سحر باريس يجتذب أوباما.. في خضم ارتباطاته

أراد امتطاء جمل في منطقة الأهرام ولكنه تراجع بعد أن تنبه أن المصورين يراقبونه

TT

كان الرئيس الأميركي باراك أوباما مصرا على البوح بأنه يعشق باريس. خلال تلقيه أسئلة من مراسلين للقنوات التلفزيونية والصحف الفرنسية في عطلة نهاية الأسبوع، سأل أحدهم أوباما الذي كان يقف إلى جانب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، عن سبب قصر زيارته لفرنسا. وقال: «هل يعني ذلك أن أوروبا ليست بقائمة أولوياتكم؟»، أجاب أوباما: «إن ما يعنيه ذلك أن لدي جدول أعمال شديد الازدحام. إنني أتوق إلى قضاء أسبوع في باريس، حيث أتنزه على ضفاف نهر السين، واصطحب زوجتي لتناول وجبة ممتعة، والقيام بنزهة في حدائق لوكسمبورغ». ثم بدأ أوباما بالضحك، وأضاف: «لقد ولت هذه الأيام... في الفترة الراهنة». وبينما انشغل في تأمل السؤال، هام بمخيلته في المستقبل، واستطرد قائلا: «عند لحظة ما، سأصبح الرئيس السابق. وحينئذ، أنا واثق من أنكم ستجدونني في باريس، بعض الوقت، أستمتع بالحياة». لكن قبل أن يستقل الطائرة عائدا إلى الولايات المتحدة يوم الأحد الماضي، منهيا بذلك رحلة بدأت منذ أربعة أيام في السعودية، شرع الرئيس في جولة سياحية غير رسمية، حيث قضى الساعات الأخيرة مع زوجته ميشيل وابنتيه ساشا وماليا، في جولة بين المزارات السياحية الرئيسة بالمدينة. خلال الجولة، زاروا كاتدرائية نوتردام، حيث أشعل الرئيس شمعة، بينما كانت جوقة من الأطفال تنشد التراتيل. ثم ذهب وزوجته إلى حي لافونتان دي مار، بالقرب من برج إيفيل. وفي الصباح زار أوباما وأسرته مركز «بومبيدو»، وهو متحف للفن الحديث يشتهر بمعماره ذي الألوان الزاهية. وصعدوا إلى الجزء الأعلى من المتحف لمشاهدة باريس بأكملها. وفي أثناء مرور مركب الرئيس عبر المدينة، مرت أسرة أوباما عبر الشانزليزيه وقصر الكونكورد، ثم عبروا نهر السين إلى داخل الحي اللاتيني. كانت باريس المحطة الوحيدة خلال رحلة الرئيس أوباما التي شملت أربع دول التي رافقته خلالها أسرته. لكن حتى عندما كان بمفرده، تمكن أوباما من تخصيص بعض الوقت للقيام ببعض النزهات السياحية. ويبدو أن من بين المناطق التي استحوذت على اهتمام أوباما، الجيزة في مصر، حيث قضى ما يزيد على ساعة ونصف مبديا إعجابه بالهرم الكبير. بعد إلقائه خطابه الموجه إلى العالم المسلم داخل جامعة القاهرة، بدّل بزته الرسمية وارتدى بنطالا فضفاضا وقميصا أزرق وحذاء رياضيا (من الواضح أن المذكرة الخاصة بالملابس لم تصل إلى العاملين المعاونين له كافة، ما أدى إلى مجابهة ديفيد أكسلرود، أحد كبار مستشاريه، صعوبة في السير على درجات السلم الضيقة داخل الهرم لارتدائه حذاء جلديا). أما رام إيمانويل رئيس موظفي في البيت الأبيض، فامتطى ظهر أحد الجمال تحت درجة حرارة مرتفعة جدا، وكذلك فاليري غاريت، أحد كبار مستشاري الرئيس. وعندما علم الرئيس بهذا الأمر، بدا مهتما أيضا بخوض هذه التجربة، حتى لمح بعينيه زمرة المراسلين والمصورين الذين كانوا يراقبون المشهد. وقال: «لو لم تكونوا هنا لامتطيت ظهر جمل». ونزل أوباما سلالم ضيقة تؤدي إلى مقبرة تحت الأرض، حيث غطت نقوش هيروغليفية الجدران. وتفحص عن قرب أحد النقوش لوجه بدا شبيها بأشهر الصور الكاريكاتيرية له. وتوقف عندها الرئيس وهو يقول: «انظروا، هذا يشبهني. انظروا إلى هذه الأذن!».

