افتتاح «بيت المناخ» في ألمانيا

9 أنظمة بيئية ينظم الكومبيوتر تقلباتها وأحوال الأحياء المختلفة فيها

صورة للمتحف من الخارج (صورة وزعها المتحف)
TT

في المؤتمر الدولي الثالث حول «التطرف المناخي» قبل عام حذرت البروفيسورة كلاوديا كيمفرت، من المعهد الألماني للدراسات الاقتصادية، من العواقب الاقتصادية الوخيمة التي تتسبب فيها التحولات المناخية الجارية في العالم. واستشهدت كيمفرت أمام المؤتمر الدولي الثالث حول «المناخ المتطرف» بدراسة للمعهد الاقتصادي قدرت خسائر ألمانيا الاقتصادية بنحو 800 مليار يورو خلال السنين الخمسين القادمة.

في تلك الفترة كانت الأعمال تجري على قدم وساق لبناء متحف «بيت المناخ» في ميناء مدينة بريمرهافن الواقعة على بحر الشمال، وكانت المستشارة الألمانية قد انحازت إلى مدينة روستوك الشرقية لبناء المتحف فيها، لولا تأخر كيمفرت في تقريرها. إذ يبدو أن التحولات المناخية السلبية الجارية، وخصوصا ظاهرة الاحتباس الحراري، لا تتمتع بحس طبقي إيجابي لأنها تلقي بثقل عواقبها على الفقراء قبل الأغنياء، ولهذا فقد قدرت الدراسة تضرر الولايات الألمانية الفقيرة، وخصوصا في الشرق، أكثر من تأثر الولايات الغنية.

لكن العلماء الذين صمموا المتحف اختاروا له خط الطول 8 شرقا، الذي يمر عبر بريمرهافن رغم أنه لا يمر بمدن أرضية أخرى كبيرة. وفي بيت خط الطول 8 يستطيع الزوار معايشة المناخ على هذا الخط قبل غيره، مع تخصيص مساحة واسعة أخرى لتغطية نماذج المناخ المختلفة التي تحيط بمناطق الكوكب. قاعات بيت المناخ تتسع لمساحة 5000 متر مربع، أهلت العلماء لبناء القاعات وتزويدها بالجبال المتجلدة والمستنقعات المائية الاستوائية، مع أحيائها المائية والبحار المتنوعة والوديان والسهول... إلخ.

وتولى العلماء نقل قطعة مساحتها 200 متر مربع من الصحراء النيجرية بكافة مكوناتها ومحتوياتها من الصبار والطلح البري، حيث تسود درجة حرارة تتعدى 35 مئوية في مناخ جاف. وليست الصحراء النيجرية سوى بقعة واحدة من مجموعة الصحارى التي تم تصويرها في المبنى، وإلى جنب قاعات الصحارى هناك قاعات «العناصر»، وهي مساحات تحتوي على العناصر الأساسية التي هي الهواء والماء والتراب والنار، ويرى فيها ويجرب الزائر، كمثل، كيفية إنتاج الكهرباء منها، أو يشاهد كيفية تكون البراكين. وخصصت قاعات «مستقبلية» تكشف للزائر مشكلة زيادة إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون، وتأثيرها اللاحق على الإنسان والطبيعة، مع الطرق المقترحة لمعالجة الظاهرة.

ويتوقع مصممو المتحف من شركة «بيتري وتيمن» أن يحتاج الزائر إلى 4-5 ساعات كي ينتهي من مشاهدة المعرض، إلا أن الأيام الأولى أثبتت أن الزائر بحاجة إلى 7-8 ساعات كي يلم بكل شيء، وأن يمشي مسافة 10 كم كمعدل، أي أكثر مما يحتاجه لمطالعة مدينة بريمرهافن (115 ألف نسمة) بشوارعها وأبنيتها.

على الإنسان هنا إذن أن يعيش التقلبات المناخية حول العالم، التي يمكن للمشرفين تغييرها بواسطة الأجهزة العلمية الحديثة والبرامج الكومبيوترية الخاصة خلال 8 ساعات، وهو ما لم يحققه جول فيرن إلا في 80 يوما. وإذ يتحدث علماء البيئة كثيرا عن ذوبان الجليد على جبال الألب السويسرية بتأثير ظاهرة الاحتباس الحراري، ويحذرون من مخاطره على البيئة، فقد ألهم ذلك المهندسين لتصميم قاعة كبيرة فيها جبال متجلدة يذوب فيها الثلج بمقدار قطرة ماء كل 12 دقيقة، وهو معدل ذوبان الثلج الذي قاسه العلماء على جبال الألب. وتسير هذه القطرات وصولا إلى الصحراء النيجرية حيث يسقط المطر هناك سنويا بمعدل قطرة كل 12 دقيقة أيضا. وللمقارنة فقد أقام المهندسون غابة من الكاميرون قرب الصحراء النيجرية حيث تسود رطوبة تصل إلى 80 في المائة، وتتبلل ثياب الزائر فيها دون مطر.

وعلى الزائر أن يحتاط للتقلبات المناخية كي لا يصاب بالبرد لأن عليه الانتقال من قرية جبلية ثلجية سويسرية مهددة بالذوبان، وبدرجة حرارة تقل عن -30 مئوية، إلى شاطئ سوما الاستوائية حيث البحر الهادئ والشمس المشرقة والحرارة العالية. ولم يتم اختيار هذه الجزيرة البولينيزية (شرق جاوا) عبثا لأنها مهددة بالغرق بسبب الارتفاع التدريجي لمناسيب المياه بتأثير التقلبات المناخية الدراماتيكية.

وواقع الحال أن المتحف مجهز بتقنية لمحاكاة 9 أنظمة بيئية والتغيرات التي تطرأ عليها بتأثير التقلبات المناخية. يفاجئ الضباب المرء فجأة في أنظمة بيئية جافة كما هي الحال في شمال أفريقيا، وإذ يقف المرء في ألاسكا في منتصف القاعة الباردة يفاجئه الماء من كل جانب بحيث لا يبقي له سوى دائرة قطرها متر يقف عليها. ويشاهد الزائر طوال تجواله في المتحف أفلاما عن الطبيعة صورت في المناطق البيئية الحقيقية من قبل السينمائي الأميركي بن غولدبيرغ بالتعاون مع شركة الأفلام الألمانية أكسل فيرنر من هامبورغ.

كلف المشروع 70 مليون يورو، ويحتل أرضا من الميناء تبلغ مساحتها 18800 متر مربع، ويتوقع المشرفون 600 ألف زائر كل سنة، ويتسع المتحف إلى 500 زائر يدورون في مختلف قاعاته في ساعة واحدة.

تم افتتاح مبنى «بيت المناخ» في ميناء بريمرهافن قبل أيام، وبدا للبعض شبيها ببرج العرب في دبي، عدا عن «العمامة» السفلية التي تحيط به. ووصف الموسيقي المعروف والناشط في حماية البيئة بوب غيلدوف، الذي افتتح المتحف، مشاعره بالقول إن التنقل بين مختلف الظروف المناخية، بين البرد القارس والمطر والحرارة الشمس الحارقة والضباب، يشبه التنقل بين المدن الألمانية. وأضاف ساخرا أن المعايشة الجميلة في «بيت المناخ» تشبه الطقس الألماني لهذه الأيام كثيرا، لأن الألماني يعيش اليوم أربعة فصول في يوم واحد.