ومن الحب ما قتل

أدوات العشاق للتفجير الارتجالي في العراق

يظهر أنه بعد ستة أعوام من الحرب يعاني المجتمع العراقي من مشكلة خطيرة تتعلق بطريقة التعامل مع الغضب («نيويورك تايمز»)
TT

تمضي الأمور هكذا: يقابل صبي فتاة، ويتبادلان النظرات، والرسائل النصية، وهي حدود الغزل المحتشم هنا. وبعد ذلك يطلب الصبي من والد الفتاة يد ابنته. ولكن، يرفض الوالد، فيذهب الصبي إلى منزل الفتاة ويزرع قنبلة أمامه.

تصف السلطات هذه بأنها «أدوات العشاق للتفجير الارتجالي»، ولا يقتصر الأمر على حالة بعينها. ويقول النقيب نبيل عبد الحسين، من الشرطة الوطنية العراقية، إنه تم تفجير ست قنابل من هذا النوع في منطقة الدورة ببغداد خلال العام الماضي. ويضيف: «هؤلاء الصبية، يواجهون مشكلات تتعلق بصديقاتهم، أو الأسر أو أي شخص، ويقومون بعمل هذا النوع من أدوات التفجير الارتجالية».

ولا توجد تقارير عن قتلى نتيجة لهذه الأدوات التي تُستخدم بهذه الطريقة في الدورة وأماكن أخرى. ويقول النقيب عبد الحسين: «يقومون في المعتاد بوضع هذه الأدوات أمام أبواب منازلهم، بهدف الترويع لا بهدف القتل».

ويظهر أنه بعد ستة أعوام من الحرب يعاني المجتمع العراقي مشكلة خطيرة تتعلق بطريقة التعامل مع الغضب. ويقدم ما سبق، بالإضافة إلى حقيقة أن الكثير من الرجال لديهم خبرة كبيرة في عمل القنابل والأكمنة، مزيجا قاتلا. وتقول الشرطة إن الكثير من الرجال كانوا مشاركين في أعمال التمرد، لم يعودوا يسعون لقتل القوات الأجنبية، ولكن لديهم مهارات في عمل القنابل ولديهم مادة الـ«تي إن تي». وحتى مع غياب مواد التفجير، فهناك نوع شائع من أدوات التفجير الذي يمكن صناعته من أدوات منزلية شائعة مثل البنزين وعبوات الصودا وزجاجات المياه البلاستيكية، بالإضافة إلى استخدام الأجزاء الداخلية من هاتف جوال كوسيلة للتفجير عن بعد. ويقول النقيب: «لست مخبرا، ولا أعرف كيف يمكنني عمل أي من هذه، ولكن يقوم كل هؤلاء الصبية بذلك». ويضيف: «هناك نسبة من الرجال الشباب الذين كانوا يتعاونون مع منظمات القاعدة أو الميليشيا الشيعية، وقد غيروا من مواقفهم بخصوص القتال في الوقت الحالي، ولكن لا تزال لديهم خبرة جيدة في كيفية صنع أدوات التفجير الارتجالية».

وكما هو الحال عندما احتدمت أعمال التمرد، فإنه من الصعب تعقب مسار القنابل المصنوعة داخل المنازل من أي نوع، فبمجرد أن تنفجر الأداة، تذهب الأدلة الشرعية مع الدخان. وقد سجلت الشرطة في منطقة الدورة حالة واحدة ألقي فيها القبض على شاب وأدين بزرع أداة تفجير ارتجالية على خلفية قضية حب. وهذا الشباب هو عمر عبد الحسين (18 عاما)، ويعرف باسم «سيسكو». وكان مناصرا للتنظيم المتمرد السني الرئيسي في البلاد «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، حسب ما أفاد به النقيب عبد الحسين.

ورفض والد صديقة سيسكو عرضه بالزواج ثلاث مرات، وفي أحد الأيام اتصلت الفتاة به لتخبره أن أباها أحضر لها خاطبا آخر ليقابلها. وقام سيسكو بزرع قنبلة بجوار حائط حديقة المنزل وفجرها.

وقد كانت عملية البحث عن الجاني سريعة، لأنه يعيش إلى جوارهم، وتمت محاكمة سيسكو وأُدينَ بالإرهاب.

ويقول النقيب عبد الحسين: «أطلق شاب آخر النار على منزل صديقته لإجبار عائلتها على الموافقة على زواجهما. وقد قابلنا الكثير من الحالات مثل ذلك».

