الناخبون الشباب في إيران.. يتحدون أحمدي نجاد

ثلثا السكان أعمارهم تقل عن 30 عاما.. والمرشحون الأربعة يسعون للتواصل معهم

مؤيدة لأحمدي نجاد خلال مسيرة في طهران أمس (أ ف ب)
TT

همّ واحد يشغل أذهان الشبان الإيرانيين الذين يجولون مناطق شمال طهران الراقية بسيارات وضعوا عليها ملصقات الحملة الانتخابية، هو حرمان الرئيس محمود أحمدي نجاد من الفوز بولاية ثانية. أحجم ملايين الإيرانيين، الذين يميلون إلى التيار الإصلاحي، عن المشاركة في انتخابات عام 2005 بعد أن خاب أملهم بسبب عرقلة المتشددين للمبادرات الليبرالية للرئيس السابق محمد خاتمي. وقد يتوقف مصير أحمدي نجاد السياسي، على نسبة مشاركة هؤلاء الناخبين المحبطين في انتخابات 12 يونيو (حزيران)، ولو لسبب وحيد هو إسقاطه.

تقول منة صدقاتي، البالغة من العمر 25 عاما، وهي طالبة تدرس علم الاجتماع بجامعة طهران لرويترز، وهي تحتسي القهوة وتأكل حلوى «الدوناتس» مع صديقاتها في شمال طهران: «سأدلي بصوتي لكن هذا فقط لأنني أريد أن أرى أي أحد يفوز إلا أحمدي نجاد. لقد خرب البلاد». تقل أعمار أكثر من ثلثي سكان إيران، البالغ عددهم 70 مليون نسمة، عن 30 عاما، وهم أصغر كثيرا من أن يتذكروا الحياة قبل قيام الثورة الإسلامية عام 1979 التي أطاحت بشاه إيران، الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة. ويتودد المرشحون الأربعة لانتخابات الرئاسة للناخبين الشبان في خطب ورسائل انتخابية، واستغلوا مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل «فيس بوك» لاستهداف الشبان.

وهناك أكثر من 150 ألف إيراني أعضاء في موقع «فيس بوك» الاجتماعي، ويمثل الناخبون الشبان كتلة ضخمة ساعدت الرئيس السابق محمد خاتمي في الفوز بالانتخابات عامي 1997 و2001. وفي الشهر الماضي حجبت السلطات الموقع لبضعة أيام، مما كشف عن قلق الحكومة من تأثيره. لكن محللين يقولون إنه من المرجح أن تنقسم الأصوات المناهضة لأحمدي نجاد بين المنافسين المعتدلين للرئيس المتشدد، وهما رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي. بل إن كروبي، وهو رجل الدين الوحيد الذي يخوض سباق الرئاسة، التقى مع أشهر مطرب لموسيقى الراب في إيران (ساسي مانكان) الذي يقدم حفلاته دون ضجة.

وتزين صور موسوي وكروبي سيارات الشبان المنتمين للطبقة المتوسطة الحريصين على منع أحمدي نجاد من الفوز، خشية أن يضع إيران على مسار تصادمي مع الغرب وأن يقلص أكثر من الحرية الاجتماعية. كما يواجه أحمدي نجاد منافسا محافظا هو محسن رضائي قائد الحرس الثوري السابق، لكن الرئيس له قاعدة دعم بين شبان معجبين بخطابه الذي ينطوي على تحد فيما يتعلق بالقضية النووية وأسلوب حياته البسيط وتفانيه في الإسلام إلى جانب تعهداته بتحقيق العدالة الاجتماعية. يقول محمد رضا باقري، البالغ من العمر 24 عاما، وهو عضو في ميليشيا الباسيج، وهي ميليشيا دينية، وانتقد الحكومات السابقة لإهمالها الفقراء «سأصوت لأحمدي نجاد لأن سياساته في الأعوام الأربعة السابقة كانت عودة للقيم الأساسية للثورة الإسلامية». وأضاف باقري، خريج الدراسات الإسلامية «أحمدي نجاد بطل. وقف ضد من كانوا أعداء إيران لسنوات، لكنه في المقابل صادق دولا أخرى»، مشيرا إلى العلاقات التي أقامها الرئيس مع أعداء الولايات المتحدة مثل فنزويلا وبوليفيا.

ووصف محلل سياسي إيراني لوكالة «رويترز»، طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية القضايا السياسية في إيران، الانتخابات بأنها استفتاء على أحمدي نجاد. وقال «بعض الناس، خاصة بين الشباب، يؤيدونه، والبعض لن يدلوا بأصواتهم إلا ليمنعوا انتخابه مرة أخرى». وتولى أحمدي نجاد رئاسة البلاد عام 2005 بعد أن وعد بتقسيم الثروة النفطية بين المواطنين الإيرانيين العاديين وقام بجولات كثيرة في الأقاليم ليوزع القروض ويقيم المشاريع التنموية.

ويقول إصلاحيون، وحتى بعض المحافظين، إن الرئيس لم يف بوعوده. وأنحوا عليه باللائمة في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم الذي تحوم نسبته حول 18 في المائة. لكن الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أشاد مرارا بحكومة أحمدي نجاد، وحث الناس على انتخاب مرشح مناهض للغرب. ومن الممكن أن يقود هذا التأييد الواضح إلى حشد المحافظين وراء أحمدي نجاد، لكنه قد يأتي أيضا بنتائج عكسية إذا استغل الناخبون الرافضون الفرصة لتحدي المؤسسة الدينية لإيران. وشهدت ولاية أحمدي نجاد، ومدتها أربع سنوات، حملة على نشطاء طلبة، فضلا عن تجدد جهود شرطة معنية بتطبيق ما تعتبره سلوكا إسلاميا. وتساءلت صدقاتي، التي كانت ترتدي حجابا فضفاضا أحمر اللون «كيف أشعر بالأمان في حين يسمح رئيس دولة بإلقاء القبض على النساء بسبب ما يرتدينه». ويقول المحلل السياسي إن أحمدي نجاد نفر قطاعات عريضة من الناخبين، وأضاف «القيود المفروضة عبأت الشبان والنساء ضده. إنهم يخشون من أن يعرضهم انتخابه لفترة ثانية لمزيد من الضغط». ولا أحد يعلم إن كانت هذه المشاعر ستكون كافية للتغلب على اللامبالاة السياسية التي سيطرت على هذه الجماعات منذ انتهاء حقبة خاتمي التي استمرت ثماني سنوات، دون أن تتمخض عن الكثير من مساعيه الإصلاحية. وتقول صدقاتي «كل الآمال مثل الإصلاحات الاجتماعية والسياسية التي ثارت في عهد خاتمي تحطمت». وكان خاتمي يعتزم خوض الانتخابات مجددا، لكنه انسحب فيما بعد لصالح موسوي. وقد فاز فوزا ساحقا بالانتخابات الرئاسية في عامي 1997 و2001 وسعى إلى الوفاق مع الغرب وإلى مزيد من التحرر في إيران. لكن المتشددين الذين كانوا يسيطرون على الأجهزة الأمنية ومراكز النفوذ الأخرى، عرقلوا الكثير من محاولاته الإصلاحية. وفي أواخر التسعينات، كون الطلبة جبهة لدعم خاتمي لكن كثيرين فقدوا حماسهم حين لم تتحقق الإصلاحات. وقالت صدقاتي: «الشبان الإيرانيون فقدوا حماسهم وحيويتهم منذ عام 2005».