أميرة الأحلام في فيلم ديزني القادم سوداء

في سعيها لأن تقضي على كل الإشاعات التي تتهمها بالعنصرية

مشهد من فيلم «الأميرة والضفدع»
TT

لن يتم عرض فيلم «الأميرة والضفدع» على مستوى البلاد قبل ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ولكن الجمهور يحبس أنفاسه منذ الآن: فلأول مرة في تاريخ الرسوم المتحركة بوالت ديزني ستكون أجملهن سوداء.

فشخصية الأميرة تيانا المرسومة باليد تذكرنا بشخصيات ديزني الكلاسيكية مثل سندريلا وسنووايت، وهي ترتدي ثوبا مبهرا من اللون الأخضر وترفع شعرها المتوج بإكليل من الماس بطريقة راقية وكلاسيكية. وكمثل سابقاتها فإنها عصفورة قوية الإرادة (تلك الاستعارة أطلقتها عليها الممثلة أنيكا موني روس الفائزة بجائزة توني) تلتقي بحبيبها مفتول العضلات رغم كل الصعاب.

تقول كوري موراي مديرة قسم الترفيه بمجلة «إيسينس» في حوار أجرته مؤخرا مع «السي إن إن»: «أخيرا، هناك شيء يمكن لكل الفتيات الصغيرات خاصة السوداوات أن يفتخرن به».

ولكن ما سبَب رعبا للمديرين التنفيذيين في ديزني والمدونين الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية وغيرهم ممن تضامنوا مع الشركة، أن الفيلم يثير جدلا من نوع قبيح. فهل يحاول فيلم «الأميرة والضفدع» الذي يدور في نيوأورليانز في العشرينات من القرن الماضي محاربة الأنماط السائدة أم تعزيزها؟

يبدأ الفيلم الذي أخرجه رون كليمينت وجون ماسكير ـ وهما ضمن صناع فيلم «حورية البحر الصغيرة» ـ بخلفية صاخبة من موسيقى الجاز والسحر. فتيانا التي تعمل كنادلة وطاهية واعدة تحلم بأن يكون لها مطعمها الخاص ويتم إقناعها بأن تقبل ضفدعا هو في الحقيقة أمير.

فتنقلب اللعنة عليها وتتحول هي الأخرى إلى ضفدعة، فتبدأ بمصاحبة الأمير الضفدع ويراعة وتمساح موسيقي في البحث عن وسيلة للشفاء من تلك اللعنة.

وفي أعقاب عرض بعض ملصقات الفيلم التي لم تكتمل بعد، أدان موقع «بلاك فويسز» على AOL والمخصص لثقافة الأميركان من أصول أفريقية لون جلد الأمير الذي يبدو فاتحا. فالأمير نافين ينحدر من أرض مالدونيا الوهمية ويؤدي صوته ممثل برازيلي، قالت ديزني إنه ليس أبيض.

وكتبت أنجيلا برونير هيلم في 19 مارس (آذار) على الموقع: «من الواضح أن ديزني تعتقد أن رجلا أسود لا يستحق لقب الأمير». «فشعره وملامحه لا تتلاءم مع كونه رجلا أسود. فقد ترك ذلك الكثير من أفراد مجتمعنا يهز رأسه حيرة وغضبا».

ويرى آخرون أن الفيلم لم يراع مشاعر السود عند اختيار الموقع، فيقول وليام بلاكبرن كاتب العمود السابق في «شارلوت أوبزرفر» في حديث لصحيفة «التليغراف» في لندن: «تدور قصة تلك الأميرة في نيوأورليانز وهو الموقع الذي شهد أكثر التراجيديات المدمرة التي واجهها مجتمع السود».

كما أن شخصية اليراعة «راي» التي يؤديها جيك كومينغز (صوت شخصية ويني ذا بوه وشخصية يوسميت سام) أثارت التحفظات كذلك، فالبعض يعتقد أن راي يبدو صوته إلى حد كبير قريبا من نمط الشخصية التقليدية لرجل جنوبي غير متعلم في أحد الأفلام القديمة.

واشتكى النقاد غير الأكفاء بالطبع كذلك من الأميرة، حيث إن ديزني أطلقت عليها في البدء اسم مادي (اختصارا لاسم مادلين) وهو اسم ذو صبغة عنصرية. وظهرت إشاعة على شبكة الإنترنت بأن السيناريو الأول كان يجعلها تعمل كخادمة للأميرة البيضاء وهي مهنة تتلاءم تاريخيا مع السود، مثل العبودية تماما.

ولكن مهلا: أخيرا لدينا أميرة سوداء، ولكنها تقضي معظم وقتها على الشاشة كضفدعة؟

يقول مايكل باران عالم النفس والأنثربولوجي الذي يدرس بجامعة هارفارد والمتخصص في كيفية تعلم الأطفال لفكرة العرق: «نظرا لتاريخ ديزني المتعلق بالأنماط السائدة، فإن الناس متحمسون لكي يروا كيف ستتعامل ديزني مع لغتها وثقافتها ومميزاتها الجسمانية كذلك».

