فرق للعروض المسرحية والموسيقية والغنائية داخل سجن عراقي

سجناء لـ «الشرق الأوسط»: نتواصل مع الآخرين من خلال إبداعاتنا الفنية

الفرقة تقدم حفلات موسيقية وغنائية يوميا للسجناء («الشرق الأوسط»)
TT

ليس غريبا أن نجد في سجن عراقي نموذجي ورش عمل مختلفة لتعليم النجارة وتصليح السيارات والالكترونيات والخياطة وغيرها من المهن، كون أن غالبية السجناء، أو النزلاء كما يطلق عليهم رسميا من قبل وزارة العدل العراقية، كانوا يعملون في هذه المهن قبل وصولهم إلى السجن، كما أن قسما منهم تعلم أو يتعلم هذه المهن في السجن استعدادا لبدء حياة جديدة خلف قضبان السجن عندما ينهي مدة عقوبته. لكن من الغريب والطريف جدا أن نجد فرقة للعروض المسرحية وأخرى للموسيقى والغناء داخل أسوار السجن.

ففي سجن سوسة الفيدرالي الذي يقع ضمن حدود محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق تنشط فرقتان فنيتان، الأولى تقدم العروض المسرحية والثانية تحيي الحفلات الموسيقية والغنائية للسجناء.

يقول العقيد مؤمن خضر، مدير السجن «عندما أنشأنا ورشات الميكانيك والالكترونيات والنجارة وبقية الورش شرعنا بإنشاء مكتبة ضخمة تضم مختلف العناوين، وبعد فترة تقدم لي عدد من السجناء الموهوبين فنيا في مجال الفنون التشكيلية طالبين إنشاء استوديوهات للرسم والنحت ومشغل للحرف اليدوية، وبالفعل كان لهم ما يريدون».

ويضيف خضر الذي يحمل شهادة البكالوريوس في علم النفس بالإضافة إلى شهاداته الأمنية، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «السجن عالم فسيح ويضم مختلف الشرائح الاجتماعية وبين السجناء موهوبون في الكتابة والشعر والرسم والمسرح والموسيقى والغناء، ومن واجبنا أن ننمي هذه المواهب من جهة ونستفيد منها من جهة ثانية حتى لا يشعر السجين أن العقوبة التي أوصلته إلى هنا نتيجة ذنب قام به هي عقوبة أبدية أو انتقامية، فهو موجود هنا بحكم القانون والعدالة، وعلينا عدم عزله والانتقام منه بقدر ما يحتم علينا واجبنا تأهيله اجتماعيا وحياتيا. ومن هذا المنطلق أنشأنا هذه الاستوديوهات وضمنها استوديو للمسرح وآخر للموسيقى والغناء».

في الطابق الأول من سجن سوسة تم تحوير قاعة كبيرة كصالة للعروض المسرحية، وعندما وصلنا إلى هناك كانت الفرقة المسرحية لسجن سوسة التي تأسست عام 2007 حسبما تشير لافتة بذلك، تؤدي تمريناتها لتقدم عرضا مسرحيا جديدا يحمل عنوان (أدوات احتياطية)، وهي مسرحية اجتماعية كوميدية هادفة، يقول ايفان، وهو مدير المسرح «نحن نقدم عروضا يومية لزملائنا بعد فترة الغداء، باستثناء يومي زيارة العوائل، إذ يكون السجناء منشغلين بلقاء عوائلهم»، مشيرا إلى أن «المسرحيات نحن نكتبها ونخرجها ونمثل أدوارها وهي عروض هادفة تتناول المشاكل الاجتماعية وأسباب وصولنا إلى السجن وتظهر ندم السجين عما اقترفه، لكن ذلك يتم بأسلوب أكاديمي مشوق».

