البرلمانية الحقاوي تنافس الوزيرة بادو على قلب الدار البيضاء

20% من سكان بلدية أنفا يعيشون في أحياء صفيح متاخمة للفيلات الفارهة

البرلمانية بسيمة الحقاوي في حديث مع إحدى المواطنات («الشرق الأوسط»
TT

تتنافس سيدتان على قلب الدار البيضاء، ونواتها التاريخية، المتمثلين في بلدية أنفا. ففيما أعادت ياسمينة بادو، وزيرة الصحة، والرئيسة الحالية لبلدية أنفا، ترشيحها للمرة الثانية باسم حزب الاستقلال، متزعم الائتلاف الحكومي الحالي، اختار حزب العدالة والتنمية المعارض، ذو المرجعية الإسلامية، خوض الانتخابات البلدية بلائحة تترأسها النائبة بسيمة الحقاوي. ورغم أن الحسم في رئاسة البلدية ستحدده نتائج الانتخابات التي ستجرى يوم 12 يونيو (حزيران) الحالي، والتحالفات الحزبية التي ستتمخض عنها، إلا أن بادو والحقاوي تعتبران من أكبر المرشحين حظوظا لتولي رئاسة بلدية أنفا.

غير أن الموالين للوزيرة بادو ينظرون إلى أبعد من بلدية أنفا، فعند استقبالهم لمرشحتهم أمام مقر حزب الاستقلال بحي بوركون بالدار البيضاء، قبل انطلاق جولتها اليومية في إطار حملتها الانتخابية، عبروا عن طموحهم بالهتاف «ياسمينة ياسمينة، عمدة المدينة».

وسار الموكب الانتخابي بخطى واثقة، تتصدره الوزيرة بادو، التي بدت على محياها ابتسامة عريضة، مرددا أناشيد وشعارات حزب الاستقلال، وموزعا المطبوعات الانتخابية على المارة. كانت وجهة الموكب ساحة بحي الهناء حيث كانت الوزيرة بادو على موعد مع مهرجان خطابي. وكان في انتظارها نحو 50 سيدة في خيمة كبيرة. تحدثت الوزيرة عن إنجازاتها خلال السنوات الست، التي قضتها رئيسة لبلدية أنفا، ضمنها إنجاز ملاعب للأطفال، ودار العجزة، ودار الشباب، وغيرها من المنجزات التي قالت بادو إن مجلس مدينة الدار البيضاء الكبرى لم يسهم فيها ولم يدعمها. وأضافت بادو «لقد حاربونا في مجلس المدينة، وحاربوا مشاريعنا، لكن ما لم يفهمه الذين حاربونا هو أنهم كانوا يحاربونكم أنتم، وليس ياسمينة بادو. وكل المشاريع التي أنجزناها خلال الفترة الماضية اعتمدنا في تمويلها على المحسنين والجمعيات والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية».

في طريق العودة إلى مقر الحزب توقفت بادو في خمسة بيوت، وفي كل بيت كانت تجد في انتظارها ما بين 20 إلى 30 امرأة. ولم يفت بادو خلال هذه الاجتماعات الحديث عن إنجازاتها كوزيرة للصحة، خاصة اعتماد مجانية الولادة في المستشفيات العمومية.

وعن الانتقادات التي يوجهها لها منافسوها حول تنافي الجمع بين المهام الوزارية ورئاسة البلدية، قالت بادو لـ«الشرق الأوسط» إن العكس هو الصحيح لأن وضعيتها كرئيسة للبلدية تجعلها في اتصال مباشر ومستمر مع المواطنين ومشاكلهم اليومية، الشيء الذي ينعكس على قراراتها كوزيرة، إضافة إلى تمكنها من نقل الهموم والمشاكل اليومية للمواطنين إلى الحكومة. وأضافت بادو «أحيانا يكون اتصالي بالمواطنين كرئيسة بلدية سببا في اكتشاف بعض المشاكل والمعيقات التي تهدد برامج حكومية مهمة بالشلل وفقدان النجاعة. وما إن أعود للرباط حتى أقوم بإصدار دوريات معالجة هذه المشاكل وتجاوز المعيقات».

