أوباما عشية زيارته للرياض: لا يمكنا فرض قيمنا على دول أخرى ونحتاج بعض الحزم تجاه إسرائيل

مستشارون ومسؤولون: الرئيس يسعى لكسب أصدقاء.. وخطابه سيشير إلى إسهامات علماء المنطقة

الأعلام السعودية والأميركية ترفرف على أعمدة الإنارة وذلك استعداداً لزيارة الرئيس الأميركي باراك اوباما إلى السعودية اليوم (ا.ف.ب)
TT

أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما عشية جولته بالشرق الأوسط وأوروبا التي تشمل السعودية ومصر وفرنسا، ثقته في قدرة الولايات المتحدة على العمل لإعادة مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية إلى مسارها، وفي الوقت ذاته شدد في مقابلة مع «بي بي سي» البريطانية أن بلاده لا يمكنها أن تفرض قيمها على الدول الأخرى. ويصل أوباما اليوم إلى الرياض في مستهل جولته العربية والأوروبية، وقال البيت الأبيض إن أوباما سيجري محادثات مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تتناول عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والبرنامج النووي الإيراني.

ويبحث الزعيمان في القمة المرتقبة، العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، بالإضافة للقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

ويتوجه أوباما بعد ذلك إلى القاهرة غدا لإلقاء خطاب منتظر موجه إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة.

وفي حديثه إلى «بي بي سي»، قال أوباما إن الولايات المتحدة لا تفرض قيمها على الدول الأخرى، لكن سيادة القانون والديمقراطية وحرية التعبير والديانة «قيم عالمية».

وقال أوباما: «تتمثل الرسالة التي آمل في توجيهها في أن الديمقراطية وحكم القانون وحرية التعبير وحرية الدين ليست بكل بساطة معتقدات غربية يتم التبشير بتطبيقها في تلك الدول». وقال إن هناك «بالتأكيد» قضايا تتعلق بحقوق الإنسان في بعض بلدان الشرق الأوسط تنبغي معالجتها، لكن ثمة «معتقدات عالمية يمكنهم تطبيقها وإقرارها كجزء من هويتهم الوطنية». ومضى قائلا: «أعتقد أن الخطورة عندما يساور الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى الاعتقاد بأنها قادرة على فرض هذه القيم على دولة أخرى لها تاريخ مختلف وثقافة مختلفة».

وأوضح أن بلاده يمكنها هنا التشجيع «وأهم ما يمكننا القيام به هو أن نكون نموذجا يقتدى به». وأشار في هذا الصدد إلى أن إغلاق معتقل غوانتانامو كان قرارا صعبا ومهما «لأن جزءا مما نريد تأكيده للعالم هو أنها قيم مهمة حتى عندما يكون الأمر صعبا، وخصوصا عندما يكون صعبا وليس سهلا». وردا على سؤال بشأن لقائه المرتقب مع الرئيس المصري حسني مبارك، قال أوباما: «لا أميل إلى إطلاق التوصيفات على الأشخاص، أنا لم ألتق بمبارك، فقط تحدثت إليه عبر الهاتف، وهو حليف قوي للولايات المتحدة على كثير من الجبهات، هو لديه سلام دائم مع إسرائيل وهو أمر صعب للغاية في هذه المنطقة، لذا أعتقد أنه قوة استقرار وخير في المنطقة».

وفيما يتعلق بالرفض الإسرائيلي للطلب الأميركي بتجميد الأعمال الاستيطانية في الضفة الغربية، حث أوباما على الصبر. وعبر عن تفاؤله باستئناف المفاوضات السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وقال إنه سيفعل كل ما بوسعه لاستئناف المفاوضات. وقال أوباما في أول حديث لوسيلة إعلام بريطانية منذ توليه منصبه، إن الولايات المتحدة «ستتمكن من إعادة المفاوضات بجدية إلى مسارها»، مضيفا أنه «ليس من مصلحة الفلسطينيين وحدهم أن تكون لهم دولة، لكن للإسرائيليين أيضا مصلحة في أن يستقر الوضع.. وللولايات المتحدة مصلحة في أن نرى دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن».

وردا على سؤال عن رفض الحكومة الإسرائيلية تجميد الاستيطان، دعا أوباما إلى التحلي بالصبر وقال: «الدبلوماسية، عمل طويل النفس دائما. والنتائج لا تأتي أبدا سريعا» موضحا أنه يطبق المبدأ نفسه على إيران.

وأضاف الرئيس الأميركي: «ما قلته هو أنه من مصلحة العالم أن تتخلى إيران عن طموحاتها في امتلاك السلاح النووي» معتبرا أن أفضل طريقة للتوصل إلى ذلك هي استخدام «الدبلوماسية المباشرة».

وقال: «لا أريد أن أحدد جدولا زمنيا مصطنعا، لكننا نريد التأكد من أننا سنتمكن قبل نهاية العام من رؤية تطور جاد لعملية تتيح المضي قدما».

وتطرق إلى الخطاب المتوقع الذي سيلقيه الخميس في جامعة القاهرة، فقال محذرا: «إن خطابا واحدا لن يحل كل المشكلات» معتبرا في الوقت نفسه أن زيارته إلى بلدان إسلامية «تمثل فرصة لنا لكي نعمل على أن يستمع كل طرف للأخر بشكل أفضل».

