فن تويتر.. أن تجعل عبارة من 140 حرفا تصيب هدفها

تلفت انتباه آلاف الغرباء على أحدث الأخبار عن حياة أشخاص غير معروفين

أشتون كاتشر أشهر مستخدم تويتر صاحب أكبر عدد من المتابعين يقترب عددهم من مليوني شخص («نيويورك تايمز»)
TT

العالم بأسره على موقع تويتر. سيقول لك الناس إن موقع تويتر يشتت الانتباه ويزيد من الشعور بالأنا. وتفضل مورين دود أن يأكلها النمل على أن تستخدم موقع تويتر، أو هكذا قالت في عمودها أخيرا. لذا لنختصر فكرة المقال، في أقل من 140 حرفا كما هو مسموح في خدمة التدوين القصير. الرافضون: موقع تويتر أكثر تعقيدا مما يبدو عليه، بل هو فن. يبدو أن الجميع تقريبا مملون بصورة غير عادية على تويتر. هذا بسبب السؤال الذي يوجهه موقع تويتر لسبعة ملايين مستخدم، «ماذا تفعل الآن؟» ولأنه في إمكان المستخدمين الإجابة عن ذلك السؤال عبر خدمة الهاتف الجوال غالبا ما تكون الإجابة: أنتظر.

فهم إما ينتظرون في قسم السيارات، أو ينتظرون من أجل تناول العشاء، أو في المطار ينتظرون رحلة الطيران، وعندما يعودون إلى المنزل لا يسعهم الانتظار لرؤية فيلم «وولفيرن».

ولا يستثنى من ذلك أشتون كاتشر، أشهر مستخدم تويتر وصاحب أكبر عدد من المتابعين، الذين يقترب عددهم من مليوني شخص.

وقد كتب أخيرا على تويتر تحت اسم أبلسك، «نحن في منتصف التنبيه بقدوم إعصار»، حيث ينتظر استكمال إنتاج فيلم جديد. ولكننا لا نهتم عندما يكون نجوم السينما مملين للغاية، لأن أيامهم المملة تسحرنا.

إليك بهذا الشيء الغريب: يوجد أناس من غير المشاهير الذين يتمتعون بأعداد هائلة من المستخدمين ممن يتتبعون أخبارهم. ويدخل آلاف من الغرباء من أجل الاطلاع على أحدث أخبار حياة أشخاص غير معروفين.

ومن الغريب أيضا أن الأشهر القليلة المقبلة ستشهد تأليف كتاب عن موقع تويتر. وتحتوي معظم هذه الكتب على أكثر من 200 صفحة، مما يعني أن الكتب التي تعلمك كيفية استخدام تويتر تفوق أطول عبارة تكتبها على تويتر بـ3.000 ضعف.

وسيتناول عدد كبير من الناشرين إما نقط عدم الأمان التكنولوجي أو المهارات التي تتطلبها الكتابة على تويتر بصورة جيدة.

ويقول العارفون بكواليس الكتب إنها ستتناول النوع الثاني وستقدم بعض الإرشادات.

تقول لورا فيتون، مؤلفة كتاب «تويتر للدمى»، والتي تجد 30.000 متابع لها تحت اسم بيستاشيو على تويتر: «يجب أن يكون هناك شيء مفيد وغير أناني في الأساس في الكتابة الجيدة على تويتر». وتضيف فيتون إن الكتابات الجيدة تقدم قيمة أكبر للقارئ من الشخص الذي يكتبها.

وتقول إن الأعداد الكبيرة من المستخدمين الذين يكتبون من دون تفكير، لن يحققوا أي شيء له أهمية أكثر من مجرد يوميات علنية.

ومنذ عدة أسابيع، كانت فيتون تراقب ابنتها الصغيرة وهي تسقط. وفي رغبة للتعبير عن قلقها، فكرت في كتابة الحادث على تويتر، حتى أدركت أنها لن تساعد أي شخص وستسبب إزعاجا للجميع تقريبا. وبدلا من ذلك، كتبت: «ماذا تفعل عندما يخيفك شيء ما فعلا؟».

وأصبح ما كان يمكن أن يكون عبارة قصيرة النظر إلى نقاش اشترك فيه المستخدمون، حيث بدأ عشرات من المستخدمين في الإجابة عن سؤالها، وإعادة إرساله في أخبارهم الخاصة.

ويمتلئ موقع تويتر بأسئلة مثل هذه: لماذا يغير الأشخاص تفكيرهم عندما يكون الوقت قد تأخر؟ ماذا تفعل عندما تفشل الخطة (أ)؟

ولا تعد أفضل العبارات على تويتر هي التي تجيب عن سؤال «ماذا تفعل؟» فقط، ولكنها العبارات التي تنتقل عبر المجتمع الإلكتروني. وهي تشجع على النقاش والتفكير في الذات والتفلسف.

عندما سئل العديد من خبراء ثقافة الإنترنت لترشيح ألمع المستخدمين لتويتر، اقترحوا متابعة فايرلاند fireland.

