الارتباط بأجنبي في ميزان النجاح والفشل

البعض يفضل «زؤان» بلاده على قمح الغريب

جندي اسباني من قوات الامم المتحدة أثناء عقد زواجه على اللبنانية دنيا عبد الله من مرجعيون (أ. ف. ب)
TT

«من تزوج من غير ملته مات في علته»، مثل شعبي لا تقتصر معانيه في المجتمع اللبناني على اختلاف الطائفة أو الدين فحسب، ذلك أن اللبنانيين اعتادوا الاستشهاد به كنصيحة كفيلة بتحذير الفتاة أو الشاب من الارتباط بـ«غريب» أو «غريبة». الغربة كانت حتى وقت قريب تعني كل من ينتمي إلى خارج القرية أو البلدة أو حتى محيط العائلة. أما سبب التحذير فهو الخوف من مفاعيل هذا الزواج الذي قد يبعد الأبناء عن أهلهم، فالفتاة عندما تتزوج يجب أن تلحق زوجها حيثما كان. والشاب قد يقترن بفتاة مسيطرة قد تسحبه إلى عائلتها وتحرم أهله منه. من هنا كانت العائلات تحاول قطع الطريق أمام أي زواج من هذا النوع انطلاقا من معادلة «زؤان (قشر القمح) بلادك ولا القمح الغريب». لكن التعمق في هذا الرفض «الفطري» نجد أنه لا يقتصر على أنانية الأهل ورغبتهم بالاحتفاظ بأبنائهم، إنما يتجاوز ذلك إلى الخوف من معاناة هؤلاء الأبناء نتيجة اختلاف العادات والتقاليد. هذا الواقع كان طاغيا على سلوكيات الزواج قبل عقود في لبنان. آنذاك لم تكن الأزمات تحد من الإقبال على الزواج لدى غالبية الشرائح اللبنانية. أما اليوم فلم يعد هذا الغريب غريبا وبات هو القريب الذي يتمنى الأهل أن يرتبط به أبناؤهم قبل أن يقع المحظور ويزف إليهم خبر قرار الارتباط من «غريب حقيقي»، أي من بلد آخر، حيث الهوة واسعة لجهة اختلاف التقاليد والعادات التي مهما اقتربت تبقى بعيدة عن العادات المحلية، ليبقى الحب هو الذي يحدد مدى نجاح هذه العلاقة ومدى قدرة الطرفين على تجاوز العوائق التي قد يواجهانها والتي تنتج أبناء مزدوجي الثقافة، متميزين عن أمثالهم. وتقول اللبنانية ندين المتزوجة من شاب مصري إنها «على الرغم من السعادة التي تعيشها منذ ست سنوات، فإنها تعترف بالندم الذي ينتابها بين الحين والآخر على زواجها من رجل غير لبناني»، وتضيف: «في البداية لم أفكر مليا في أبعاد هذا القرار رغم تحذيرات عائلتي من المشكلات التي قد أواجهها من جراء الإقدام على هذه الخطوة، ولا سيما في ما يتعلق بإقامتي بعيدا عنهم. حينها كانت العواطف تسيطر على العقل. وفي الفترة الأولى من انتقالي إلى دبي حيث أعيش مع زوجي وطفليّ، بدأت ألمس مدى صعوبة الأمر. الاختلاف بدأ يظهر شيئا فشيئا من الأمور التفصيلية إلى الأساسية. ومما لا شك فيه أنني واجهت صعوبة في التأقلم مع الحياة الجديدة برفقة شخص تختلف سلوكياته وتقاليده وتفكيره، وحتى عاداته الغذائية في بعض الأحيان، لكن كان علي تجاوز كل هذه المشكلات، خصوصا أن الرجل لا يشعر بها كثيرا كما المرأة. وأستطيع القول إن الأمر استغرق حوالي أربع سنوات حتى انسجمت مع هذا الواقع الجديد». وتعتبر ندين أن سكنها خارج بلدها وخارج بلد زوجها ساهم إلى حد كبير في تقليص حجم المشكلات ولا سيما الاجتماعية منها نظرا لاختلافها بين المجتمعين، «لأن العيش بعيدا عن العائلتين يبعد أي تدخلات خارجية ويجعل الزوجين يتحملان مسؤولية إيجاد الحلول المناسبة».