على الرغم من أن أعضاء الفرقة المسرحية يقضون عقوبات لعشر سنوات وأكثر بسبب اقترافهم جرائم قتل وسرقة واختطاف وتزوير أموال، فإنهم بدوا من خلال العرض الكوميدي الشيق الذي حضرناه وكأنهم فنانون أصلا، إذ لا تقرأ في وجوههم أي ارتباك أو تلكؤ، وهم يؤدون أدوارا كوميدية ويناقشون مشاكل اجتماعية مهمة.

أحد أعضاء الفرقة المسرحية تكلف بتأدية الأدوار النسائية حيث ارتدى زيا نسائيا وأدى دور المرأة بإجادة، قال: «أنا فنان أصلا، كنت عضوا في فرقة الإنشاد في إذاعة وتلفزيون العراق، ومتهم بتزوير أموال عراقية»، مشيرا إلى أنه يشعر ببعض الحرية «عندما نقدم هذه العروض التي ترسم الضحكة على وجوه بقية زملائنا السجناء».

سجين آخر تكلف بكتابة العروض المسرحية، يؤكد بأنهم قدموا أكثر من أربعين عرضا مسرحيا، وأن بعثة الصليب الأحمر شاهدت بعض هذه العروض واعتبرتها نموذجية بالنسبة لسجناء غير متخصصين بالفن المسرحي».

إلى جانب قاعة المسرح تم تخصيص قاعة أخرى للموسيقى والغناء، وقد وفرت إدارة السجن تجهيزات موسيقية وصوتية حديثة لهذه الفرقة التي تضم خمسة عازفين إلى جانب أكثر من ثمانية من المطربين العرب والأكراد.

يقول أحد أعضاء الفرقة الموسيقية «أنا عازف على آلة العود أصلا، وعندما توفرت أمامي فرصة مواصلة ممارسة موهبتي هنا شعرت بالسعادة، فنحن نقدم حفلات موسيقية وغنائية يوميا للسجناء، وهناك مطربون أكراد وعرب، وبسبب غياب عازف الأورغن فإن أحد حراس السجن، وهو موسيقي أيضا يشاركنا العزف، كما أننا نفسح المجال لأي سجين آخر بالمشاركة والغناء أو تأدية الجوبي العربي أو الدبكة الكردية».

عندما سألنا العقيد خضر، مدير سجن سوسة عن سبب عدم إقامة عروض فنية أو معارض تشكيلية تفتح أمام الزوار أو عوائل السجناء مثلا، قال إن «قوانين السجون العراقية واحدة ولا تستثني هذا السجن أو ذاك، فإذا كانت تتوفر مثل هذه الفرق والمشاغل الفنية في سجن سوسة فإنها من الصعب أن تتوفر في بقية السجون»، معبرا عن أمنيته بأن تتم إقامة معارض تشكيلية وعروض مسرحية وموسيقية لعوائل السجناء ولبعض المدعوين من المهتمين فإن ذلك يعزز ثقتهم بأنفسهم ويصحح من أخطائهم».

في مشغل الفنون التشكيلية فوجئنا بلوحات فنية تنم عن أسلوبية متميزة سواء في الرسم أو اللون وحتى في اختيار الموضوع، مبدع هذه الأعمال سجين كردي سوري يقضي عقوبة 15 سنة بتهمة تجاوز الحدود.

الرسام حسن هو شاعر أيضا وصحافي وكان يعمل مراسلا لبعض الصحف العربية، عرض أمامنا صورا من تواقيع حملات المطالبة بإطلاق سراحه كونه سياسيا وليس سجينا عاديا، قال «أنا أجد في هذا المرسم حياتي وحريتي، فهنا أرسم وأكتب بعيدا عن أية رقابة أو ضغوط، وأنا أبقى في هذا الاستوديو منذ الصباح وحتى الساعة السابعة حيث نعود إلى زنزانتنا، وأعتبر توفير مثل هذا المرسم فرصة كبيرة لأن أتواصل مع نفسي أولا ومع الآخرين ثانيا».