أميركا: الركود وخفض المرتبات يدفعان للبحث عن مهن أخرى

تسريح العمالة لم يعد السبب الوحيد وراء رحيل الموظفين

ازدياد الأعباء في العمل يؤدي إلى رحيل الموظفين (رويترز)
TT

تلقي حالة الركود السيئة بالعراقيل أمام العديد من الوظائف. ولا يخرج الموظفون من مسار أعمالهم بفعل عمليات تسريح العمالة فقط، بل يواجه العمال أعواما ستشهد زيادات قليلة أو معدومة في الرواتب، وتلاشيا في المكافآت، وتضاؤلا في إسهامات المعاشات، وساعات عمل أطول وأعباء إضافية.

ومع وصول معدل البطالة الوطني إلى حوالي 9 في المائة، يجد معظم الأشخاص أنه ليس لديهم خيار آخر غير تحمل المزيد من العمل والركود في الرواتب وانعدام الأمان، على الأقل في الوقت الحالي. ولكن يوجه البعض، وهم أقلية حتى الآن، حياتهم العملية صوب الاتجاهات التي يرجون أن تكون أكثر تفاؤلا وأكثر إرضاء وخضوعا لسيطرتهم. ربما لا يكون المقابل المالي جيدا جدا مثل وظائفهم السابقة، وربما تكون هناك خطورة عالية من الفشل الشخصي في بعض الحالات، ولكن يعد احتمال وجود طريق مهني جديد، أحيانا ما يكون طريقا مرغوبا، ولكنه مهمل، أمرا مغريا.

وقد سلكت ماكسين غيل (46 عاما) طريقا مهنيا يسير في اتجاه مختلف تماما، بعد أن سرحت من عملها كمديرة مبيعات وتسويق في «كومكاست» في يناير (كانون الثاني) عام 2008. وتقول «لقد استمتعت بما فعلت، ولكني كنت أعرف أنني لن أتقاعد من تلك الوظيفة». وكانت تلك هي المرة الثانية التي تم تسريحها فيها. وقالت «يبدو أن التسويق دائما ما يكون أول قسم يتم تسريحه».

وفي مطلع العام الحالي، بدأت العمل في مشروعها الخاص، حيث استثمرت من 50 إلى 60 ألف دولار في حق امتياز «كوليدج نانيز أند توتورز». وتستعين شركتها بأشخاص (يتولون شؤون الضرائب والأعمال الروتينية) وتجعلهم في خدمة الأسر من أجل مهام مؤقتة أو طويلة المدى. وتخطط لنقل مشروعها من منزلها في لوريل في الصيف الحالي إلى مركز تعليمي جديد في بيثيسدا. وتقول غيل «يقع كل شيء على عاتقي، ولكني أستمتع بالعمل في مشروعي الخاص».

وتضيف قائلة «إذا كنا ما زلنا في أميركا، التي يسود فيها العمل في الشركات، سيكون عليّ أن أبذل المزيد من الجهد، وسيكون عليّ السفر. وعليك أن تبذل المزيد من الجهد الآن بسبب الركود الاقتصادي من أجل الحفاظ على وظيفتك. ويعيد أشخاص مثلي تم تسريحهم تقييم ما يريدون من الحياة وما يحتاجون فعله».

لقد جاء التسريح من العمل متماشيا مع رغبة قائمة في أن يكون لها مشروعها الخاص. وتقول غيل «من المهم للغاية بالنسبة لي أنه أصبح لديّ تأثير على حياة الأطفال. وإضافة إلى ذلك في إمكاني توظيف أشخاص في هذا المناخ الاقتصادي». وتستعين الحكومة أيضا بموظفين، ويسعى بعض الأشخاص إلى الأمان الموجود في القطاع العام، حيث وصلت طلبات الالتحاق بالوظائف الحكومية إلى 7.7 مليون أثناء الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي. ويأتي ذلك الرقم قريبا من مجموع 8.1 مليون طوال العام الماضي. ويسعى أشخاص آخرون وراء نزعة روحية. وقد ارتفعت أعداد طلبات التقديم في خريف العام الحالي بمعهد «ويسلي» اللاهوتي في المقاطعة بنسبة 10 في المائة. وتقول بيث لودلوم، مديرة التوظيف في المعهد «يعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى التغيير الذي حدث في الاقتصاد وإلى سعي الأشخاص إلى القيام بعمل ذي قيمة أكبر».

وترتفع أعداد الأشخاص الذين يريدون التطوع في الجمعيات الخيرية أيضا.

