الإفلاس لن يمحو سيارات جنرال موتورز من الخيال الشعبي الأميركي

الشركة كانت مصدر إلهام لأغان وأفلام.. وبعض المركبات ارتبطت بموسيقى الروك

فريتز هندرسون الرئيس التنفيذي لجنرال موتورز يشاهد كلمة أوباما على شاشات التلفزيون حول إفلاس الشركة في نيويورك (نيويورك تايمز)
TT

لم يسبق لأي شركة، أو على الأقل منتجات شركة ما، أن حظيت باحتفاء بالغ على مستوى الثقافة الشعبية الأميركية مثلما كان الحال مع شركة «جنرال موتورز»، ذلك أنه على امتداد عقود عدة، شكلت مركبات «جنرال موتورز» مصدر إلهام للتعبيرات المجازية الفنية عن الحرية والسرعة والشباب والرومانسية والقوة. ومثلما أشارت لوحة إعلانية داخل مدينة وارين في ولاية ميتشغان، وهي موطن «شيفروليه»،، فإنه: «ليس هناك من يكتب أغاني عن سيارات فولفو».

وعليه، يمكن القول بأن تقدم «جنرال موتورز» بطلب بالأمس لإعلان إفلاسها لا يضر كثيرا بالصورة التي عززتها الأفلام والبرامج التلفزيونية، وعلى نحو خاص، الأغاني الشعبية حول الشركة. والواضح أن السيارات والشاحنات التي أنتجتها الشركة تتميز بمكانة راسخة في الخيال الشعبي من المتعذر أن تختفي سريعا، وإن كانت قد غابت عن عادات الشراء الأميركية. جدير بالذكر أن سيارات «جنرال موتورز»، شكلت دوما، بدرجة تفوق «كرايسلر» المفلسة أو حتى «فورد»، رمزا فوريا للمكانة الاجتماعية والتوجه، ليس على الطرق فحسب، وإنما كذلك على شاشات التلفزيون وفي الأفلام. وقد حققت «جنرال موتورز» نجاحا بالغا في التسويق لكل من علاماتها التجارية لدرجة أن مجرد ظهور واحد من منتجاتها مثل «جي تي أو» أو «تشيفي تشيفيت» كان كفيلا بالتعرف على شخصية صاحب السيارة، بل ومصيره المحتمل. على سبيل المثال، تميل الشخصيات البطولية لقيادة سيارات قوية عالية الأداء، حيث نجد أن شخصية بيرت رينولدز في سلسلة أفلام «سموكي آند ذي بانديت» كانت تقود سيارة «بونتياك» سوداء. وبعد بضع سنوات، قامت نسخة متقدمة تقنيا من السيارة ذاتها بنقل مايكل نايت، البطل الذي يولي جهوده لمحاربة الجريمة، (قام بالدور ديفيد هاسلهوف) خلال حلقات «نايت رايدر». كما ظهرت السيارة «شيفروليه كمارو» في فيلم «ترانسفورمرز»، إنتاج عام 2007. وخلال حلقات مسلسل «روت 66» التلفزيوني الذي جرت إذاعته في الستينات، وتناول الإمكانات الرومانسية المتاحة على الطرق المفتوحة، خرج بطلا المسلسل إلى الطريق السريع داخل سيارة «شيفروليه». وارتبطت موسيقى «روك» ارتباطا وثيقا بالسيارات منذ الأيام الأولى لظهور موسيقى «روك آند رول». ويعتقد بعض مؤرخي الأغاني الشعبية أن أغنية «روكيت 88» ـ التي ألفها أيك تيرنر عام 1951 كقصيدة غنائية موجهة إلى سيارة «أولدزموبيل 88» ـ باعتبارها أول تسجيل لحقبة موسيقى «روك». في الواقع، يجمع بين السيارات وموسيقى «روك» رابطة بالغة القوة. