شهية السويسريين تتجه إلى الطعام الإيطالي في ظل الأزمة الاقتصادية

بعد أن تأثرت حركة المبيعات في المحلات الفاخرة في شارع بانهوف ستراس

في بعض المطاعم السويسرية التقليدية، تعرض مصرفيون لهتافات عدائية ليخرجوا من المطعم، بل قام أحد المطاعم بطرد زبون مصرفي شهير (نيويورك تايمز)
TT

يجاهد المصرفيون في هذا المركز المالي السويسري في الفترة الحالية من أجل التغلب على حالة الخوف. وتتكبد بعض المصارف السويسرية، مثل أكبرها (يو بي إس)، خسائر فادحة، مما يجبرها على تسريح آلاف الموظفين. وتنكمش أرباح مصارف أخرى مع سوق الأسهم المنخفضة.

وأصبح الأجانب من الأثرياء، مثل الروس، قليلا ما يسحبون أموالا من حساباتهم المصرفية المجهولة، لذا تأثرت حركة المبيعات في المحلات الفاخرة في شارع بانهوف ستراس المتألق. وبالإضافة إلى ذلك، نشر وعد الرئيس أوباما وقادة غربيون آخرون بتعقب الملاذات الضريبية، ومن بينها سويسرا، شعورا غير معتاد بالكآبة.

ولكنك لن تجد ذلك في إل غيغليو، حيث تمتلئ مناضده طوال ست ليال في الأسبوع (حيث يغلق أيام الآحاد) حتى على الرغم من أن أرقى مطاعم زيوريخ كثيرا ما تكون فارغة تقريبا. يقول فيتو غيغليو (52 عاما)، وهو يقلب في أوراق سجل الحجوزات موضحا أنه كل مناضد مطعمه محجوزة في الغداء والعشاء، وأحيانا لمدة أسبوع مقدما: «مناضدنا كاملة العدد على الدوام.» ويقول عن رواد مطعمه من المصرفيين: «حتى إذا كانوا قد تركوا أعمالهم، فهم يحصلون على راتب ستة أشهر وصفقات مربحة. ويستمرون في القدوم إلى هنا».

نعم يشعر المصرفيون هنا بالألم، ولكن أعدادا مدهشة منهم تسعى إلى الراحة في المطعم الإيطالي. ويبدو أن تلك الشهية المفاجأة للأكلات الإيطالية ترجع إلى كونها وجبات منزلية مريحة، ويبدو عنصر الراحة ذا أهمية متزايدة في الوقت الذي تشعر فيه المصارف السويسرية بوطأة الأزمة المالية.

ومنذ بداية العام الماضي، عندما بدأ الشعور بحالة الركود في الوصول إلى هنا، ارتفعت نسبة البطالة في قطاع المطاعم بنسبة تزيد على 10 في المائة، كما يقول برونو ساوتر، مدير مكتب العمل في المدينة. ولكن يقول دانيال موللر، مدير فن الطهي في بينديلا أحد أكبر مجموعات المطاعم في زيوريخ، إن العمل في المطاعم الإيطالية في بينديلا والبالغ عددها 16 مطعما، انخفضت بنسبة تقل عن 2 في المائة منذ العام الماضي، وفي بعض فئات الأسعار لم تنخفض على الإطلاق. وقال إن الأرباح السنوية ارتفعت إلى 100 مليون دولار في العام الماضي، بعد أن كانت 90 مليون دولار في عام 2006.

ويعمل لدى بينديلا، وهي مجموعة تمتلكها عائلة، حوالي 500 شخص في سلسلة تضم مطعما أنيقا تحت اسم بينديلا، ومطاعم متوسطة الأسعار تعرف باسم سانتا لوتشيا، وعددا من المطاعم منخفضة الأسعار تحت اسم إسباغتي فاكتوري. ويقول موللر إن المطبخ الإيطالي «قريب من المطبخ السويسري؛ فهو جزء كبير لا يتجزأ من حياتنا».

وتدرك المطاعم غير الإيطالية حاليا أن عليها المنافسة مع المطبخ المتوسطي. وعلى لوحات الإعلانات في جميع أنحاء زيوريخ، على سبيل المثال، تعرض محلات ماكدونالدز ساندويتش برغر بالجبن وسعره حوالي 2.25 دولار، ومعه كلمات: «تورتيليني أم هذا».

يقول أورس روث، الرئيس التنفيذي لجمعية المصرفيين السويسريين، وهو يحدق من مكتبه المطل على نهر ليمات من المركز المصرفي: «يعاني الجميع إلى درجة ما». وكان روث يعمل مستشارا عاما في (يو بي إس) عندما كان رابحا.

