البخور والقهوة العربية يقدمان للفن السعودي في البندقية

معرض «حافة الصحراء» في نسخته الثانية

«الصراط»، لعبد الناصر الغارم («الشرق الأوسط»)
TT

المكان هو بالازو كونتاريني؛ قصر قديم من قصور البندقية، خلده الرسام العالمي مونيه ضمن إحدى لوحاته الشهيرة عن المدينة العائمة. المناسبة كانت الاحتفال بافتتاح معرض «حافة الصحراء» أو «إيدج اوف أرابيا» على هامش بينالي البندقية للفنون. عبر الشوارع الضيقة التي تميز مدينة البندقية يمكن ملاحظة لافتة إرشادية تشير لمدخل القصر. وهناك، وعلى غير المتوقع من المدينة الإيطالية، تفوح رائحة البخور العربي وتصدح الموسيقى العربية وتحديدا السعودية ومعها تفوح رائحة القهوة العربية التي وضعت إلى جانب المدخل، وكأنما تشمل الزوار بلفحة ضيافة عربية أصيلة قبل أن تدهشهم بلمحات من الفن السعودي المعاصر. المعرض الذي أصبح علامة واضحة في مسيرة الفنون السعودية يقام للمرة الثانية بعد لندن التي استضافته في العام الماضي. يقوم المعرض على أعمال ثمانية من الفنانين السعوديين؛ منهم الشقيقتان شادية ورجاء عالم، والطبيب الفنان أحمد ماطر والفنان عبد الناصر الغارم والفنان فيصل سمرا والفنانة مها ملوح والفنان أيمن يسري والمصورة منال الضويان. أشرف على المعرض وقام بالإعداد له ستيفن ستابلتون وأحمد ماطر وعبد الناصر الغارم، الذين يبدون خلال الافتتاح وهم يرتدون الشماغ السعودي الأحمر، يتناوبون تقديم المعرض للحضور كل منهم يعرب عن سعادته بالوجود على هامش أضخم حدث فني عالمي.

مدخل المعرض تحتله صورة «جاذبية مغناطيسية» للفنان أحمد ماطر والمأخوذة من العمل المركب الذي يحمل نفس الاسم ويعرض أمام الصورة. اللوحة والمجسم يكونان عامل جذب حقيقي، يقول أحمد ماطر إن اللوحة تتكلم عن الروحانية التي يعيشها أي إنسان في الطواف وبشكل أعم هي عن نقطة الخلاص في الأديان. يقول ماطر «المشروع فيزيائي، مغناطيس وبرادة حديد، نرى قوة تجاذب وتنافر في نفس الوقت وهي تصنع حركة الطواف حول الكعبة. بالنسبة لي هذه هي الحالة التي أعيش فيها عند الطواف».

العمل الآخر لماطر هو «إضاءات» والمعتمدة على صورتي أشعة متقابلتين على صفحتي كتاب وكأنما تشتركان في حوار داخلي، كأشخاص مجردين خالصين من دون فروق دينية أو ثقافية أو سياسية. أما بالنسبة للثنائي الفني شادية ورجاء عالم، فيقدمان مجموعة من الأعمال، منها عمل بعنوان «لم نعد سلبيين»، والآخر «شعرها في الحجاز». يلمح الزائر ستارة مصنوعة من عشرات الشرائط السالبة التي يهملها المرء، عادة، بعد طبع الصور بنسختها الإيجابية. وتلامس الستارة الأرض في امتداد يتألف من قماش أسود يشبه عباءات النساء في الخليج، ثم يمتد في شريط مضاء ينتهي من ناحيته الثانية بصورة للفنانة شادية. وهنا تقول شادية عالم إن عملها المعنون «لم نعد سلبيين» هو بمثابة «سيرة ذاتية لحياتي على مدى 25 عاما، كنت أجمع الصور التي أخذتها في رحلاتي ومعارضي، هي قطعة من حياتي أعرضها حتى أظهر صورة أخرى عنا مختلفة عن الصورة الشائعة بأننا نساء تحت الحجاب ليست لدينا أي أنشطة أدبية أو فنية، لم نعد نأخذ موقفا سلبيا من العالم بل أصبحنا نشارك في الأنشطة الثقافية الفنية في الخارج حتى نظهر بأننا جزء من الحركة الثقافية». وترى عالم أن «الفن السعودي المعاصر دخل دائرة الضوء وبدأ يأخذ حقه ومكانته».

