مسجد الكالوتي: صورة تجسد الحياة في العاصمة الأردنية

سوق شعبي لمدة ساعة بعد صلاة الجمعة

مسجد الكالوتي من الجهة الجنوبية («الشرق الاوسط»)
TT

مسجد الكالوتي يعتبر من أحدث مساجد العاصمة الأردنية عمان، ويقع عند تقاطع الاتصالات في حي الرابية، إحدى ضواحي عمان الغربية، التي يسكنها الأغنياء، واختارها أغنياء الجالية العراقية أيضا مكانا لهم، كونها وجدت الأمن والاستقرار، بخاصة أن الحي يتمتع بأقصى درجات الأمن بعد دخوله المربع الأمني، على اثر اختيار السفارة الإسرائيلية موقعها الدائم فيه.

جاءت تسمية المسجد نسبة إلى عائلة الكالوتي المقدسية الفلسطينية، حيث بناه أنور راغب الكالوتي، على مساحة دونمين من الأرض، ملاصقه لأرض مجاورة تصل مساحتها إلى أكثر من عشرة دونمات، يستغلها المصلون كمواقف لسياراتهم الفارهة، كما يستغلها الباعة المتجولون بسياراتهم والمحملة بالخضار والفواكة والأدوات المنزلية والسجاد، حتى بيض المائدة وغيرها من المواد الاستهلاكية، التي يتسابق الناس على شرائها.

يتداخل الفن المعماري الإسلامي والمعاصر في بناء المسجد، على الرغم من بساطة التصميم، بعد أن أخذ المهندسون على عاتقهم إدخال كل من الحداثة العصرية للبناء الحجري، والفن الإسلامي الزخرفي القديم، من الداخل والخارج بشكل مميز في التصميم، على الرغم من أن مئذنته بنيت بشكل منفصل عن البناء الرئيسي.

امتدت شهرة مسجد الكالوتي لقربه من محيط السفارة الإسرائيلية، ولا يبعد عنها أكثر من 800 متر، فكثيرا ما يختاره أعضاء الحركة الإسلامية وأحزاب المعارضة الأردنية لانطلاق مظاهراتهم الاحتجاجية باتجاه السفارة الإسرائيلية، مستغلين صلاة الجمعة، التي يحتشد فيها أكثر من ألف مصل، وقد زادت هذه المظاهرات خلال عدوان إسرائيل على قطاع غزة، ولكن قوات الأمن الأردنية تجد من الأرض الخالية في الساحة الخلفية مكانا لتسهيل مهمتها، وعادة ما تضرب حزاما أمنيا حول المسجد، وتنشر مئات العناصر لتأمين حماية أمنية محكمة، تمنع تحرك المسيرة أو المظاهرة أكثر من عدة أمتار لتبقى أمام المسجد.

وفي الساحة الخلفية للمسجد، استغل المتظاهرون المكان وأقاموا خيمة اعتصام، ومقبرة رمزية نفذها فنانون من مادة البولسترين (الفلين الأبيض)، وكتب على كل واحدة منها «غزاوي»، وقد شاهدها الإسرائيليون المقيمون بجوار السفارة، الذين عادة ما يمرون بسياراتهم، التي تحمل لوحات أردنية خصوصية لعدم تمييزهم بين فئات المجتمع المحلي.

والزائر إلى مسجد الكالوتي خاصة يوم الجمعة، يقرا تفاصيل الحياة الأردنية بكل شرائحها، حيث يتداخل الفقر مع الغنى والعامل مع المقاول، والموظف الصغير مع المسؤول الكبير، والبائع مع المشتري، وهي لوحة ندر أن تجدها في أي مسجد من المساجد الأردنية، فعلى مداخل المسجد الشرقية والغربية تجد القائمين على جمع التبرعات لصالح بناء المساجد أو لجان الزكاة أو الصدقات، التي تعنى بشؤون الأيتام والفقراء والعائلات الفقيرة.

على البوابة الشرقية يقف عبد الله، وهو شاب ملتح عند المدخل بصندوقه الخشبي يجمع التبرعات لصالح الأيتام، في منطقة جبل التاج، وينادي بصوته الخافت الموشح بالخشوع «أقبل يا ابن آدم الحسنة بعشرة أمثالها»، وآخر يقول «داووا مرضاكم بالصدقات»، الخ من العبارات، التي تحفز على التصدق والتبرع لصالح هذه الصناديق، التي يقول عنها عبد الله، إنها مرخصة من وزارة الأوقاف الأردنية.