وتتذكر: «في إحدى المرات التي زرت فيها مصر، واجهت مواقف حرجة ترتبط بهذا الموضوع، كرفضهم للمرأة التي تدخن واعتبار هذه العادة عيبا اجتماعيا. وفي إحدى الزيارات شعرت بحرج كبير عندما جلست ووضعت ساقا على ساق، وهنا بدأ الحاضرون يرمقونني بنظراتهم من دون أن أعرف السبب إلى أن خرجنا وفسر لي أهل زوجي الأمر. لكن في الوقت نفسه، دخولي على المجتمع المصري غير الفكرة النمطية في مظهر الفتاة اللبنانية بعدما كانوا يعتقدون أن كل اللبنانيات كاللواتي يظهرن على الشاشة. عرفوا أن هناك لبنانية سمينة ولسن جميعهن كعارضات الأزياء...». وفيما يتعلق بتربية الأولاد تضيف: «على الرغم من صغر سن ابنيّ، فهما يتكلمان اللهجة المصرية مع زوجي وأهله واللهجة اللبنانية معي ومع عائلتي، ولا يعترض زوجي على الأمر بل على العكس، ولا مشكلة لديه في العيش في لبنان». وتقول ندين: «أما في ما يتعلق بالعادات الغذائية، فهنا استطعت أن أجذبه إلى عالمنا الغذائي بعدما رفضه في البداية. واليوم أصبح لا يأكل إلا الطعام اللبناني، وقد انسحب الأمر على عائلته، وصار واجبا علي تحضير كل ما لذ وطاب من المأكولات اللبنانية لهم خلال لقاءاتنا». أما اللبناني عادل المتزوج من فرنسية فيرى أن للزواج من أجنبية سلبياته وإيجابياته. ويعتبر أن هذا النوع من الزواج يساهم في إدخال ثقافة جديدة على العائلة وانفتاح في العلاقة وفي تربية الأولاد، خصوصا في ما يتعلق بنظام البيت بشكل قد لا تجيده المرأة الشرقية لجهة الحزم في الأولويات المتعلقة بالسلوك والدرس وتعويد الأولاد على المسؤولية. لكن في الوقت عينه لا شك أن الوجه الآخر لهذه المعايير الغربية «الاستقلالية» تجعل الأولاد، عندما يكبرون، لا يتورعون عن رفض الروابط العائلية الشرقية، كالعلاقة مع الأهل والأكبر سنا. فلا يجدون حرجا في الحرية غير المشروطة وخصوصا لجهة عدم التمييز بين حقوق الشاب والفتاة. هنا يقع التناقض ليس فقط في العلاقة العائلية، وإنما في علاقة الرجل مع نفسه، لا سيما عندما يجد أن ما كان قد قبله في زوجته حين قرر الارتباط بها يحاول ردعه لدى ابنته». أما في ما يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة، فيؤكد «الأمر مختلف تماما عما نألفه في مجتمعنا اللبناني. الأجنبية غالبا لا تطلب ما تطلبه ابنة البلد من شروط مادية، إلا أنها أيضا لا تقبل التنازل عما تعتبره حقا لها لجهة اسقلاليتها وعلاقتها بعائلة زوجها. فبابها ليس مفتوحا للزيارات العائلية من دون مواعيد. وهي لا تسمح بالتدخل في تربية أبنائها أو حتى الإخلال بنوعية الغذاء أو مواعيد النوم أو الخروج. عدا ذلك، ربما ينتابها خوف ناتج عن الشعور بالغربة في بيئة زوجها». ويضيف: «لكن بعد مرور سنوات على الزواج بدأت زوجتي تلمس أهمية العادات الشرقية، وأهمية الترابط العائلي الذي يساهم إلى حد كبير في تأمين الحصانة للعائلة. وبدأت أكتشف أن المشكلات التي تعترضني ليست نتيجة زواجي من أجنبية بل هي مشكلات قد تعترض أي زوجين». من جهة أخرى، غامرت البريطانية كريستينا بكل شيء من أجل الحب الذي يربطها بزوجها اللبناني. وقررت الانتقال للعيش في لبنان عام 1983 في غمرة الحرب اللبنانية برغم رفض أهل الطرفين. وتصف تجربتها بالناجحة رغم كل الصعاب التي واجهتها في بداية الأمر. وتقول «مما لا شك فيه أنني شعرت بالغربة في مجتمع تختلف عاداته وتقاليده عن مجتمعي، والأمر الأصعب كان اختلاف اللغة الذي تجاوزته في ما بعد، كذلك أصبحت مجبرة على قيادة السيارة بعدما كنت أتنقل في لندن على الدراجة النارية».

وتضيف: «لكن طبيعة العلاقة التي تجمعني بزوجي كانت كفيلة بتجاوز كل العوائق. وإصراري على الاندماج في المجتمع والقضاء على كل الحواجز ساهما في النجاح. وها أنا اليوم أحمل شهادة دكتوراه وأتقن اللغة العربية بشكل جيد وما عدت أشعر بالغربة التي كنت أشعر بها في ما مضى، مع الإشارة إلى أن العلاقة مع أهل زوجي لا تزال غير سليمة مائة في المائة. لكنني بالتأكيد لا أندم على اتخاذي هذا القرار. وأنا متأكدة من أن زواجي أنتج أولادا يتميزون عن غيرهم بالثقافة المزدوجة التي صقلت شخصيتهم كونها تجمع بين الشرق والغرب».