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتزامن تطور موسيقى «روك» مع ظهور «ثقافة السيارات»، حسبما أوضح بول غروشكين، مؤلف كتاب «القيادة على الطريق السريع: السيارات ومن ابتكروا روك رول». وأعرب غروشكين عن اعتقاده بأنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، التقى ارتفاع مستوى رخاء الأسر الأميركية وتنامي أعداد الضواحي والطرق السريعة الكبرى وازدياد نسبة الشباب بين السكان مع روح الانفتاح والحرية التي هيمنت على صناعة السيارات. وقال: «إن الناس يتطلعون إلى السيارات التي سادت هذه الفترة ويجدون صعوبة في تصديق حجم الجرأة التي لزمت لقيادة مثل هذه السيارات في الشوارع. كان الفرد يتمتع بقوة حصان غير محدودة. ولن نشهد مثل هذا الأمر مجددا أبدا». وعليه، شهدت البلاد موجة من أغاني المراهقين المتعلقة بالسيارات، مثل دويتو جان وديان وفرقة «ذي بيتش بويز». وعبر العديد من أغانيه، نجح بروس سبرنغستين من إضفاء هالة براقة حول السيارات محلية الصنع، مثل «ثندر رود» و«ريسنغ إن ذي ستريتس». (جدير بالذكر أن سبرنغستين أشار في إحدى المرات النادرة إلى سيارات أجنبية الصنع، وذلك في أغنية «بينك كاديلاك»، حيث يقول: «لكن حبي أكبر من سيارة هوندا. إنه أكبر من سيارة سوبارو»). وقد أحرزت أغنية برنس «ليتل ريد كورفيت» نجاحا جماهيريا كبيرا دفع وكالة «كامبل اوالد» الإعلانية، التي استعانت بها «شيفروليه»، إلى دمجها في حملة إعلانية لسيارة «كورفيت» عام 2002. ويأتي ذلك على الرغم من أن برنس لم يكن يغني في حقيقة الأمر إلى السيارة التي يبلغ سعرها 50.000 دولار. في هذا الصدد، أكد بيل لدويغ، المسؤول التنفيذي للوكالة ذو الفكر الإبداعي، خلال لقاء أجرته معه «أوتوورلد» أنه: «صراحة، لم تنجح أي علامة تجارية أخرى في إلهام الثقافة الشعبية مثلما فعلت شيفروليه. لقد ولدت كورفيت وروك آند رول في أميركا منذ 50 عاما. هل كانت تلك مصادفة؟ لا أعتقد». إلا أنه ربما يقابل بعض المعارضة لهذا الرأي من جانب قسم «كاديلاك» داخل «جنرال موتورز»، الذي ألهم عددا لا يحصى من الأعمال الموسيقية كرمز للرفاهية والبذخ خلال الفترة ذاتها، بداية من أغنية «نت فيد أواي» للمغني بودي هولي، والتي يقول فيها: «حبي أكبر من سيارة كاديلاك. أحاول إظهاره لكنك تصدينني». أما الفنانون ذوو البشرة السمراء فيتميزون بتاريخ خاص مع «كاديلاك»، التي عملت على امتداد عقود عدة كرمز للمكانة الاجتماعية داخل مجتمعات الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية التي عانت من وطأة الفصل العنصري. يذكر أن أريثا فرانكلين أصدرت أغنية حققت نجاحا هائلا في الثمانينات بعنوان «فريواي أوف لوف»، والتي أشارت خلالها، مثل سبرنغستين، إلى «كاديلاك» قرنفلية اللون. ومنذ فترة طويلة، شدا نجم موسيقى «روك» تشوك بيري بأغنية ذكر فيها «كاديلاك». علاوة على ذلك، تعج أغاني هيب هوب بإشارات إلى «كاديلاك»، مثل نيلي في أغنية «إي. آي.» في الواقع، ربما تكون أغاني موسيقى «راب» وولعها البالغ بـ«كاديلاك» هو الذي ساعد على إنقاذ هذه العلامة التجارية من على حافة الانهيار في التسعينات. بيد أنه للأسف، لم يكن كل ذلك كافيا كي تبقى «جنرال موتورز». في هذا السياق، قال غروشكين: «الأمر المحزن أن التكنولوجيا قد تجاوزت في طريقها جنرال موتورز وفورد. ولم يعد هناك عدد كاف من الأفراد الراغبين في شراء منتج أميركي في الوقت الحاضر».

* خدمة «نيويورك تايمز»