قبرصية في غزة تكتشف أهلها بعد عشرات السنين

نجيا هلوسي.. عندما تكون الحياة سلسلة من المآسي

ستلتقي نجيا التي ورثت عن والدتها القبرصية قطعة أرض، بأفراد عائلتها القبارصة بعد 35 عاما من انقطاع الاتصال بينها وبينهم («الشرق الأوسط»)
TT

كلما قفز حفيدها، قاسم، صوب جهاز الهاتف بعد رنينه، يحمر وجهها ويزداد توترها، فهي تنتظر مكالمة من القنصل القبرصي في القدس لكي يعلمها بإرسال تأشيرتي السفر لها ولحفيدها على أحر من الجمر. فبالنسبة لنجيا هلوسي (78 عاما)، القبرصية التي تعيش في قطاع غزة، لا تكاد تصدق أنها ستلتقي أفراد عائلتها القبارصة بعد 35 عاما من انقطاع الاتصال بينها وبينهم. وتقول نجيا لـ «الشرق الأوسط» إنها ولدت لأسرة يونانية قبرصية، وعاشت في مدينة لارنكا، وعندما بلغت من العمر 18 عاما تزوجت عام 1948 من فلسطيني متزوج يقطن يافا، وتوجهت معه للعيش في المدينة التي كانت توصف بعروس البحر، لكن لم يكد يمضي شهر على زفافهما حتى هاجمت العصابات الصهيونية المدينة لطرد أهلها منها، كما فعلت ذلك في كل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، فاضطرت العروس للفرار مع زوجها من المدينة وقد تركت مجوهراتها وجواز سفرها القبرصي وشهادة ميلادها في المنزل، حيث اتجه العروسان للقدس ومنها إلى قطاع غزة مشيا على الأقدام، واصفة أهوالا لا تكاد تقدر على نسيانها، حيث شاهدت الرجال والنساء والأطفال يسقطون موتى على الطرق أثناء الفرار. وبعدما وصلت نجيا للقطاع استقرت مع زوجها في بيت صديق له. لكن مأساة نجيا لم تتوقف عند هذا الحد، حيث حدثت خلافات بينها وبين زوجها انتهت بطلاقها منه. وقالت إن نجل زوجها عرض عليها الإقامة في بيته، وبالفعل أقامت مع عائلته حتى عام 1967 حيث اندلعت الحرب، واحتل الجيش الإسرائيلي القطاع، وفي أحد الأيام فرض الجيش الإسرائيلي نظام حظر التجوال وطلب من الرجال ترك منازلهم والتوجه لإحدى المدارس، فخرج نجل زوجها نحو المدرسة، لكنه لم يعد إلى البيت بعد رفع حظر التجوال، وبعد أيام من البحث عنه وجد مقتولا، حيث أطلق عليه جنود الاحتلال النار وألقوا به بالقرب من أحد البساتين، فتفاقمت المعاناة واستحكمت المأساة، وكما تقول نجيا، فقد كان نجل زوجها بمثابة مصدر الأمل والأمان بالنسبة لها. وفي ظل هذا الواقع تقدم لخطبتها أحد الرجال من عائلة شراب من مدينة خان يونس جنوب القطاع، فوافقت نجيا، وتزوجته، حيث أنجبت منه خمس بنات وولدا. وتقول إنها حتى مطلع السبعينات من القرن الماضي كانت تتواصل مع إخوتها في قبرص عبر الرسائل، وزارت قبرص وحصلت على حقها في الميراث من تركة أمها، وهي قطعة أرض تبلغ مساحتها خمسة دونمات، حيث اتفقت مع إخوتها أن تتم فلاحتها، ويتم إرسال نتاجها لها في القطاع، وأكدت أنها حصلت على ريع الأرض لمدة أربع سنوات. ورفضت عرضا من أهلها بالتخلي عن أبنائها والإقامة معهم، فعادت إلى القطاع، وبعد عودتها حلت حلقة أخرى من حلقات المأساة، حيث دارت الحرب التركية اليونانية التي انتهت بسيطرة تركيا على القسم الجنوبي من جزيرة قبرص حيث يقطن إخوتها وأخواتها، فانقطعت أخبارهم عنها حتى قبل أشهر تقريبا. وتضيف نجيا أن زوج ابنتها، الذي يقيم في قطر، قام عام 2004 بتوكيل محام قبرصي للبحث عن أشقاء نجيا، كما طلب من ابنة صديقه التي تدرس في بريطانيا المساعدة في العثور على أفراد عائلة نجيا، وبعد سنوات من البحث والتحري تم تحديد مكان إقامة أفراد العائلة في قبرص، وجرى أول اتصال بينها وبين إخوتها. وقال قاسم، حفيد نجيا، لـ «الشرق الأوسط» إنه تولى الترجمة بين جدته وإخوتها في قبرص. وأكد قاسم أن أقارب جدته طلبوا منها إرسال أوراقها لكي يرسلوا لها شهادة ميلاد قبرصية، والاتصال بوزارة الخارجية لتأمين تأشيرات سفر لها ولقاسم الذي سيرافقها. وتؤكد نجيا أنها متلهفة للسفر حتى تتمكن من أداء فريضة الحج التي حرمت من أدائها رغم تقدمها للحج سبع مرات. ويؤكد قاسم أنه يتوقع أن تقوم القنصلية القبرصية في القدس بإرسال تأشيرات الدخول في غضون يومين.