معارك لبنان الانتخابية تحتدم على الساحة الافتراضية .. ومشارك يفتتح موقعا «رائدا» لشراء وبيع الأصوات

استفتاءات وتراشقات سياسية عبر «الفايسبوك» و«اليو تيوب»

TT

مخيلات خصبة جعلت الانتخابات البرلمانية اللبنانية حقلا يتبارى فيه المعلنون قبل السياسيين لإثبات مهاراتهم الإبداعية في الترويج لمشاريع تبدو في غالبيتها شبه خالية من السياسات الاجتماعية، ما خلا بعض العناوين العريضة. فالتصويت، المفترض أن يتم الأحد المقبل، يرتكز في هذه الدورة على قاعدة الانقسام بين فريقي 8 و14 آذار، وما يضمان من تيارات وأحزاب وما يمثلان من محاور واتجاهات. والترويج لم يعد يقتصر على اللوحات الإعلانية التي «تزدان» بها الطرقات منذ فبراير (شباط) الفائت. ولأن كل شيء مباح في الحروب، تعج «المعركة» الديمقراطية بالجيل الأحدث من الأسلحة، جيل الـ«يو تيوب» والـ«فايسبوك» وغيرهما من المواقع الالكترونية التي تجذب مئات الآلاف من الشباب وتعكس اتجاهاتهم. فهذان «الموقعان ـ السلاحان» يتصدران قائمة المواقع التي تتلقف ردود الشباب وتسمح بعرضها من دون حسيب أو رقيب. ولأن الشباب هم المستقبل وهم التغيير، بات الوصول إلى أكبر فئة منهم مطلب جميع المتسابقين على «تمثيل الأمة». لذلك، لم يتأخر عدد كبير منهم في اللحاق بركاب الإنترنت، لا بل إن المتأخر عن الالتحاق بـ«المنابر» الالكترونية يبدو كمن يضع نجوميته في دائرة الخطر.

موقع «فايسبوك»، مثلا، يتيح للمرشحين تسويق برامجهم والترويج لأنفسهم والرد على مناصريهم، والاهم التفرج على مئات التعليقات التي لا تعرف أي حدود أو اعتبارات للياقة. وبإمكان الراغبين في جس نبض الشارع أو «الشوارع» اللبنانية (نسبة إلى الانتماءات المذهبية المختلفة) قراءة مقتطفات من «المبارزات اللفظية». الأمر يبدأ بتعليق على استفتاء يضيفه المشارك فيه إلى النتيجة التي تظهر أمامه ما أن يدلي بصوته، ثم يباشر رفاقه بالرد عليه، فإما أن ترضيهم النتيجة وإما أن تثيرهم. وحينها بإمكان «الخبثاء» الاستمتاع بقراءة جولات وصولات من مبارزات كلامية تبدأ باستفزاز وتنتهي باتهامات تضع الأصدقاء في موقع الخصومة.

وفي جديد «فايسبوك» تقديمه استطلاعات تتيح الاختيار بين المرشحين. واللافت أن الأسئلة التي يجيب عنها المشاركون تبدو كأنها معدة لـ«التسلية فقط» ذلك أن «صياغة الأسئلة لا تراعي أي معايير علمية» كما قال لـ«الشرق الأوسط» محمد شمس الدين من «الدولية للمعلومات» المتخصصة في استطلاعات الرأي، مشيرا إلى أن «الهدف يكمن في الترويج والدعاية لا أكثر. ولا يمكن التعامل مع هذه الاستطلاعات بشكل جاد مهما فاضت الإجابات عنها، ذلك أن لا شيء يكفل أن يكون عدد الإجابات موازيا لعدد الأشخاص المشاركين، أي أن الشخص نفسه يستطيع أن يجيب أكثر من مرة عن السؤال نفسه».