يقول كلاي شيركي، مؤلف كتاب مواقع التعارف الاجتماعي «وهنا يأتي الجميع»: «لقد تابعته من أجل النواحي الجمالية. يبدو وكأنه يمتلك حكما مأثورة. إنه ليس شعرا بالضبط»، ولكن كل عباراته بها ما يكفي من البلاغة.

وجاء في آخر أخبار فايرلاند: «زهور وبدلة البحار وقارورة ودليل العمل، أتيفان. حسنا، أعتقد أنني مستعد لعيد الأم».

وفي خبر آخر: «إذا قفزت من السيارة الآن من المحتمل أن تكسر ساقي، ولكن على الأقل لن يكون علي أن أفكر في شيء لطيف أقوله لها بشأن ألبوم قصاصاتها».

وفايرلاند اسم للمستخدم جوشوا ألين مؤلف الإعلانات من دينفر. ويعد ذكر سجل القصاصات بالتفصيل حادثا عارضا في القصة، وتدور هذه العبارة حول الاختلافات العالمية بين الجنسين: حيث تريد الفتاة أن تتحدث، في مواجهة شاب لا يريد أن يجرح شعورها.

ويقول ألين: «لا أريد أن تعتمد عباراتي على تويتر على سياق محدد. أريدها أن تكون شيئا يستطيع أي شخص أن يقرأه ويفهمه».

ذلك هو الاختلاف الأساسي بين موقع تويتر ومثلا الرسائل النصية أو تحديث الوضع على موقع فيس بوك. ويعتمد الاثنان الأخيران على المعرفة المتبادلة والشخصية. ومن جانب آخر تظل الأخبار على تويتر أحادية الجانب، ترسل إلى أشخاص ربما لا تعرفهم، بهدف اجتذاب المزيد من الأشخاص الذين ربما لا تعرفهم. ويقول ألين: «يعتمد ذلك أكثر على الأداء».

على سبيل المثال، تعتبر جملة «يجب على أليكسيس التبول في كوب في عيادة الطبيب» بالفعل مذهلة إذا جاءت في الوضع الحالي على فيس بوك، إذا كنت تعرف أن أليكسيس حامل وأن هذه الزيارة إلى الطبيب إيجابية للغاية.

ولكن إذا كتبت على موقع تويتر ستكون فاشلة تماما. فهي غامضة ومحددة للغاية في ذات الوقت. وقد تنقل عبارة جيدة عن الحمل على تويتر شيئا عن الحمل عامة، أو عن الأطباء عامة أو من الأفضل عن الحماس والترقب.

وبالنسبة للمغامرين، تعتبر العبارات الفردية على تويتر مكانا للانطلاق. لقد ألف الكاتب مات ريتشل مؤخرا رواية كاملة على طريقة تويتر، وأطلق عليها «تويلر»، عن شاب يستيقظ وهو فاقد للذاكرة ويبدأ في التفكير في أنه ربما يكون قد ارتكب جريمة قتل. وتبدو عباراتها الموجزة مثل المونولوج الداخلي غير المتصل، ويمتلئ بالأخطاء الإملائية المنتشرة في أخبار تويتر الحقيقية. «عودة إلى الشقراء. استنشق عطر أوسكار دي لا رينت. الذاكرة تخترق فقدانها؛ رأيتها مرة ويداها ملطخة بالدماء. أين؟ يا إلهي».

الدراما ضرورية، حتى لا يرد ناقد حاد على تويتر (تويتيك) على روايتك برسالة مثل تلك الرسالة التي وردت من Blondediva11: «عبارتك رائعة، ولكن بها بعض المط الممل».

هل يمكن أن تكون جودة كتابة ريتشيل للرواية قابلة للنقاش؟

ولكن بالنسبة لمستخدمين مثله، وأعداد من الكتاب المنتظرين في أدب تويتر، توجد تطبيقات على الـiPhone مثل بيرد هاوس Birdhouse. وقد ابتكره آدم ليساغور من كاليفورنيا (واسمه على تويتر lonelysandwich) ليكون أداة نشر تسمح لمستخدمي تويتر بكتابة مسودات لأفكارهم، أحيانا عشرات المرات على مدار أسابيع، قبل إرسالها علنا.

ويقول ليساغور: «في بعض الأحيان، تكون هذه هي الفكرة المثالية ولكنه ليس التعبير المثالي». أو ربما تكون العبارة مكونة من 144 حرفا، ولكن إذا فكرت فيها لمدة أيام قليلة، ستخرج بمرادف أقصر.

ويبدو ليساغور مجنونا، ولكن لديه 14.000 متابع ينتظرون كل نقرة منه.