وفي مقابلة أخرى أجرتها معه الإذاعة الأميركية العامة «ناشيونال بابليك راديو»، أكد أوباما ضرورة اعتماد بعض الحزم حيال إسرائيل بشأن قيام دولة فلسطينية والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.

وبرر أوباما هذا الحزم بأن الاتجاه العام في المنطقة «سلبي للغاية» بالنسبة للمصالح الأميركية والإسرائيلية. وأشار إلى الدعوات التي تطلق باستمرار في المنطقة لإزالة إسرائيل من الوجود، من قبل منظمات متطرفة أو مسؤولين كالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.

وعندما سألته الإذاعة عن شعور لدى كثيرين في الشرق الأوسط بانحياز الولايات المتحدة إلى إسرائيل بشكل شبه أعمى، قال أوباما إن «الولايات المتحدة تقيم علاقة مميزة مع إسرائيل، لا شك في ذلك».

وأضاف «عندما قلنا ذلك، وهو أيضا صحيح، أردنا أن نقول إنه عندما نكون أصدقاء يعني أيضا أن نكون صادقين. واعتقد أننا مررنا بأوقات لم نكن صادقين بما فيه الكفاية حول واقع أن الاتجاه الحالي والمسار الحالي في المنطقة بالغ السلبية، ليس فقط بالنسبة للمصالح الإسرائيلية، إنما أيضا للمصالح الأميركية».

وأوضح أوباما: «لا أعتقد أن علينا تغيير الدعم الحازم الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى إسرائيل». لكنه أضاف: «يجب أن نتمسك بإيمان ثابت في إمكانية أن تؤدي المفاوضات إلى السلام. وذلك في رأيي يتطلب حلا يقوم على دولتين. وذلك يتطلب أن يفي كل طرف، الإسرائيلي والفلسطيني، بالتزاماته».

وذكر أوباما: «قلت صراحة للإسرائيليين في السر والعلن، إن تجميد الاستيطان، بما فيه النمو الطبيعي، جزء من هذه الالتزامات»، مشيرا بذلك إلى أنه يرفض حجة النمو الديموغرافي لتبرير توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية. أما بالنسبة للفلسطينيين، فإنه يتعين عليهم، كما قال، تحسين الوضع الأمني ومحاربة الاستفزازات المعادية للإسرائيليين لكي تكف إسرائيل عن الشعور بأنها مهددة.

وعندما سئل عن رفض الحكومة الإسرائيلية الجديدة وقف الاستيطان، لفت أوباما إلى أنه «ما زال الوقت مبكرا في العملية، فإنهم (الإسرائيليين) شكلوا حكومتهم قبل شهر فقط».

وشدد على أن مصداقية الولايات المتحدة على المحك في المنطقة التي يتوجه إليها تحديدا لتحسين العلاقات مع المسلمين وإلقاء خطاب مهم وعد به منذ وقت طويل.

كما امتنع أوباما في هذه المقابلة عن البت في ما يعتبر الأكثر خطرا: أن تمتلك إيران السلاح النووي أم أن تهاجم إسرائيل إيران لمنعها من امتلاكه. لكن إن امتلكت إيران القنبلة الذرية فستكون، كما قال، عنصرا «مزعزعا للاستقرار في المنطقة، ليس فقط بسبب رد فعل إسرائيل، بل وأيضا بسبب رد فعل دول عربية أخرى أو دول إسلامية أخرى في المنطقة قلقة من أن تحقق (إيران) مكاسب غير جائزة».

في غضون ذلك، أشار مسؤولون أميركيون إلى خطاب أوباما المنتظر، وقالوا إنه عندما يعتلي الرئيس الأميركي المنصة في القاهرة غدا لإلقاء خطابه المرتقب، والموجه إلى العالم الإسلامي، فسوف يقف أمامهم كزعيم أميركي وُلد لأب أفريقي مسلم، وتربى إلى حد ما في إندونيسيا، بالإضافة إلى كونه سياسيا استهل حياته المهنية في البيئة الثقافية السياسية بولاية إلينوي، التي يقطن بها عدد كبير من المسلمين. ويقول المساعدون إنه سيتحدث عن كل هذه الأصول والجذور التي يتقاسمها مع العالم الإسلامي. وهذه هي سياسة السيرة الذاتية التي سرعان ما أصبحت مرادفة لرئاسة أوباما. وأوضح المستشارون أن الرسالة التي يأمل في نقلها إلى المسلمين ستقارب نوعية مواهب السرد القصصي نفسها التي استغلها أوباما بنجاح باهر داخليا. وفي الوقت الذي يحاول فيه أوباما تشكيل علاقات جديدة مع المجتمع الإسلامي شديد الارتياب في الدوافع الأميركية، بات واضحا أن الرئيس الأميركي يعتمد على دبلوماسية الشخصية، وذلك على أساس افتراض أن أفضل طريقة لكسب الأصدقاء لبلاده، هي كسبهم أصدقاء له شخصيا. ويقول دينيس ماك دونوغ، نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية الخاص بأوباما: «حقيقة، لقد عايش الرئيس بنفسه الإسلام في 3 قارات قبل أن يكون بمقدوره فعليا التوجه إلى قلب العالم الإسلامي». وأضاف ماك دونوغ أن الرئيس يرى حاجة جوهرية إلى تغيير «كيفية تعاطينا مع حلفائنا».