ويؤجل السيد باران إصدار الأحكام حول الفيلم ويدعو الجميع لأن يحذوا حذوه، ولكنه يؤكد أن المسألة تقتضي التدقيق نظرا لتأثير ديزني الكبير على الأطفال حيث يقول: «إن الناس يعتقدون أن الأطفال لا يلتقطون الرسائل الخفية المتعلقة بالعرق والنوع في الأفلام، ولكن العكس هو الصحيح تماما».

وأشادت دونا فارمر مصممة مواقع الإنترنت بلوس أنجليس ـ أميركية من أصول أفريقية ولديها طفلان ـ بجهود ديزني لخلق التنوع، فتقول «لا أستطيع أن أدرك أهمية وجود أميرة سوداء بالنسبة للفتيات الصغيرات ـ فابنتي تحب اريال (بطلة فيلم عروس البحر) ولا أرى أي خطأ في ذلك ـ ولكنني أستطيع إدراك مدى أهمية ذلك بالنسبة للأمهات».

وتضيف فارمر «من يدري إذا كانت ديزني ستستطيع تحقيق ذلك»، «فهم لم ينجحوا دائما في ذلك سابقا، ولكن فكرة أن ديزني لا تنظر إلى الوراء، وبالتالي لا تشعر بالحساسية، فكرة مثيرة للسخرية. فديزني تريد بالتأكيد أن تبيع الكثير من دمى تيانا والأطباق الورقية التي تحمل صورتها، وأن تجعل الناس يصطفون لكي يروها في عالم ديزني».

إن عددا محدودا فقط من الناس هم من استطاعوا رؤية مقطع من الفيلم خارج الشركة، كان بينهم المستشارون مثل أوبرا وينفري التي طلبت منها ديزني رأيها في المفاهيم العرقية المطروحة في الفيلم كما أنها شاركت في الفيلم بدور أم تيانا. بالإضافة إلى أن أصحاب المسرح وبعض أعضاء المنظمة القومية لدعم الملونين شاهدوا تلك المشاهد وكانت ردود أفعالهم وفقا لمتحدث باسم ديزني «إيجابية للغاية».

وما أثار الجدل المحتدم حول الفيلم هو الصور الإعلانية التي صورت أثناء مناسبة لصناعة الدمى من خلال عرض فيديو ترويجي مدته دقيقة، بالإضافة إلى تأثير ديزني الثقافي الهائل.

وتريد الشركة أن تقضي نهائيا على كل الإشاعات التي تتهمها بالعنصرية والتي تأتي كنتائج لبعض أخطاء في الماضي. نعم، مثل فيلم «دامبو» الذي قدم مجموعة من الغربان غير المتعلمة في صورة سوداء، و«كتاب الغابة» 1967 حيث تتحدث جميع الحيوانات فيه بلكنة إنجليزية ملائمة عدا القرود الخمسة الذين يكذبون ويرغبون بشدة في أن يتحولوا إلى «أناس حقيقيين».

وفي عام 1993 تعرض «علاء الدين» للانتقادات، حيث نعتت اللجنة الأميركية ـ العربية لمناهضة التمييز بعض كلمات أغنيات الفيلم بالافتراء. «أين قطعوا أذنيك/ إذا لن يعجبك وجهك/ إنه بربري، ولكن مرحى، فأنت في وطنك».

وترد الشركة بأن تلك الاتهامات البالية ـ خاصة المتعلقة بأفلام من الستينات وما قبلها ـ تطبق القيم الأخلاقية للقرن الحادي والعشرين على أفلام صنعت في أزمنة مختلفة تماما، حيث كانت الولايات المتحدة بالكاد لديها قانون للحقوق المدنية في 1967 ولم يكن لديها رئيس أسود.

ويرى المديرون التنفيذيون بديزني أنه على الناس أن يتوقفوا عن القفز إلى الاستنتاجات حول «الأميرة والضفدع». فيقول بيتر ديل فيكو أحد منتجي الفيلم: «نحن نشعر بمسئولية كبيرة لكي ننجز هذا الفيلم على أكمل وجه. فنحن نفكر مليا في كل قرار فني قبل اتخاذه».

ودافعت كذلك السيدة روز المألوفة بالنسبة للجمهور نظرا لدورها في فيلم «دريمغيرلز» وأضافت في لقاء مع الصحافيين في عشاء بمجلس مدينة لوس أنجيليس «لا داعي لأن نشعر بالغضب»، «فإذا رأيت شيئا يخل بالاحترام لي أو لميراثي، فبالتأكيد لم أكن لأشارك فيه».

ورفضت السيدة وينفري التعليق، وقال متحدث رسمي باسم المنظمة القومية لدعم الملونين إن المؤسسة ليس لديها تعليق في الوقت الراهن.

