آلاف السودانيين يتقدمهم الرئيس البشير يشيعون نميري إلى مثواه الأخير

أقيمت له جنازة عسكرية وشعبية وفرضت إجراءات أمنية مشددة وأغلقت شوارع

مراسم تشييع الرئيس السوداني السابق جعفر نميري في العاصمة السودانية أمس (أ.ف.ب)
TT

بمشاركة الآلاف من سكان العاصمة الخرطوم والقرى المجاورة، ورجال الطرق الصوفية والمسؤولين في الدولة، يتقدمهم الرئيس عمر البشير، جرى تشييع الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد نميري، الذي غيبه الموت أول من أمس في منزله بضاحية ود نوباوي في مدينة أم درمان، في مقابر «أحمد شرفي»، المجاورة لمنزل الراحل. وعُزف لحن «لن ننسى أياما مضت.. لن ننسى ذكراها»، الشهير، الذي يُعزف في مراسم تخريج ضباط القوات النظامية في السودان. وبدا الموكب الجنائزي من مستشفى السلاح الطبي في مدينة أم درمان، حيث نقل إليها الجثمان بعد الوفاة، مرورا بعدد من شوارع العاصمة، إلى أن وصل إلى القصر الجمهوري، لتقام في حدائقه المراسم الرئاسية للتشييع، ثم توجه الموكب وأخذ الطابع العسكري، تخلله عدد من الآليات العسكرية إلى منزل الرئيس الراحل بحي ود نوباوي، ومنه إلى استاد ود نوباوي بأم درمان حيث صلى المشيعون عليه صلاة الجنازة، قبل أن ينقل إلى المقابر تتقدمه الموسيقى العسكرية محمولا على الأعناق بواسطة ضباط من القوات المسلحة، ويتم تشييعه في الجانب الجنوبي من المقابر.

واصطف المئات للصلاة على جثمان الرئيس الراحل وجلست زوجته بثينة خليل في مواجهة الجثمان وهي ترتدي ثوبا سودانيا تقليديا باللونين الأبيض والأسود. وعقب الصلاة حمل الجثمان على وقع الموسيقى العسكرية فيما سار خلفه الرئيس البشير وعدد من الوزراء إضافة إلى بعض الوزراء الذين خدموا في عهد نميري. وووري جثمان النميري الثرى في مقابر «أحمد شرفي» بمدينة أم درمان.

وشهدت مراسم تشييع نميري إجراءات أمنية مشددة على طول المناطق التي مر بها الموكب الجنائزي، وأغلقت الشرطة عددا من الشوارع في الخرطوم وأم درمان.

ولم تتخلل مراسم التشييع كلمات لا في القصر الرئاسي ولا في مقابر «أحمد شرفي»، غير أن الرئيس البشير نعاه في أثناء خطاب ألقاه ليلة أول من أمس أمام مجلس شورى حزبه «حزب المؤتمر الوطني الحاكم». واعتبر الفريق ركن بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية أن الرئيس الراحل كان رئيسا للجمهورية وقائدا عاما للجيش، لذلك سيتم التعامل مع مراسم تشييعه كرئيس،.

واعتبره الرئيس الأسبق عبد الرحمن سوار الذهب من أبرز الشخصيات في التاريخ السوداني، وقال سوار الذهب الذي أعلن عزل نميري عن السلطة بعدما اشتدت الانتفاضة الشعبية ضده في الرابع من أبريل (نيسان) عام 1985: «تشرفت بالعمل معه»، وأضاف: «إن أبرز ميزات الراحل اهتمامه بالقوات المسلحة». وقال ميرغني عبد الرحمن الحاج سليمان القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي إن نميري عنوان صادق لأهل السودان، يمتاز بالشجاعة في اتخاذ القرار والجرأة في الحق.

وحكم النميري السودان بين عامَي 1969 و1985 عقب انقلاب عسكري على حكم الرئيس السوداني المنتخب إسماعيل الأزهري. وُلد النميري في أم درمان عام 1930 وتخرج في الكلية الحربية السودانية ونال الماجستير في العلوم العسكرية من الولايات المتحدة الأميركية وعاد ليعمل ضابطا في القوات المسلحة.

ورغم أنه تلقى دروسه العسكرية في الولايات المتحدة في الستينات، قاد النميري الانقلاب بدعم من الاشتراكيين والحزب الشيوعي، قبل أن يخوض نزاعا مفتوحا مع الأخير بعد بضعة أعوام.

والعام 1972، وضع النميري حدا لأول حرب أهلية كانت اندلعت بين الشمال والجنوب عام 1955، وذلك عبر اتفاق تاريخي أرسى سلاما نسبيا في هذا البلد المترامي في إفريقيا. ولكن مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات شهد الاقتصاد السوداني أزمة ألقت بظلالها على حكم النميري. واجتاحت البلاد مجاعة في عام 1984 أدت إلى وفاة المئات خصوصا في أقاليم دارفور وكردفان وشرقي السودان.

وفي عام 1983 فرض الرئيس الأسبق الشريعة الإسلامية وقسم جنوب السودان ثلاث مناطق مختلفة، ما أثار استياء القادة الجنوبيين الذين أدخلوا السودان مجددا في حرب أهلية بين الشمال والجنوب أسفرت عن مقتل مليون ونصف مليون شخص حتى عام 2005. وأطيح بالنميري عام 1985 إثر انقلاب قاده الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب الذي فتح الباب أمام انتخابات ديمقراطية أوصلت إلى الحكم رئيس حزب الأمة صادق المهدي. ولكن سرعان ما أطيح بالأخير عام 1989 عبر انقلاب جديد قاده الرئيس السوداني الحالي عمر البشير. وأقام النميري في مصر 14 عاما قبل أن يعود إلى السودان عام 1999 حيث حاول دون جدوى منافسة البشير في انتخابات وصفتها المعارضة بأنها «مهزلة». وكان النميري أول رئيس سوداني يضع صورته على العملة الورقية السودانية عندما أعاد طباعتها وعليها صورته وهو يرتدي الزي السوداني التقليدي المكون من جلباب وعمامة ويرتدي النظارة الطبية.