المدير العام لـ«الأمن الداخلي» اللبناني لـالشرق الأوسط»: وجهنا ضربة غير مسبوقة لـ «الموساد» الإسرائيلي

اللواء أشرف ريفي: أحبطنا محاولة خطيرة لتجنيد كوادر في «حزب الله»

TT

أعلن المدير العام لقوى الأمن الداخلي في لبنان اللواء أشرف ريفي أن لبنان «وجه ضربة غير مسبوقة» لـ«الموساد» الإسرائيلي، كاشفا لـ«الشرق الأوسط» بعض خفايا عمليات تفكيك الشبكات المتعاملة مع «الموساد» الإسرائيلي، مشيرا إلى أن مجموعة خطوط هاتفية حصل عليها أحد العملاء وسلمها لمشغله الإسرائيلي ساعدت في كشف العديد من الشبكات، لكنه أكد وجود «سر تقني» أعطى القوى الأمنية أول خيط لتفكيك الشبكات غير المرتبطة بعضها ببعض على الإطلاق، رافضا نظرية «حجارة الدومينو» التي تتهاوى واحدا تلو الآخر. ووعد بكشف المزيد من الشبكات التي يتم العمل عليها حاليا. ونفى بشدة وجود «شخصيات دينية أو سياسية أو إعلامية بين الموقوفين أو المشبوهين»، مستغربا محاولة «إدخال ملف وطني في لعبتنا الصغيرة الانتخابية».

وشدد ريفي على أن لا توقيت سياسيا لعملية تفكيك الشبكات الإسرائيلية التي اكتشفتها «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي، كاشفا إحباط عملية خطيرة لاختراق أمن «حزب الله» من خلال محاولة تجنيد لكوادر أساسيين في الحزب، وأن الحزب «حدد بالاتفاق معنا ساعة الصفر لانطلاق هذه العملية».

وأكد ريفي قدرة القوى الأمنية على ضبط الوضع خلال الانتخابات الأحد المقبل، موضحا أن «الأطراف السياسية كلها متوافقة على تمرير الانتخابات بهدوء، وهذا ما سوف يساعدنا على ضبط الموضوع، فلا يمكن فصل الموضوع الأمني عن الموضوع السياسي في بلد مثل لبنان».

وطمأن إلى جهوزية القوى الأمنية لمعالجة ملف الانتخابات عبر خطتين، الأولى خطة سير يفترض أن تحول دون حصول ازدحام بمؤازرة طوافات الجيش اللبناني، وخطة أمنية بالتنسيق مع الجيش تتولى فيها قوى الأمن الداخلي أمن صناديق الاقتراع في حين يتولى الجيش الأمن في المناطق.

ويصف اللواء ريفي ما حصل من تفكيك للشبكات الإسرائيلية خلال الأسابيع الماضية بأنه «ضربة غير مسبوقة في الصراع العربي الإسرائيلي»، متوقعا أن تكون نهايتها «ضرب البنية الكاملة للاستخبارات الإسرائيلية في لبنان». ويقول: «قد لا نستطيع أن نقف جميع المتعاملين مع الاستخبارات الإسرائيلية، لكن هذه الضربة تجعل حتى البنية التي لا نعرفها تنهار»، مشيرا إلى أنه بنتيجتها سيعيد الإسرائيلي النظر في طريقة عمله وسيجد صعوبة بالغة في تجنيد أشخاص آخرين»، موضحا أن عددا من المتعاملين حتما فر وغادر لبنان، «وقد لا نعرف من هم».

ويكشف ريفي أن «الشبكات التي كشفتها حتى الآن قوى الأمن الداخلي وحدها يبلغ نحو عشر، آخرها ليل (أول من) أمس حين وقف شخص في البقاع الجنوبي»، وأن «عناصر هذه الشبكات لا يتجاوز عادة الشخصين، فيما تكون الشبكة المؤلفة من 3 أشخاص استثناء للقاعدة. وهي شبكات تدار من الخارج بطريقة منفصلة، بعضها من فلسطين وبعضها الآخر من قبرص وأوروبا».

ويقول ريفي: «لقد وفقنا على سر أعطانا الخيوط الأولى، وكان علينا أن نستكمله بإجراءات تنفيذية ودراسات، وأحيانا دخلنا بيوت المشبوهين بطريقة استخبارية لأخذ معلومات نحتاجها. وقد تعلمنا الكثير من الدروس، كما حصل في ديسمبر (كانون الأول) عندما وقفنا شخصا دون معطيات كبيرة، ورغم أنه اعترف بالتعامل مع إسرائيل عبر مشغل كان يديره من دولة إفريقية، فإننا لم نستطع أن نعرف طبيعة المهمات التي يقوم بها، ولم نضبط موجودات، فأعدنا تقويم طريقة العمل، واكتشفنا أننا تسرعنا. عادت الخلية لتعمل وفق هذه الرؤية وبدأنا بتحقيق إنجازات».

وعن ماهية هذا «السر» يقول ريفي: «إنه سر تقني استكمل بشيء تقني آخر وعمل ميداني». ويرى أن الإسرائيلي «لم يخطئ ميدانيا، لكن أخذه الغرور وظن أننا نحتاج إلى عشرات السنين للوصول إلى هذه التقنيات». ويضيف: «كنا نعمل بصمت واستفدنا من العامل الإنساني لدينا لتخطي عقبة النقص الحاد في التمويل»، موضحا أن هناك تعاونا مع استخبارات الجيش. «ساعدناهم وساعدونا حتى إننا كنا نعمل أحيانا كجهاز واحد». وكشف أن هناك المزيد من الشبكات التي يتم مراقبتها وملاحقتها، متوقعا الكشف عن المزيد منها دون تحديد أرقام، ومكتفيا بالقول: «لا تزال لدينا ملفات نتابعها».