والطريف أن أحد المتمسكين بـ«الواقعية السياسية اللبنانية» أعلن عبر «فايسبوك» عن إنشاء موقع «اشتر صوتي للانتخابات»، معرفا عن نفسه: «رائدون في شراء وبيع الأصوات الانتخابية منذ تأسيس لبنان». يتوجه إلى الناخب بسؤال: «هل أنت محتار لمن يجب أن تصوت في انتخابات لبنان لعام 2009؟» ليسارع إلى تقديم الجواب: «لا تحتر، فلا ضرورة لصوتك لأن نتائج الانتخابات معروفة مسبقا». يحدد الموقع تسعيرة موحدة للصوت بـ599.99 دولار، مطمئنا إلى أنها تشمل نفقات النقل والأكل ولافتا إلى أن السعر المذكور هو للمرشح الواحد، أي أنه يتضاعف تبعا لأعداد المرشحين على اللائحة. ويؤكد أن السرية مضمونة والأسعار ثابتة ونهائية. والواقع أن هذه الفكرة الطريفة لاقت صدى لدى عدد لا بأس به من اللبنانيين لأنها تشكل فسحة للتعبير عن آراء من سئموا «الفقر والفساد والتزوير» كما كتب على لائحة تسقط في جمجمة تزين الموقع. أما موقع «يو تيوب» فله خصوصية ومكانة خاصة لدى السياسيين واللبنانيين على السواء. فهو المكان الأمثل لتسريب الأشرطة التي يختلط فيها المزور بالأصلي، وذلك من دون أن تكشف هوية الفاعل أو الفاعلين. وهكذا تحول هذا الموقع فضاء تطلق فيها الأشرطة من كل حدب وصوب وتنال نسبة عالية من المشاهدين والمعلقين على السواء. وبعض هؤلاء، لا بل غالبيتهم، لا يحق لهم الاقتراع لصغر السن. واللافت أن الإقبال المتزايد على مشاهدة هذه الأشرطة يخرجها من كواليس الانترنت ليضعها في واجهة الحياة السياسية. فإما أن تتحول إلى «عدة الشغل» كما حصل مع المرشح عن دائرة كسروان كارلوس اده حين سارع، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إلى «شهر» بعض منها ليدعم حججه في الإجابة عن بعض الأسئلة. وفي أحد هذه الأشرطة يظهر النائب ميشال عون يدين بلهجة قاطعة سورية ويحملها مسؤولية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في مقابلة مع إحدى شبكات التلفزيون الفرنسية. وفي المقابل، يضطر بعض السياسيين إلى إصدار بيانات توضيحية، كما حصل مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي». فالنائب وليد جنبلاط نال «حصة الأسد» إذ حاز الشريط الذي سرب عنه وتعرض فيه لبعض حلفائه نسبة عالية من المشاهدين والمعلقين. وقد سارع جنبلاط إلى الرد على شريط مسرب عن الوزير طلال أرسلان، عقب أحداث الجبل في مايو (أيار) 2008، ليؤكد أن علاقته بأرسلان «أقوى وأمتن من أن يعكرها تسريب». والتسريب لا ينحصر بالمجالس الحالية لأنه يعود إلى أزمنة الحروب الأهلية حين كان حلفاء اليوم في المواجهة، كما حصل مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله حين وعد بإقامة الجمهورية الإسلامية. وللإنصاف، لا بد من إبراز الوجه الإيجابي للانترنت الذي يقدم إلى المرشحين في هذا الموسم فرصة الإطلال بابتسامات خلابة ووجوه نضرة على وقع نغمات رقيقة قبل أن تزين صورهم بعبارات تبدو أحيانا أقرب إلى أبيات الزجل. فهنا يطل مرشح في دائرة المتن، على وقع النشيد الوطني، بابتسامة من وحي المناسبة، فيما يبدو برنامجه موجزا مقتضبا لا يضم إلا بضع كلمات يحفظها تلامذة المرحلة المتوسطة في صفوف الاقتصاد، ويطل مرشح آخر في بيروت بصفحة بالفرنسية وكأنه مرشح في إحدى دوائر باريس.

وفي النهاية، وحتى إن حاول المرء إشاحة نظره لتفادي ما يطوقه من إعلانات وإطفاء أجهزة الراديو والتلفزيون والامتناع عن الدخول إلى الانترنت، لا بد أن يسمع، وخصوصا في فترة المساء، رنين هاتفه الجوال ليعلمه بتلقي رسالة قصيرة تذكره بمشاهدة المرشح فلان عند الساعة كذا.