يمكن أن تستغرق الجولة في الهرم الكبير وأبو الهول عدة ساعات، لكن نظرا إلى أنه كان قد تأخر بالفعل عن رحلة الطيران إلى ألمانيا، قال الرئيس: «أعتقد أن علينا العودة إلى العمل». قام أوباما حتى الآن بأربع رحلات دولية كرئيس. وعادة ما يطلب من واضعي جدول الزيارة استخلاص ولو قليل من الوقت لأغراضه الشخصية ـ وحاشيته ـ كي يقوموا بجولات سياحية. والواضح أن الأيام التي كان خلالها قادرا على التجول والتنزه بحرية تلقاء نفسه قد ولّت. إلا أنه في فرنسا لم تر وسائل الإعلام أن الجولات التي قام بها أوباما كافية، ما دفع أحد الصحافيين لإثارة التساؤل سالف الذكر يوم السبت خلال مؤتمر صحافي عقده أوباما مع نظيره الفرنسي ساركوزي، بعد لقائهما بمدينة كاين. وقد خصص أوباما الوقت نفسه تقريبا للإجابة على السؤال الخاص بالسياحة، كالإجابة على الأسئلة المتعلقة بالشرق الأوسط وكوريا الشمالية. وقال: «تتعلق قضيتي الرئيسة بحقيقة أنه عندما أقوم بمثل هذه الجولات الأجنبية، فإن ذلك يرمي إلى إنجاز أعمال محددة، وذلك لأن أمامي أيضا اقتصادا بلغ معدل البطالة فيه 9.4%.لا يزال يتعين علينا تمرير تنظيمات مالية للحيلولة دون تكرار مثل هذه الأزمة مجددا. كل هذا يحتاج إلى كثير من الجهد، ولذلك، دائما ما تكون جداول رحلاتي محدودة».

واستطرد أوباما مؤكدا أن مسألة تناوله الغداء، وليس العشاء، مع ساركوزي لا ينبغي النظر إليها باعتبارها مؤشر على التعالي. وأوضح مساعدوه أنه نظرا إلى انضمام أسرته إليه في فرنسا، لم يعد هناك وقت كافٍ لحضور مأدبة عشاء. وقال أوباما: «أعتقد أنه من المهم للغاية أن نتفهم أن الأصدقاء المقربين لا يأبهون للرموز والتقاليد والبروتوكول. ولأنني أعرف أن باستطاعتي دوما التقاط سماعة الهاتف والحديث إليه، ليس من الضروري بالنسبة إلي إهدار وقت كبير في أمور أخرى بخلاف العمل على إنجاز العمل المطلوب في أثناء وجودي هنا». من جهته، أكد ساركوزي أيضا أن هذا الأمر لم يثر ضيقه. وقال موجها حديثه إلى المراسلين: «هل تظنون أنه ليس لدينا أعمال للقيام بها تكفي لملء الوقت الذي كنا سنقضيه في التقاط صور لنا؟ هل تحسبون أن اهتمامنا الأكبر ينصب على أي من المجلات البارزة ستظهر بها صورتنا، أو أي المطاعم سنرتادها ونقضي بها المساء، أو ما كنا سنقضي ليلة أخرى هنا أم لا؟» وألمح ساركوزي إلى أن تلك تعد الزيارة الثانية لأوباما لباريس في غضون أقل من عام. يذكر أن أوباما مر بباريس في يوليو (تموز) الماضي خلال رحلة أوروبية قام بها. كما أثيرت مسألة قصر تلك الزيارة ـ التي استمرت أربع ساعات ـ خلال مؤتمر صحافي جمع أوباما وساركوزي عقداه آنذاك داخل قصر الإليزيه. وخلال هذا المؤتمر، شرح أوباما أنه «من غير المعتاد لمرشح رئاسي أن يوجد خارج البلاد لمدة تزيد على أسبوع»، دون أن يذكر على نحو مباشر الأخطار السياسية التي يواجهها مرشح رئاسي متهم بأنه يمثل النخبة فحسب. وقال: «أؤكد لكم أنني أتطلع إلى العودة وقضاء وقت أكبر هنا». لكنه في تلك المرة، بقي حتى وقت العشاء.

* خدمة «نيويورك تايمز»