وسئل لماذا هذا الكم من الناس، فأجاب «إن الخير في هذا المسجد وفير، والكل يأخذ نصيبه، فمعظم رواد المسجد من الأغنياء، وخاصة التجار وأصحاب الأملاك والأراضي، وهذه المنطقة فيها ثراء واضح، ولا تنس أن من يسكنها هم من طبقة الأغنياء من الأصول الفلسطينية والسورية، إضافة إلى العراقيين وغيرهم من أبناء دول الخليج العربي، راقب وستتأكد بنفسك». وبالفعل هناك الكثير من عباد الله الذين يحرصون على تقديم الصدقات والتبرعات في كل يوم جمعة.

ومسجد الكالوتي يمتاز أيضا بأن خطيبه صاحب الحنجرة الذهبية يقصده من شتى المناطق لحضور خطبة الجمعة، لما له من أسلوب يشد انتباه الحضور، ويركز على الموضوعات التي تهم الإنسان في الحياة.

لكن هناك مفارقة كبيرة بين ما يجري في المسجد وما يجري في ساحته الخلفية، حيث يتجمع باعة الخضار والفواكه والألبسة والإكسسوارات وغيرها. ما إن يقول الإمام السلام عليكم ورحمة الله، في نهاية الصلاة، إلا وتبدأ الأصوات تصدح بالمناداة على البضاعة التي بحوزتهم، وحتى لعملية تسويق هذه البضائع أسلوب، ومن هذه المناداة يقول البائع «حمرا يا بندورة»، و«البندورة تقرا وتكتب» و«أصابع الببو الخيار» و«ابلما يا كوسا» و«على السكين يا بطيخ» و«صحراوي ياشمام» و«دلوعة يا فراولة»، الخ من العبارات الشعبية التي توارثها الباعة عن بعضهم بعضا. هذه المناداة على الرغم من شعبيتها، فإن هناك إقبالا ملفتا من قبل المصلين لرخص أسعارها، والبيع عادة يكون بالصندوق، أو الصحارة، باللهجة العامية، وهناك من يبيع بالكيلو خاصة للفواكه مرتفعة الثمن، أو الذي يريد كميات تناسب عائلته الصغيرة. تباع في هذه الساحة الخضروات والفواكه الموسمية، التي تكون قد أحضرت من الأغوار الغنية بالمزروعات، أو من البادية الشرقية، وخاصة مدينة المفرق، إضافة إلى بيض الدجاج، الذي يأتي من المزارع مباشرة إلى المستهلك.

وكذلك تباع الأدوات المنزلية والملابس وخاصة الداخلية منها، أو الملابس التي عليها تنزيلات، لانتهاء الموسم، وغيرها من المواد القابلة للبيع، إضافة إلى أن بعض أصحاب السيارات يعرضون سياراتهم للبيع، ولكن بطريقة خجولة، فعادة يضع صاحب السيارة على سيارته ورقة كتب عليها «للبيع» مع رقم هاتفه الجوال دون إعطاء أي تفاصيل، إلا عندما يقوم المشتري بالاتصال.

في مثل هذا المكان العام عادة ما تكون الأشياء واضحة، فالكل ينتهز فرصة عطلة الدوائر الحكومية، التي تراقب مثل هذه الأسواق، فيتم البيع بدون ضرائب أو دون رقابة على الجودة أو الصحة أو الرقابة على البيئة.

ويقوم البعض ببيع الأشرطة والأقراص المدمجة بأسعار زهيدة، وسجلت عليه الأغاني أو القرآن الكريم أو أفلام الرعب والاكن أو غير ذلك، دون الالتفات إلى قانون حقوق الملكية الفكرية.

يقول محمد أبو خليل، صاحب إحدى البسطات، إن فرق الأمانة أحيانا يحضر للرقابة على السوق، وأحيانا يتم اختصار الرقابة بالتفاهم بين الدورية والباعة على مراعاة السلامة العامة وعدم إلقاء القمامة والنفايات في الساحة العامة.

في الساحة ينتهز بعض أصحاب المحال التجارية الازدحام بإيفاد بعض الصبية لتوزيع منشورات إعلانية عن المحال أو افتتاح صالون أو الترويج لمطعم أو مدرسة أو مكتب سياحة، وخاصة المكاتب التي تعمل في إطار الحج والعمرة أو السياحة الدينية.

إن كل ما ذكر في هذا التقرير لا يستغرق أكثر من ساعة من الزمن، فإذا مررت بالساحة بعد ذلك لا تجد أحدا فيها سواء من الباعة أو المصلين.