محاكمة الشاب مامي في باريس غدا

«أمير الراي» متهم بمحاولة إجهاض مصورة فرنسية

TT

حال نزوله من الطائرة القادمة من الجزائر إلى مطار «أُورلي» في باريس، ليلة أول من أمس، وجد مغني الراي الشاب مامي أفرادا من الشرطة الفرنسية في انتظاره لاقتياده إلى السجن، حسب مذكرة توقيف كانت قد صدرت في حقه، قبل سنتين، بتهمة العنف ضد صديقة سابقة له. وأنكر مامي، واسمه الحقيقي محمد خليفاتي التهمة، لكنه ظل معتكفا في بلده الأم، الجزائر، إلى أن قرر مواجهة العدالة والدفاع عن نفسه في هذه القضية التي كلفته كثيرا، ماديا وفنيا، وأبعدته عن ساحة الغناء على الرغم منه.

وغدا، الخميس، من المنتظر أن يمثل مامي أمام قاضي الجزاء في «بوبيني»، ضاحية باريس، ليرد على تهمة التعرض بالعنف ومحاولة إجهاض مصورة فرنسية كانت قد ربطتها به علاقة تداخل فيها العمل بالعاطفة. وتزعم المدعية أنها أنجبت طفلة من المغني الجزائري على الرغم من مساعيه لإسقاط حملها. وفي حال الإدانة، فإن «أمير الراي» قد يواجه عقوبة السجن لعشر سنوات مع دفع غرامة قدرها 150 ألف يورو.

والقضية التي شغلت وسائل الإعلام والوسط الفني بين ضفتي المتوسط ليست جديدة، بل بدأت عام 2005. ففي خريف ذلك العام تقدمت سيدة أربعينية تدعى إيزابيل ببلاغ إلى قسم الشرطة في ضاحية «سان دوني»، شمالي باريس، لإقامة محضر حول تعرضها لمحاولة إجهاض بالقوة على يد معارف للشاب مامي وبعلمه شخصيا. وقالت إن الواقعة حدثت عندما قامت برحلة عمل لها إلى الجزائر، أثناء الصيف. وأوضحت أن هناك من استدرجها للسفر بهدف التخلص من جنينها.

من هي إيزابيل هذه؟ إنها فنانة تعمل في حقل التصوير وتعول لوحدها طفلة لها من علاقة سابقة. وحسب أقوالها فإنها قد تخصصت، منذ 15 سنة، في التقاط صور لحفلات «الراي» ومطربيه، أي منذ أن غزت هذه الموسيقى الجزائرية فرنسا وصارت مطلوبة من الشباب. وفي إطار عملها، التقت إيزابيل المغني محمد خليفاتي، الشهير بلقب «الشاب مامي»، وكانت شديدة الإعجاب به. ويبدو أنه أعجب بها أيضا، فقامت بينهما علاقة قصيرة.

أواسط يوليو (تموز) 2005 أبلغت المصورة صديقها المغني الشهير بأنها حامل منه. وحسب أقوالها، فإنه غضب غضبا شديدا وقال لها إنه لا يريد أن يكون أبا لهذا الطفل وطلب منها التخلص منه. وفي إفادتها، قالت إن مامي قطع علاقته بها بعد رفضها إنزال الطفل. أما هي فقد تصورت أنه عندما سيرى ابنه بين يديها، فلن يتهرب من مسؤولياته وسيحن قلبه إلى دمه ولحمه. وهكذا مضت في تنفيذ حلمها بالإنجاب منه وذهبت، في نهاية أغسطس (آب) من العام نفسه إلى الجزائر لإعداد تحقيق مصور عن موسيقى «الراي». وبعد وصولها إلى هناك، تولى استقبالها شاب من أصدقاء متعهد الحفلات، وتقول إنه سقاها كأسا من عصير البرتقال فأصيبت بالدوار وطلبت نقلها إلى بيت إحدى صديقاتها هناك. وعندما صعدت إلى سيارة الأجرة لاحظت أن السائق رجل تعرفه هو صديق حميم للشاب مامي منذ الطفولة ويعتبر ذراعه اليمنى في الجزائر. تمضي إيزابيل في روايتها، التي نشرت الصحف تفاصيلها، قائلة إن السيارة توقفت، بعد دقائق، أمام أحد المنازل، وتولى قادر دفعها إلى الداخل وإلقاءها على فراش على الأرض. وجاءت امرأتان في أواسط العمر، ضغطت إحداهما بكل قوة على بطنها، بينما قامت الأخرى بمحاولة لإسقاط الجنين العالق في الرحم. ولا تستطيع إيزابيل، حسب أقوالها للشرطة، أن تؤكد ما إذا استخدمت تلك المرأة آلة معدنية أو قامت بالعمل بيدها. وتضيف أنها عندما استفاقت ونهضت واقفة وجدت الدماء تغطي المكان وبقعا متناثرة من دم خاثر فوق الفراش. وأكدت أن قادر هددها بأذى يقع على ابنتها إذا هي فتحت فمها وتحدثت عما جرى لها. وذكرت أمام الشرطة أنها عندما غادرت المنزل لاحظت كتابة على الواجهة تقول «سفارة باكستان». وتذكرت أن مامي كان قد أخبرها بأنه اشترى مبنى السفارة لكي يجعل منه بيتا لائقا به في الجزائر.