وتتعرض ديزني دائما للانتقادات بغض النظر عن مدى كفاحها لكي تعمل على تناغم البرامج التلفزيونية وحدائقها الجذابة وأفلامها. فلسنوات طويلة، كان الآباء يلومون ديزني لأنها ليس لديها أميرة سوداء. والآن توجه نفس تلك الأصوات اللوم للشركة بدون أن ترى النسخة النهائية للعمل. (رسميا فإن الأميرات هن سنو وايت وسندريلا والجمال النائم واريل من «حورية البحر الصغيرة» وبيل من «الجميلة والوحش» وياسمين من «علاء الدين» ـ وكلهن كن بيضاوات عدا ياسمين لأنها كانت عربية. وأحيانا تباع أفلام «مولان» و«بوكاهانتس» ضمن سلسلة أفلام الأميرات).

يقول السيد ديل فيكو إن فكرة وجود أميرة سوداء جاءت في إطار بحثنا عن الأصل، فالمنتجون أرادوا قصة خيالية تقع أحداثها في الولايات المتحدة وفي نيوأورليانز تحديدا بماضيها الملون وتاريخها الموسيقي العميق.

ويضيف ديل فيكو: «بعد أن قضينا بعض الوقت في نيوأورليانز، لاحظنا أنها حقا بوتقة انصهار وهي التي دفعتنا إلى التفكير في تقديم شخصيات متعددة الثقافات». ووصف تيانا بأنها شخص موهوب وواسع الحيلة كما أنها قصة من القصص النادرة التي لا ينقذ فيها الأمير الأميرة. بعدما اتخذنا القرار بأن تكون الشخصية الأساسية سوداء أردنا أن تحمل خصائص السيدات الأميركيات من أصول أفريقية وأن تكون جميلة بحق».

ومن المهم لشركة ديزني أن يفهم فيلم «الأميرة والضفدع» فهما صحيحا لأهمية عظمى بالنسبة لديزني، فالشركة تحتاج إلى أن تتصدر قوائم نسب المشاهدة كما هو واضح من انخفاض أرباحها ربع السنوية بنسبة وصلت إلى 97%.

ويقدر خط إنتاج أميرات ديزني بنحو أربعة مليارات سنويا وتخطط الشركة أن تنتشر تيانا انتشارا واسعا. فاستعد إذن لأثواب تيانا، ودمى تيانا.

كما يمثل الفيلم كذلك عودة ديزني للرسوم المتحركة المرسوم باليد. وسيكون الفشل هو المسمار الأخير الذي دق في نعش ذلك الفن الذي ابتكرته ديزني بنفسها.

وفي العشرين سنة الأخيرة، خطت ديزني خطوات واسعة في معالجة مشكلة العرق. ففي عام 1997، قدم قسم التلفزيون بالشركة نسخة حية من فيلم «سندريلا» كانت بطلته ممثلة سوداء هي المطربة براندي.

وفي عام 1998 تم الاحتفال بمولان لأنه من النادر أن يظهر وجه شخصية رسوم متحركة بملامح صينية وبمظهر واقعي وعيون مسحوبة، حيث إن معظم أفلام الرسوم المتحركة (حتى تلك الأفلام من اليابان) كانت تقدم نموذجا غربيا للأشخاص الآسيويين.

ويقول الخبراء إن الجدال حول فيلم «الأميرة والضفدع» يوضح لنا مدى صعوبة التعامل مع مسألة العرق في الرسوم المتحركة. فالرسوم المتحركة بطبيعتها تميل إلى المغالاة.

وتجاهل المنتجون الرئيسيون الشخصيات الملونة خوفا من اتهامهم بإهانة الأقليات، بالرغم من أن المنتجين السود كانوا يصممون شخصيات رسوم متحركة تصور شخصيات مقولبة منذ أيام «فات ألبرت».

إن ديزني يمكن أن تشعر ببعض الراحة إزاء ردود الفعل تجاه انتقاداتها. يقول ليفي روبرت في تسجيل مصور تم بثه على موقع YouTube: «إن هذا أحد المواقف التي أشعر فيها بالخجل لكوني أسود، فهل أصبحنا عنصريين حتى نقول إن هذا الفيلم لا يجب أن يكون به أمير أبيض؟» يجب أن تكون الكلمة الأخيرة ـ مؤقتا ـ لأميركي من أصول أفريقية ومصمم رسوم متحركة سابق بديزني؛ فلويد نورمان الذي يشارك في أعمال ديزني بداية من «الجمال النائم» وحتى «مولان» في عام 2007 كتب في مقال نشر على موقع «جيم هيل ميديا» «يري الأشخاص مفرطو الحساسية في كل صورة ظلالا للتمييز العرقي. وفي إطار حماستهم لتصحيح وتعقيم كل شيء فإنهم أزالوا كل المرح عن صناعة الرسوم المتحركة».

* خدمة «نيويورك تايمز»