أجيال من العوانس.. خلفتها الحروب والأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية في العراق

إحداهن: الزواج مثل ورقة اليانصيب ممكن أن يظهر في أي لحظة

عراقية تعاين مجموعة بدلات أعراس معروضة بمحل في بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

ضغطت الحروب التي اشتعلت في العراق منذ عام 1980 وحتى 1991، الحرب العراقية الإيرانية أولا ومن ثم حرب الكويت، وما نتج عن ذلك من حصار دولي قاس ومن ثم الاقتتال الداخلي والعمليات الإرهابية بعد 2003، بالدرجة الأولى على المرأة العراقية والتي نستطيع القول بأنها كانت ولا تزال الضحية الأولى للأوضاع القاسية التي يعيشها العراق ونتائجها المرة.

فإذا كانت المرأة العراقية المتزوجة قد تحملت القسط الأكبر من نتائج الأوضاع الأمنية والاقتصادية السيئة حيث فقدت زوجها أو بعض أبنائها، فإن اليوم تتجسد صورة المأساة الحقيقية في وضع الشابات العراقيات اللواتي لا يجدن الفرص المناسبة، وحتى غير المناسبة لإيجاد الزوج وبناء عائلة جديدة.

ففي بغداد، ومدن عراقية أخرى، مثل البصرة أو الرمادي أو كربلاء، عندما تسأل الشابة العزباء عن سبب عدم زواجها فسوف تجيبك على الفور «أين هو الزوج؟ ومن أتزوج»، فيما كان في السابق من علامات حياء الشابة العراقية الإجابة عن مثل هذا السؤال، أو أنها ترد باختصار بأن الزواج «قسمة ونصيب»، وعلى ما يبدو فإن «القسمة والنصيب» يقفان بالضد من طموحات العراقيات في موضوع الزواج.

واليوم تزداد معاناة العازبات المؤهلات للزواج في العراق بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة، وحسب سوسن البراك مديرة قسم المرأة في وزارة حقوق الإنسان «هناك أسباب كثيرة تقف وراء تزايد أعداد العازبات أبرزها الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة».

وتضيف إلى هذه الأسباب «العلاقات الاجتماعية التي تتأثر بظروف العراق وخصوصا عدم الاستقرار الأمني خلال المرحلة الماضية». وتابعت إن «هذه الأمور، خصوصا الاقتصادية أدت إلى وجود أعداد كبيرة من العوانس».

ويتباين مفهوم العنوسة ومعدل أعمارها حسب المجتمعات والفوارق الثقافية والحضارية.

ولم يكن ممكنا الحصول على إحصاءات دقيقة حول نسبة الفتيات غير المتزوجات من الجهات الرسمية. وأكدت البراك أن «الظروف الاقتصادية تشكل عائقا رئيسيا أمام الزواج حاليا».

وأشارت إلى أن «الفتاة الموظفة أصبحت أوفر حظا للارتباط بشريك كونها تلعب دورا في دعم الوضع المالي للأسرة». ودعت «الجهات الحكومية إلى تقديم تسهيلات مادية أو بناء مجمعات سكنية». وتبلغ معدلات الفقر 23% من العراقيين وفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2008، والصادر عن وزارة التخطيط.

في حين بلغ معدل البطالة 30% لمن تجاوز 15 عاما، لنفس العام حسب التقرير.

كما لعبت عوامل كثيرة مثل النمو السكاني وقلة فرص العمل دورا في رفع معدلات البطالة خلال العقود الماضية. ويبلغ عدد العراقيين أقل من ثلاثين مليون نسمة. من جهتها، تقول نادية سعيد (42 عاما) الموظفة في إحدى المؤسسات الحكومية «لم تسنح لي فرصة الزواج لأسباب كثيرة وخصوصا الاقتصادية منها». وتضيف أن «الظروف في السنوات التي أعقبت سقوط النظام كانت أصعب خصوصا الأوضاع الأمنية القاسية جدا». بدورها، تقول إيمان عبد الحسن (35 عاما) الموظفة في إحدى دوائر الحكومة إن «أكثر من نصف زميلاتي وعددهن حوالي الستين غير متزوجات»، مؤكدة أن «الظروف الاقتصادية صعبة جدا حاليا، فالشاب يحتاج إلى خمسة ملايين دينار (أربعة آلاف و250 دولارا) على الأقل لتأمين متطلبات المصوغات الذهبية ومستلزمات الزواج الأساسية».

وتتابع «أما إذا كان ملزما بتأمين بيت مستقل، فإن الأمر يصبح أشد صعوبة».

من جانبها، تقول مريم كامل وهي مسيحية (49 عاما) فشلت في الزواج جراء محاولة خطيبها استغلالها لمكاسب مادية، «فشل خطوبتي أصابني بالإحباط ولم أعد أثق بالرجال فأكثر ما يهمهم هو المال والمركز الاجتماعي». وتؤكد أن «المسألة تتعلق بكثير من الفتيات، شقيقتاي لم تتزوجا أيضا وإحداهما في مطلع الأربعينات». بدورها، تقول رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النواب سميرة الموسوي، إن «الظروف الاقتصادية هي السبب الرئيسي وراء العزوف عن الزواج».

وتوضح أن «طلبات عائلات الفتيات مثل مهور الذهب أو تجهيز المنزل تشكل عقبات كبيرة». وتشير إلى أن «معظم الفتيات اللواتي لم يتزوجن يأسفن لما طالبن به سابقا، كما أن الزواج يزداد صعوبة مع التقدم في العمر».

من جهته، يقول طبيب الأمراض النفسية محمد القريشي إن «المرأة تعاني من متغيرات هرمونية في مراحل حياتها، فالأمر يتغير عند الزواج والإنجاب، أما إذا كانت غير متزوجة فتحدث اضطرابات». ويؤكد أن «الفتيات العازبات غالبا ما يتعرضن للإصابة بأمراض نفسانية مثل الكآبة نظرا لفقدان حياة الأسرة وافتقاد الأمومة».

وتقول فتاة رفضت ذكر اسمها (38 عاما) وتعمل في محل لبيع الملابس النسائية وسط بغداد، إن «الزواج مثل ورقة اليانصيب ممكن أن يظهر في أي لحظة». وتضيف بحزن «طبعا أتمنى لو كنت متزوجة ولدي أطفال مثل صديقاتي، أشعر بأنني أصبحت عبئا على أهلي وإخوتي لأنهم مرغمون على معرفة تفاصيل حياتي».