وتقول مادي هينسون، رئيسة مجلس إدارة والرئيسة التنفيذية لـ«غيرتر دي سي كيرز»، وهي الجمعية التي تدرب المتطوعين على العمل في أكثر من 200 جمعية خيرية في منطقة واشنطن، إنه من الواضح أن هناك زيادة في أعداد المتطوعين، إلى حد ما بسبب مساعدة ذلك العمل للأشخاص الذين سرحوا من وظائفهم على الحفاظ على قوة مهاراتهم. ولكنها ربطت السبب الأكبر في ذلك بالانتخابات الرئاسية أيضا. وأضافت «أعتقد أن السبب الأكبر يعود إلى رفع الرئيس اللواء وتحديه للجميع بأن يقدموا ما لديهم».

وقبل نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي تزامن مع العبء الكبير الذي شكله التراجع الاقتصادي، تلقت جمعية «دي سي كيرز» حوالي 200 إلى 250 طلبا من متطوعين محتملين في الشهر. وتقول إنه بعد الانتخابات بيوم، ارتفعت أعداد الطلبات إلى ما يزيد على 200 طلب في الأسبوع، وظلت قريبة من ذلك الرقم. وتقول هينسون «ما كنا معتادين على فعله في شهر، أصبحنا الآن نفعله في أسبوع».

واتخذت لورا موراي خطوة كبرى في فصل الربيع لتغير من حياتها. إنها محامية في بداية الخمسينات من عمرها، وقد أغلقت شركة استشارات إدارة الأزمات التي أنشئت منذ 10 أعوام في نيويورك، وأجّرت شقتها من الباطن وانتقلت لتبذل طاقتها في عمل بديل في واشنطن. وتقول «إن ذلك من أذكى وأفضل الأشياء التي فعلتها».

وتقول موراي إنه في سبتمبر (أيلول) كان العمل يسير على ما يرام لدرجة أنه كان عليها التفكير في رفض العملاء. ثم حلت الأزمة المالية. وقالت موراي «كان الناس يأتون وهم يقولون إنهم في حاجة إلى خدماتي، ثم يصبحون خائفين من إنفاق أية أموال». وواجهت القرار: تغيير شكل الشركة تماما، أو انتهاز الفرصة ومحاولة فعل شيء جديد.

وقالت «لقد كانت تلك بالفعل فرصة للتفكير، (هل تريد أن تفعل شيئا مختلفا؟) لم تكن الطريقة القديمة ناجحة».

وفي الوقت الحالي، عادت إلى الاهتمام بحبها الأول: السياسة والسياسات العامة، وهو المجال الذي عملت به في بداية حياتها العملية.

وتقول موراي «إنه وقت ممتع للغاية أقضيه في واشنطن». وهي تسعى بقوة للعمل في هيئات فيدرالية أو في هيئات تابعة للقطاع الخاص تعمل مع الحكومة. ومن المرجح أن ينتج عن عملها الجديد انخفاض في الراتب، ولكن تقول موراي إن تكاليف المعيشة المنخفضة في واشنطن (وهي أرخص من نيويورك بـ15 إلى 20 في المائة) ستخفف من قلة المرتب. «أرى أن تلك فرصة، ولن أضيعها».

وأخيرا، لنتصور قصة محامية محبطة في واشنطن ترى وجها جميلا في حالة الركود. لقد بدأت هذه المحامية، التي تبلغ الثلاثينات من العمر، في عمل إضافي ببيع مستحضرات تجميل ماري كاي، حيث تستثمر 100 دولار في حقيبة عينات. وقد طلبت عدم ذكر اسمها لأنها لا تريد أن تعرف شركة المحاماة التي تعمل بها أنها ترغب في ترك العمل. وقالت «إنهم يعتقدون أنني سعيدة وأشعر بالراحة في العمل، وأنا أريدهم أن يظلوا على اعتقادهم». ولكنها ليست سعيدة. فما زالت تحمل عبء دين قيمته 150 ألف دولار لكلية الحقوق، وتعمل في شركة جمدت مرتبات موظفيها. وتقول «كل ذلك وهذه هي المكافأة. عليّ أن أعمل وأعمل بدون زيادة أو مكافأة». وترغب هي وزوجها، الذي يعمل في الحكومة، في بيع منزلهما، والانتقال إلى مكان ما تكون فيه وتيرة الحياة أبطأ والبدء في حياة أسرية. ولكن يجب تأجيل كل ذلك؛ فقد تسببت أزمة العقارات في انخفاض قيمة منزلهما بمقدار 150 ألف دولار ولم يعد في إمكانهما بيعه. وقالت «لقد فاجأتنا الأزمة الاقتصادية فأصبحنا عالقين».

وهي ترجو في نهاية الأمر أن تترك عملها في شركة المحاماة وربما تباشر عملها الخاص. وتقول «لقد ذهبت إلى كلية الحقوق لذا ستكون معي أدواتي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»