بالطبع ربما يقول البعض إن كتابة مسودات لعبارات التويتر تتخطى الغرض المراد منه؛ فإذا لم يكن تلقائيا أو عما يحدث الآن، فما هي أهميته؟

وهذا يجعلنا نتطرق إلى.. تحويله إلى.. فن؟

يقول تيم أوريلي: «كل وسيلة جديدة بها إمكانية لأن تصبح نوعا من الفن». ويشترك أوريلي، الذي يشتهر بالمساعدة على وضع اسم «Web 2.0»، في تأليف كتاب «تويتر بوك». ويقول: «تستغرق (الوسيلة) بعض الوقت للتأقلم. وعندما بدأنا أولا في صناعة الأفلام، كنا نركز الكاميرا على شيء ما، مثل خشبة المسرح. فلماذا نظن أن الأدب لن يتغير أيضا؟» ربما بدأ موقع تويتر كإجابة بسيطة على سؤال بسيط، ولكن عندما بدأ ينضج، اتسمت العبارات الجيدة بصفات خاصة. وتحمل أفضل العبارات مشاعر حميمة مغلفة بحكم مأثورة يعلوها تقليل من قيمة الذات ولمحة من الغموض. إنها تلتقط اللحظات الفردية، ولكنها تشير إلى الماضي والمستقبل. إنها ليست مقولات للذكرى بقدر ما هي قصص مصغرة.

ويقترح أوريلي الاشتراك في متابعة أخبار كريس ساكا المستثمر من كاليفورنيا على تويتر لمدة عدة أيام، واعدا بالضحك أو على الأقل بعض الدقائق الساخرة. وعلى مدار أسبوع، روى ساكا (الذي بدأ مستثمرا في تويتر، ويكتب تحت اسم sacca) عن رحلة إلى نيويورك في عبارات متفرقة:

«لقد وجدتهم! آخر شخصين لم يعرفا أنه ليس في إمكانك تمرير معدن عبر جهاز الكشف عن المعادن في المطار. أنا سعيد لأننا تخطينا ذلك الآن».

«تبدو السترة التي أرتديها في اجتماعي في نيويورك وكأنها أرهقت كثيرا ليلة أمس، في آلة الزمن».

إنه مضحك وذكي، ولكن هل هذا نوع من الأدب؟

يعتقد دينتي مور، الأستاذ في جامعة أوهايو ورئيس تحرير جريدة بريفتي الأدبية، أن ذلك نوع من الأدب. وعندما أرسلت إليه عشرات من الأخبار على تويتر لعدد من مستخدمي تويتر البارزين مع عدم ذكر أسماء أصحابها وسئل عما إذا كان أي منها يحمل سمة مميزة، اختار مور اثنين، كلاهما لساكا.

يقول مور: «إنهما يطرحان أسئلة. ولا يجيبان على أسئلة. وأن تريد أن تعرف المزيد عن هؤلاء الأشخاص في المطار. تريد أن تعرف كيف تبدو سترته. ومثل الشعر، تعتبر النصوص النثرية القصيرة للغاية مضغوطة. ويجب أن تقوم كل كلمة وتفصيلة بمهمة ثلاثية لخلق الحالة المزاجية». وتترك عبارات ساكا تفاصيل كافية لتقوم المتعة والاستعارة والسخرية بباقي المهمة.

ويتفق حوالي نصف مليون شخص على تقييم مور: ساكا واحد من بين قليل من غير المشاهير الذين يظهرون باستمرار من بين أكثر 100 مستخدم في عدد المتابعين لهم، وفقا لموقع Twitterholic.com، وهو موقع مستقل يصنف المستخدمين وفقا لأعداد متابعيهم. وكان لديه 417.000 متابع عندما بدأ إجراء البحث لكتابة هذا الموضوع، وزادوا 30.000 متابع آخر في غضون أسبوع.

وفي متابعة لأخبار ساكا على مدار عدة أيام، تم اكتشاف المزيد عن شخصيته على تويتر: إنها شيطانية، وأحيانا لا تعرف الوقوع في أخطاء.

وقد علق في أحد الأيام قائلا: «سيكون من المزعج أن تتوفى أكبر امرأة في العالم، حينها لن يكون لدينا مثلها».

وكتب بعض الذين فهموا الكلام حرفيا في جدية مصححين له، بأن أكبر امرأة تالية ستحل محلها.

فأجاب ساكا: «حسنا، نقطة جيدة. ولكن بعد أن تموت هذه المرأة أيضا. نكون قد انتهينا. أليس كذلك؟» وكلما تابعته، شعرت بأنك لا تقرأ عن يوميات شخص غريب عنك، بل تشعر وكأنك تقرأ لكاتب ساخر مفضل لديك. ويقول أوريلي: «في وسيلة مثل تويتر، لا يكون العمل الأدبي هو العبارات. ولكن الشخصية التي تجمعها منها».

ومن غير المعلوم ما إذا كانت هناك مجلدات من أدب التويتر ستدخل في الإطار الأدبي. ولكن إذا كان مارك توين ودوروثي باركر وأوسكار وايلد ما زالوا أحياء، لربما كانوا جميعا مشتركين في موقع تويتر.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»