الفنانة مها ملوح تستكشف في لوحاتها المسلمات في حياتنا عبر تصوير مجموعة من الأغراض الحياتية التي تظهر للناظر وكأنها صورة أشعة مأخوذة من إحدى نقاط التفتيش في المطارات. الأشياء موضوعة بعفوية وفوضى لا تنظيم هناك فهي أشياء لا يربط بينها سوى الإنسان الذي يحملها ولا يمعن النظر فيها على الرغم من أنها جزء من حياته، اللوحة اسمها «مرود» وتشير إلى مرود الكحل الموجود فيها. أيمن يسري يقدم عملين؛ أحدهما «محارم» والآخر «علم» المكون من قطعة من المعدن على شكل علم فلسطين، ونرى فيها الأسقف المعدنية لمخيمات اللاجئين حول العالم.

حمزة صيرفي صاحب غاليري أثر في جدة يقول إن عمل يسري «محارم» محمل بمعان كثيرة ومتشابكة وحميمية في نفس الوقت لها انعكاسات بالنسبة للهوية والثقافة، «محارم قد تشير إلى المناديل الورقية والحالة العاطفية التي قد تنتاب الشخص عند مشاهدة الأفلام العربية القديمة. وقد تشير محارم أيضا إلى العلاقات الأسرية».

عبد الناصر الغارم أحد منظمي العرض يقدم فيلم فيديو قصيرا بعنوان «الصراط»، الغارم يروي القصة خلف العمل «في عام 1982 ومع هطول أمطار غزيرة على شمال السعودية سرت الأخبار في قرية صغيرة في عسير بالفيضان القادم واختار أهل القرية الصغيرة أن يحتموا بجسر من الاسمنت وجاء الفيضان وجرف معه الأهالي والجسر الذي احتموا به». الغارم قام بكتابة كلمة صراط على بقايا الجسر في إشارة إلى الطريق الذي يختاره الإنسان. يرى الغارم أن الإنسان يضع ثقته في الاسمنت معتقدا أنه سيحصل على الحماية من الموت ومن الأخطار. هذا أيضا ما تطرحه اللوحة المعنونة «لا تثق بالاسمنت» التي يقول الغارم إنها تشير إلى الحواجز الأمنية التي توضع في الشوارع تحسبا للعمليات الإرهابية، ومن ذلك ينطلق الغارم نحو فكرة أعم «فكرة الحواجز بين الدول أثبتت فشلها دائما. لا أقدم حكما بالخطأ أو الصواب ولكن مجرد وضع الحاجز أمام الزائر سيجعله يعيد التفكير، فالعمل بالنسبة لي جدلي أكثر من كونه جماليا».

المعرض يقدم من أعمال المصورة منال الضويان صورا من مجموعة «الاختيار»، الضويان تصور في أعمالها التقاليد وعلاقتها بالمرأة بشكل خاص. وبعض الصور تعرض العراقيل أمام المرأة السعودية مثل الاختيار والتغييرات الاجتماعية الحاصلة. وبفخر شديد يقول أمين المعرض ستيفن ستابلتون «أنا فخور بالمشتركين هنا، كأمين للمعرض أعتقد أنها خطوة كبيرة للفنانين السعوديين أن يعرضوا أعمالهم في فينيسيا وهو ما أعتبره خطوة نحو الانفتاح على العالم، وأرى أن ذلك سيكون حافزا للفنانين في السعودية أن يكونوا منتجين أكثر».

و يشير ستابلتون إلى أن المعرض يختلف عن المعرض السابق في لندن «الأعمال المشاركة هنا أقل، كما اخترنا أعمالا مفاهيمية جديدة تتناسب مع طبيعة بينالي البندقية. عرض الفيديو الذي يقدمه عبد الناصر الغارم يعرض هنا للمرة الأولى فقد كان ذلك مهما أن نؤكد أن الفنانين هنا يستطيعون الوقوف مع الفنانين العالميين في المجال ذاته. ولا بد لنا من التغيير في كل معرض».

ويضيف ستابلتون «أتوقع أن نستطيع دعوة فنانين شباب ومختلفين وأن نتوسع أكثر، ولكني أقدر أن ذلك أمر صعب فنحن نحتاج إلى دعم كبير، وأتمنى أن نجد ذلك الدعم من المؤسسات السعودية». وهنا يشير ستابلتون إلى رعاة المعرض «رعاة معرضنا هذا يستحقون الثناء على المغامرة معنا والثقة في عملنا». ومن جانبه يقول روبن ستارت صاحب بارك غاليري وممثل مؤسسة «جدوى» إحدى المؤسسات الراعية للمعرض، يقول «نحن فخورون في المؤسسة بأن ندعم هذا المعرض الناجح. الفنانون المشاركون الذين ينتمون إلى مناطق مختلفة من السعودية قدموا أعمالا فنية تتجاوز حدود الفن التقليدي وتشغل الناظر إليها وتجذب انتباهه بصور تثير الخيال وقصصا شيقة وقدرات فنية كبيرة».