ويقول مسؤول آخر في الشرطة هو العقيد سمير شاتي، إنه تذكر قضية وقعت أخيرا لطالب تضايق بسبب الدرجات التي حصل عليها، ولذا قام الطالب بزرع ثلاث قنابل من عبوات الصودا في مكتب مدرّسه، وقام بربطها بسلك في تسلسل مع ضبط زمن الانفجار على الساعة السابعة والنصف، وهو الوقت الذي يصل فيه المدرس في المعتاد. وجاء المدرس في موعده، ولكن لم ينفجر شيء. ويروي العقيد ياسر شينون قصة تستحق أن تكون ضمن مسرحيات شكسبير، على الرغم من أن عائلة مونتيغيو وعائلة كابوليت قد يكونان أكثر تمدنا من العائلتين العراقيتين اللتين تعيشان في نفس الشارع في منطقة الشرطة جنوب بغداد. وقال العقيد وهو يضحك: «كان علينا أن نضع نقطة تفتيش تابعة للشرطة دائمة للإبقاء عليهم متباعدين».

تقع على جانب من الطريق عائلة شيعية، وأراد ابن من العائلة أن يتزوج فتاة جار سُنّي في الشارع. وكانت الفتاة تدرس في جامعة بغداد. وفي المجتمع العراقي لم يكن الأمر متروكا للفتاة. ولكن وقفت الأم إلى جانبها وقالت: «كيف يمكن أن أقبل أن أزوج ابنتي، التي تدرس في الجامعة، بشخص لم يكمل حتى تعليمه الابتدائي؟».

ولإظهار اعتراضه على هذه الإهانة قام الشاب بزرع قنبلة، ولكن أمام منزله، حسب ما تقوله الشرطة. وبعد ذلك اتصل بالسلطات واتهم جيرانه بأنهم إرهابيون سنيون يحاولون تفجير منزله. ويقول العقيد شينون (وهو شيعي أيضا مثل 90 في المائة من قوة الشرطة الوطنية العراقية): «كان يمكن أن نقول له إنه هو من قام بزرع القنبلة. لقد ظن أننا سوف نقف إلى جانبه ضد السنة». ورفضت الشرطة إلقاء القبض على عائلة الفتاة، ولكن لم يكن لديهم دليل ملموس ضد الخاطب المحبَط. وعلى أي حال لم تنفجر القنبلة. وبعد ذلك، قام الشاب بزرع قنبلة أخرى ولكنها انفجرت هذه المرة ودمرت منزلَي العائلتين. وكانت المنطقة حينئذ، في عام 2007 بها الكثير من المتعاطفين مع القاعد في بلاد الرافدين. وكان على العائلة الشيعية أن تهرب بعد تهديدات بالقتل. وقالت الشرطة إنهم بينما كانوا في طريقهم للرحيل، قاموا بإمطار منزل العائلة السنية بالرصاص باستخدام أسلحة أوتوماتيكية.

وأطلعت والدة الفتاة زائرا على الثقوب التي تسبب فيها الرصاص في أبوابها الخارجية المصنوعة من الصلب والحوائط الخارجية وإطارات النوافذ والحوائط الداخلية وحوائط الحديقة. ولحسن الحظ لم يلحق أذى بأي شخص.

وبعد ذلك تم محو تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين من منطقة الشرطة، وفي العام الماضي كان الجيران الشيعة من ضمن الكثير من النازحين العراقيين، الذين عادوا إلى ما كان من قبل مسرحا لأسوأ أعمال العنف الطائفية في بغداد.

وعادوا إلى المنطقة، ولكن بعد أن تغيرت كثيرا، في العراق التي تشهد مرحلة ما بعد الطائفية. ويقول العقيد شينون إن الشرطة قامت بزيارة العائلة الشيعية وقالت لها إنهم يعرفون أن ابنهم قام بزرع القنابل، وحذروهم من أنه يجب عليه أن لا ينتظر أن تقف الشرطة إلى جانبه لأنهم من طائفة واحدة.

وتقول أم الفتاة: «لولا العقيد شينون، لكنا قتلى في الوقت الحالي».

واجتمع العميد عبد الكريم، قائد الفرقة السابعة في الشرطة الوطنية، مع الشاب. وقال العقيد شينون إن العميد نصح بـ«تجاوز ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»