ولا تعد قوة المصارف أمرا أكاديميا، فالمصارف بالنسبة لسويسرا مثل الكركند لولاية مين الساحلية. ويعمل حوالي ربع المليون سويسري في القطاع المالي، وحوالي 40 في المائة منهم متمركزون في منطقة زيوريخ.

ومع ذلك، في بعض المطاعم السويسرية التقليدية، تعرض مصرفيون مشهورون لهتافات عدائية ليخرجوا من المطعم؛ بل وطرد أحد المطاعم زبونا مصرفيا شهيرا.

وعندما كان مارسيل أوسبيل رئيسا لمجلس إدارة (يو بي إس)، كان يتناول عشاءه بانتظام يوم الأربعاء في مطعمه المفضل، كرونينهال، وهو مطعم وبار قديم بالقرب من دار الأوبرا، حيث تزين جدرانه أعمال فنية لماتيس وبيكاسو وميرو. ولكن في العام الماضي بعد أن أعلن أوسبيل أن (يو بي إس) خسر ما يزيد على 19 مليار دولار، جعله المطعم يشعر بأنه شخص غير مرغوب فيه، وفقا لما تنقله وسائل الإعلام الإخبارية السويسرية. وبدأ في الفترة الأخيرة فقط في ارتياد المطعم من جديد.

ولكن المطاعم التي لا ترفض المصرفيين هي المطاعم الإيطالية، التي حلت محل الصينية كأكبر مطاعم في المدينة لا تقدم أطباقا سويسرية. وعندما سئل روث من جمعية المصرفيين عن المكان الذي يتناول فيه طعامه في الخارج، قال: «إذا كنت مع عملائي، أذهب إلى المطاعم المحلية القريبة من المكتب؛ وإذا كنت وحدي وأريد فقط أن أسترخي، اذهب إلى إل غيغليو».

ولا يشعر غيغليو بالحيرة لإعجاب المصرفيين المفاجئ بالطعام الإيطالي. ويقول إنه، مثل أي شيء إيطالي متميز، له تأثير ملطف: «مثل موسيقى التينور، وكثير من المؤلفات الموسيقية الموضوعة من أجل كاروسو وبافاروتي».

ولكن يروي غيغليو إنه في إحدى الأمسيات الماضية، كان هناك مصرفي ومحام يتذمران بصوت عال وهما يتناولان الباستا، عندما قام أحد رواد المطعم من على طاولة مجاورة ووبخهما بصوت عال. ويقول غيغليو: «قال لهما الرجل إن المصرفيين أمثالهم ليسوا هم من يخسرون المال، ولكن الفقراء من أمثاله».

ويقول جان بيلينسكي (55 عاما) من مصرف يوليوس بار، وهو مصرف خاص مقصور على أعضائه ومتفرع من شارع بانهوف ستراس: «إن غيغليو مكان تستطيع أن تذهب إليه في الأوقات الجيدة والسيئة». وقال وهو يحتسي القهوة: «لقد تغيرت الحالة المزاجية. وتتغير الحالات المزاجية عندما تتغير السوق. وتؤثر الحالة السيئة للسوق على الجميع».

ويتفق موللر من بينديلا مع غيغليو بشأن عنصر الراحة في الطعام الإيطالي. ويقول إن الميل إلى تناول العشاء الفاخر في سويسرا بدأ في التضاؤل، حيث تتزايد سرعة وتيرة الحياة. ويقول: «هنا تشعر وكأنك في إجازة،» وكان يتناول الكاليماري وعصيدة من دقيق الذرة في كافيه تراس، وهو أحدث مطاعم المجموعة، المقام في قاعة كان بها ملهى ليلي في الماضي.

ومع وجودها في المقدمة، تحقق بعض المطاعم الإيطالية المزيد من الازدهار. في فندق (سافوي بارو إن فيل) الفخم ذي النجوم الخمس الواقع في بارادبلاتز، مركز المال في زيوريخ، يدير مانفريد هورغر مطعم أورسيني الذي يقدم لحم العجول من ميلانو بتكلفة 47 دولارا للفرد.

ويقول هورغر (67 عاما)، الذي يدير الفندق منذ عقود مع زوجته كريستينا، إن أهم عامل في الطعام الإيطالي هو التواصل بلا انقطاع. ويوضح: «جاء زبون في الفترة الأخيرة من بازل وقال: أريد طلب طبق رافيولي ديلا نونا. وكنا قد رفعناه من على القائمة».

وأمر هورغر بإعادته على الفور. وقال في فخر: «ما يميزنا هو الاستمرارية».

* خدمة «نيويورك تايمز»