وتضيف بادو «في نظري أن التنافي يوجد في الجمع بين الولاية البرلمانية والمهام الوزارية، لأن الأمر يتعلق بمبدأ فصل السلطات. فالبرلماني عندما يصبح وزيرا يتوقف عن ممارسة دوره كبرلماني. فهو لا يعود يمارس سلطة الرقابة البرلمانية على الحكومة. وحتى عندما يشارك في أشغال اللجان البرلمانية، فإن حضوره ومشاركته تكون بصفته وزيرا يدافع عن الموقف الحكومي وليس كبرلماني. وتضيف بادو أنها ليست ضد انتقاء الوزراء من بين البرلمانيين، بل بالعكس من ذلك، لأن الديمقراطية تقتضي تنصيب حكومة منتخبة. لكنها تدعو إلى تقنين حالة التنافي بين الوزارة والنيابة البرلمانية. وقالت «في رأيي عندما يصبح البرلماني وزيرا فعليه التخلي عن المقعد البرلماني للمرشح الذي يليه في اللائحة الانتخابية التي فاز في إطارها».

وتواجه ياسمينة بادو في بلدية أنفا منافسة قوية من طرف حزب العدالة والتنمية، الذي اختار النائبة الحقاوي، بنت الدار البيضاء، وصاحبة جمعية تجديد الوعي النسائي، التي يوجد مقرها الرئيسي في حدود بلدية أنفا مع بلدية سيدي بليوض المجاورة.

وهذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية في دائرة أنفا. ذلك أنه لم يشارك في الانتخابات البلدية لسنة 1997، التي صادفت تأسيسه على إثر اندماج حركة التوحيد والإصلاح الأصولية مع حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. أما في الانتخابات البلدية لسنة 2003 فكان الحزب قد قرر عدم الترشيح في جميع الدوائر، تحت ضغط هيمنة التخوف من اكتساح الإسلاميين للانتخابات، وكانت أنفا من بين الدوائر التي لم يترشح فيها.

بيد أن «العدالة والتنمية» سبق له أن فاز فوزا ساحقا في هذه الدائرة خلال الانتخابات البرلمانية لسنة 2002، إلا أنه عانى خلال الانتخابات البرلمانية لسنة 2007 من تداعيات انشقاق حزب النهضة والفضيلة عنه، والذي قدم الشيخ عبد الباري الزمزمي، إمام وخطيب مسجد بالمدينة العتيقة، كوكيل للائحته بهذه الدائرة. وفضل حزب العدالة والتنمية عدم تقديم مرشح في دائرة أنفا خلال انتخابات 2007 بسبب الوضع الاعتباري للشيخ الزمزمي. لكن يبدو أن هذه التداعيات أصبحت من الماضي، خاصة بعد إعلان الشيخ الزمزمي أخيرا تخليه عن دعم حزب النهضة والفضيلة، وإصداره بيانا يتبرأ فيه من لائحة الحزب المرشحة في بلدية أنفا. وبذلك أصبح حزب العدالة والتنمية مطمئنا لعدم منازعته أصوات الإسلاميين في دائرة أنفا.

وتركز الحقاوي، التي ترشحت كوكيلة للائحة العادية للحزب، في حملتها الانتخابية على اللقاءات المباشرة مع الناخبين، من خلال اجتماعات في البيوت يحضرها ما بين 20 إلى 40 شخصا. وتقول الحقاوي «الاجتماعات في البيوت تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لنا لأنها تعطي فرصة التواصل المباشر مع الناخبين وتمكن من تأطيرهم والرفع من مستوى تعاطيهم مع الانتخابات ومع الشأن السياسي بشكل عام، وتعريفهم بالحزب وبرامجه ومرشحيه».