الغريب أن إيزابيل لم تذهب فورا إلى مركز الشرطة في الجزائر لتقديم شكوى ضد مهاجميها، كما لم تتقدم بأي بلاغ حال عودتها إلى باريس. بل استمعت إلى نصيحة صديقة بالذهاب لرؤية طبيبها المتخصص في أمراض النساء والحصول على تقرير طبي منه. وهناك كانت المفاجأة كبيرة، فعلى الرغم من الاعتداء، فإن الجنين ظل عالقا في جوفها، لكن قطعة من الرحم تعرضت للنهش. استشارت إيزابيل محاميا نصحها بأن تتفاوض مع الشاب مامي بدل إقامة الدعوى عليه، خاصة أنها تزعم أنها ما زالت تحبه. وأكدت للمحامي أن مامي عرض عليها عبر متعهد للحفلات الصمت مقابل 30 ألف يورو، أي قرابة 40 ألف دولار. ودفع لها 5 آلاف مقدما على أمل إعطائها المتبقي من المبلغ. لكن الأمور اتخذت منحى آخر عندما بدأت تتلقى مكالمات هاتفية مزعجة، مفادها أن الشاب مامي يريد منها أن تذهب إلى بريطانيا لكي تجهض جنينها هناك. وهددها أحد أصدقائه بإخفاء ابنتها البكر.

على الرغم من مرور ثلاثة أشهر على الواقعة التي تزعم حدوثها في الجزائر ولا شهود لها عليها، فإنها قررت التقدم بشكوى ضد الشاب مامي. وهنا حدث ما يمكن وصفه بالصدفة السعيدة، حسب مزاعمها. فبينما كانت موجودة في مركز الشرطة لتقديم بلاغ أمام المدعي العام، رن هاتفها النقال وكان الشاب مامي، نفسه، من يتصل بها. وتم وضع المكالمة على مكبر للصوت وتسجيل أقواله وهو يطلب إليها أن تقوم بفحص بالأشعة الصوتية لكي يتأكد من أن الإجهاض قد تم. كما قال لها إنه شاهد الدماء على الفراش بنفسه وإنهم جاءوا له بما يشبه الكبد وإنه كان حاضرا قريبا من المكان الذي نقلوها إليه. على الرغم من الاعتراف، فإن المشتكية أصرت على أنها لم تشاهد مامي في المنزل، وكان على الشرطة الفرنسية أن تنتظر طويلا قبل تمكنها من استنطاق المتهم، حيث إن مامي غادر إلى الجزائر، لكن في 28 أُكتوبر (تشرين الأول) 2006، بينما كان المغني عائدا من الجزائر إلى باريس، وجد رجال الشرطة الفرنسية في انتظاره عند باب الطائرة. وبدل أن يقوم بما جاء من أجله، أي الترويج لآخر ألبوماته «ليال»، وجد نفسه يساق مخفورا إلى سجن «لا سانتيه»، قسم الشخصيات المهمة «V.I.P».

في بداية العام الماضي تمت أول مواجهة، أمام المحققين، بين المغني ووكيله المتعهد ميشيل ليفي وبين صاحبة الدعوى إيزابيل س. وكانت هذه الأخيرة قد وضعت، قبل ذلك، طفلة سمراء وجاءت بصورة البنت معها إلى المواجهة. لقد كانت تأمل أن تحنن قلب مامي لكن أمل المدعية خاب عندما قال المتهم إن علاقته معها لم تكن سوى شهوة عابرة وإنه لا يكاد يحفظ ملامحها أو يتعرف عليها. ولما واجهه المحققون بالتسجيل الذي في حوزتهم للمكالمة الهاتفية التي جرت بينه وبين إيزابيل، أنكر مامي أن يكون هو المتحدث.

خلال ذلك قامت الشرطة الجزائرية بالتحقيق في مزاعم إيزابيل حول تعرضها لمحاولة إجهاض، فلم تصل إلى شيء. وقد انقسمت الصحافة الجزائرية بين مؤيد للمغني وبين متهجم عليه.

ومن مكانه في بلده، فتح الشاب مامي النار على العدالة الفرنسية، في مقابلة له مع صحيفة «وهران»، واتهمها بأنها تريد «تدمير نجم عربي» سطع في الخارج. كما اتهم مدير أعماله «اليهودي» بأنه أوقعه في الفخ وقدم له نصائح فاسدة أدت إلى انزلاقه إلى المصيدة التي نصبتها له تلك المصورة التي وصفها بأنها «يهودية» أيضا، وقال إن ما يهمها ليس الرجل العربي ولا الطفل العربي بل نقود العربي. وأشار مامي إلى أن إيزابيل ليست في أول قضية لها من هذا النوع، بل سبق لها أن ابتزت مغنيا جزائريا آخر عند ولادتها لطفلتها الأولى. بالطبع، تلقفت أوساط معينة في باريس هذه التصريحات، وتحولت القضية من نزاع بسيط حول إثبات أبوة إلى مسألة سياسية ذات أبعاد عنصرية، وألصقت بالمغني الجزائري تهمة «معاداة اليهود».