسبوع الماضي في واشنطن. إلا أن أحد كبار مساعدي أوباما ألمح إلى أن أي خطة أميركية جديدة ستنص على الأرجح على تطوير مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية عام 2002. وتنص المبادرة العربية للسلام التي أقرت عام 2002 وأعيد إطلاقها عام 2007 على تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة في يونيو (حزيران) 1967، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد «حل عادل» لقضية اللاجئين الفلسطينيين. ولاحظت إسرائيل «جوانب إيجابية» في هذه المبادرة، لكنها لم تقبل بها رسميا.

وتؤيد حكومة أوباما مبادرة السلام العربية، إلا أن غيبس رفض فكرة أن زيارة السعودية أضيفت إلى رحلة أوباما لإقناع الدول العربية بالقيام بلفتات مصالحة نحو إسرائيل. وقال في هذا الصدد: «الرئيس يعتقد أنها فرصة مهمة لمناقشة مسائل مهمة، مثل السلام في الشرق الأوسط، لكن الفكرة لم تولد من شيء محدد». ودحض غيبس في الأسبوع الماضي تكهنات بأن أوباما سيستغل الخطاب الذي طال انتظاره، والذي يوجهه إلى العالم الإسلامي، ومن المقرر أن يلقيه في مصر في الرابع من يونيو (حزيران) للكشف عن مبادرة خطة سلام جديدة في الشرق الأوسط.

والتقى أوباما الشهر الماضي عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض، وكان ملك الأردن قال إن الولايات المتحدة تعد خطة سلام جديدة مهمة. وجدد أوباما دعوته لقيام دولة فلسطينية بعد محادثاته مع نتنياهو الأسبوع الماضي، رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي امتنع حتى الآن عن تأييد مثل هذه الخطوة علنا.

وتشدد إسرائيل على ضرورة إعطاء الأولوية لمعالجة الملف النووي الإيراني الذي سيشكل خطرا على إسرائيل والشرق الأوسط في حال حصول طهران على السلاح النووي، قبل التقدم على مسار السلام مع الفلسطينيين. وبعد زيارته إلى السعودية يلقي أوباما في الرابع من يونيو (حزيران) من مصر خطابا موجها إلى المسلمين يلقى ترقبا شديدا، ضمن المساعي التي يبذلها لترميم صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي. وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن الخطاب الذي يستجيب لوعد انتخابي قطعه أوباما، سيركز على السبل التي ستمكن الأميركيين والمسلمين في الخارج من ضمان «سلامة وأمن» أطفالهم في مستقبل أكثر تفاؤلا.

وينتقل أوباما بعدها إلى مدينة دريسدن الألمانية ويزور معتقل بوشنفالد في الخامس من يونيو (حزيران)، قبل أن يشارك في اليوم التالي في الاحتفالات التي تنظمها فرنسا في ذكرى إنزال قوات الحلفاء على سواحل النورماندي.

والسعودية ضمن أكبر 15 شريكا تجاريا للولايات المتحدة، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي 67.3 مليار دولار، تعادل نحو اثنين في المائة من إجمالي الصادرات والواردات الأميركية. وصدرت السعودية إلى الولايات المتحدة ما قيمته 54.8 مليار دولار من النفط، وعددا قليلا من السلع الأخرى عام 2008، بينما استوردت بضائع أميركية بقيمة 12.5 مليار دولار.