ولفت إلى أن التأثير النفسي على المتعاملين كان كبيرا، «ففي حين كنا نلاقي صعوبة في الحصول على اعترافات منهم، بدأت الأمور تتسارع فاعترف أول ثلاثة أشخاص بصعوبة بعدما واجهناهم بقرائن، ولاحقا بدأوا بالاعتراف سريعا، حتى إن بعضهم أصبح يعترف خلال نقله إلى التوقيف في سيارة الدورية».

ويقول ريفي إن شبكة العميد المتقاعد في الأمن العام أديب العلم كانت الملف الأول، لكنه لم يكن كل شيء. واعترف بأن فرع المعلومات في قوى الأمن لا يزال يافعا ويحتاج إلى بعض الوقت، وهو لا يستطيع أن «يهضم» كل الشبكات مرة واحدة، لذلك يقوم بقطفها «واحدة تلو الأخرى»، موضحا أن أهم ما حصلت عليه القوى الأمنية هو معرفتها كيف تعمل الشبكات والنسق الذي تتبعه، وخلاصتها أن الإسرائيلي هو الذي يقوم بالتنفيذ عند الحاجة فيأتي الخبير من الخارج للقيام بالمهمة ويكون دور المتعامل تأمين وصوله ومغادرته وتوفير المتطلبات اللوجستية. وفيما كان عمل معظم الموقوفين لوجستيا، فإن الموقوف ناصر نادر «نعتقد أن له علاقة مباشرة باغتيال المقاوم غالب عوالي رغم أنه لم يعترف بهذا بعد، وكذلك الموقوف الفلسطيني الذي نقل عبوة ناسفة إلى مخيم عين الحلوة للقيام بعملية تخريب».

لماذا كشف الشبكات الآن؟ وهل من توقيت سياسي لهذا الإنجاز الأمني؟ يقول ريفي: «بعض هذه الملفات كان يمكن أن ينتظر، لكن خلال التحقيق مع أفراد الشبكة الأولى (العلم) تفرعت من التحقيق معلومات تتصل بأمن «حزب الله»، إذ تبين لنا أن هناك خرقا أمنيا للحزب أو محاولة خرق أو تحضيرا لعمل أمني، فاستدعينا مسؤول وحدة الارتباط في (حزب الله) الحاج وفيق صفا الذي نتواصل معه بشكل دوري، واجتمعنا معه هنا (في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي) وعرضنا أمامه المعطيات المتوافرة لدينا وأبلغناه أننا لن ندخل وحدنا إلى هذا الملف لأنه يرتبط بأمن الحزب، فإما أن يكون لديكم تبريركم لهذا الأمر وإما أن نضع خطة عمل مشتركة، فطلب مراجعة قيادته ليعود بعدها إلينا مؤكدا معلوماتنا عن محاولة تجنيد كوادر في الحزب ومشيرا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة بهذا الشأن، فطلبنا منه التريث للقيام بخطة مشتركة وتحديد ساعة صفر واحدة للقيام بعمل مشترك. وهكذا كان». وكشف ريفي أن العميد العلم كان قد اشترى مجموعة كبيرة من الخطوط الهاتفية الخلوية المسبقة الدفع ثم أعطاها للمشغل الإسرائيلي الذي أعاد توزيعها على عملاء آخرين في لبنان لا يعرفهم العلم. «وقد ساعد هذا الأمر في كشف العديد من العملاء». لكنه نفى ارتباط هذه المسألة بالسر التقني الذي تحدث عنه رافضا الكشف عن هذا السر قبل «استنفاد مفعوله بالكامل»، ومشيرا إلى أن الإسرائيليين لم يعرفوا بعد ماهية هذا السر.

وأقر بوجود محاولات لخرق قوى الأمن اللبناني، لكنه قلل من أهمية هذه الخروق سواء بالنسبة إلى قوى الأمن أو حتى بالنسبة إلى الجيش (قُبض أخيرا على عقيدين في الجيش بتهمة التجسس).

وفي مواجهة النقص اللوجستي، تعمل القوى الأمنية على الاستفادة من العامل البشري، ويشدد اللواء ريفي على ضرورة «الاستثمار» في الأمن. ويقول: «قد لا يكون للأمن مردود مباشر، لكن تأمين الأمن يوفر بيئة مناسبة للاستثمار. الأمن هو أساس الدولة، لكن هذا لا يعني أننا نريد دولة أمنية لأن الدولة الأمنية تأكل رجالها ووطنها لاحقا».

وأكد أن قوى الأمن «لا تتنصت على الاتصالات الهاتفية، ولا تملك القدرة على التنصت، ولا تحتاجه». ويقول: «كل ما نحتاجه هو (الداتا) التي تعطيها الدول الأخرى مباشرة للقوى الأمنية»، موضحا أن الحصول على هذه المعلومات (من وزارة الاتصالات) «أصبح متوفرا أكثر الآن (في إشارة إلى رفض وزير الاتصالات جبران باسيل إعطاء هذه المعلومات والسجال السياسي الحاد الذي طبع المشكلة) لكننا نحتاج إلى (لفة العروس) في كل مرة نحتاج فيها إلى المعلومات التي ننتظر أحيانا ثلاثة أيام للوصول إليها، في حين أن ثلاث ساعات تؤثر أحيانا في عملنا».