وعن سؤال حول ما إذا كانت هذه الاجتماعات في البيوت تقتصر على النساء، أجابت الحقاوي «الاجتماعات التي تنظم في النهار غالبا ما يقتصر الحضور فيها على النساء، وهذا أمر طبيعي لأن الرجال يكونون في العمل في ذلك الوقت. لكن في المساء تكون أغلب الاجتماعات مختلطة. وإضافة إلى الاجتماعات في البيوت يتضمن برنامج الحملة تنظيم مهرجانات خطابية ولقاءات في فضاءات عامة، وجولات على الأحياء لتوزيع الملصقات والمطويات والمطبوعات التي تعرف بالحزب ومرشحيه».

وتعتبر بلدية أنفا حالة خاصة في المغرب، فهي توجد في قلب الدار البيضاء، قرب مينائها الذي تمر عبره 80% من المبادلات الخارجية للمغرب، ويوجد بها مسجد الحسن الثاني. وتتميز أنفا بغلبة الوظيفة السكنية على مجالها العمراني، إذ لا تضم أي حي صناعي أو تجاري، خلافا لبلدية سيدي بليوط المجاورة لها. وتضم أنفا المناطق الأكثر كثافة سكانية بالمغرب. وتتميز بارتفاع حدة الفوارق بين سكانها، إذ تتجاور في غربها الفيلات الفارهة وأحياء الصفيح الغارقة في الفقر المدقع. ورغم أن أنفا تقع في قلب الدار البيضاء فإنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث نسبة السكان القاطنين في دور الصفيح، بعد مقاطعتي عين السبع وسيدي مومن بضواحي المدينة. وحسب إحصائيات مندوبية التخطيط المغربية فإن 20.1% من سكان أنفا يعيشون في دور الصفيح، و16.8% في الفيلات، و40% في الشقق. وتعيش 15% من الأسر القاطنة ببلدية أنفا في مساكن تتألف من غرفة واحدة، فيما تعيش 20% من الأسر في مساكن تضم أكثر من 5 غرف.

ورغم ارتفاع حدة العجز السكني في أنفا فإنها بخلاف ضواحي مدينة الدار البيضاء لم تعرف أي برنامج للسكن الاجتماعي، ومحاربة السكن غير اللائق. ففي منطقة عين الذئاب المشهورة بقصورها وفيلاتها الفارهة توجد سبعة أحياء للصفيح مبثوثة بين القصور والفيلات، وذلك في مفارقة اجتماعية صارخة.

وفي وسط المدينة خاصة قرب مسجد الحسن الثاني، تختفي أحياء الصفيح وسط البيوت والعمارات. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب هذه الأحياء الصفيحية كانت في الأصل عبارة عن اسطبلات، عندما كانت الحمير والبغال تستعمل كوسائل نقل داخل المدينة. ومع فقدانها لهذه الوظيفة، مع تطور وسائل النقل الحديثة، تحولت هذه الإسطبلات إلى أحياء صفيحية ومأوى للقادمين من القرى، الذين اجتذبهم أمل العمل في الميناء. ولا تزال غالبية هذه الأحياء تحمل أسماءها الأصلية التي تبدأ بعبارة «كوري»، والتي تعني بالفرنسية «إسطبل»، بخلاف الأحياء الصفيحية في ضواحي الدار البيضاء التي تبدأ أسماؤها بلفظة «كاريان» والتي تحيل على الوظيفة الأصلية لهذه الأحياء التي كانت عبارة عن مقالع للحجارة (كاريير بالفرنسية) التي كانت تزود التوسع الحضري لمدينة الدار البيضاء بالمواد الأولية. وتحولت هذه المقالع بعد إغلاقها إلى أحياء سكنية عشوائية نتيجة استقرار العمال الذين كانوا يشتغلون فيها.