بعد الغزو الأميركي، أصبحت الحياة بالنسبة إلى معظم العراقيين سلسلة من المآسي: فقدان الأحباب وفقدان الممتلكات وفقدان الكرامة وفقدان الأمن...
ولكن الأمر ليس كذلك مع آراز محسن. أنفق محسن ـ الذي كان يجمع كسرات الخبز عندما دخلت القوات الأميركية إلى بغداد ـ مؤخرا 50.000 دولار من أجل إقامة حفل صاخب لليلة واحدة في نادي صيد خاص في بغداد. وعندما يزور الضيوف منزله الثاني في بغداد، يتباهى في فخر بطاووسين استوردهما من دبي، ليضمهما إلى حديقة تحتوي على طيور غريبة أحيانا يعطيها للأصدقاء.
ويقول في فخر: «لدي أربع سيارات. ويبلغ ثمن (لاند كروزر) 80.000 دولار».
وتقف السيارة في شارع ما زال مغطى بالحطام الناجم عن الحرب الطائفية التي كانت عنيفة للغاية في الحي الذي يسكنه (حي المنصور). وقال محسن، وهو يشير إلى ساعته الذهبية ـ وتتكلف الساعة التي يرتديها 2.000 دولار، ويحتفظ بساعة أخرى قيمتها 20.000 للحفلات الكبيرة ـ إن في أميركا أو في ظل الاحتلال الأميركي فقط تصبح قصته ممكنة.
كل حرب لها غنائم، وعلى الرغم من أنه تمت كتابة الكثير عن الشركات متعددة الجنسيات التي زادت أرباحها مع اشتعال المعركة، فإن هناك أيضا المئات، بل ربما الآلاف، من الأشخاص مثل محسن.
ولا توجد إشارة إلى أنه قام بأي شيء غير قانوني، بل في وصفه لصعود شركته «فيوتشر»، من الممكن أن ترى كيف من الممكن أن تضخ المبالغ المالية الكبيرة القادمة من دافعي الضرائب الأميركيين ووزارات مالية دول أخرى في العراق مع ظهور أثر ضئيل لها.
وعلى سبيل المثال، يحقق محسن من عقد أميركي، مقابل القيام بعمل بسيط مثل نقل الحصى، عشرات الآلاف من الدولارات.
ولا تزال البنية التحتية للدولة في حالة من الفوضى، ومع بقاء الوضع الأمني مستقرا نسبيا، حوّل الزعماء السياسيون في العراق خطابهم إلى مساوئ الفساد.
وفي مايو (أيار) تمت الإطاحة بوزير التجارة، وقد اعتقل فيما بعد بسبب اتهامات بأنه استغل منصبه للتربح. وقد يتلقى عدد من الوزراء استدعاءات للمثول أمام البرلمان للإجابة على أسئلة تتعلق بتصرفاتهم.
وقد صرح رئيس الوزراء نوري المالكي أن هناك قائمة تضم ما يزيد على 1000 مسؤول حكومي قد يواجهون اتهامات بالفساد.
ولكن أشار مسؤولون آخرون إلى أن دائرة المقربين من المالكي تمثل جزءا من المشكلة.
وكشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة بغداد على 500 شخص أن 452 منهم يعتقدون أن مصلحة الجوازات وبطاقات الهوية، التي تديرها وزارة الداخلية، فاسدة تماما.
وفي تلك البيئة المحيطة، لا يعتذر محسن عن تحقيق أقصى استفادة من الموقف، ويقدم تفسيرا مختلفا لملاحظة سياسي نيويورك البارز في القرن التاسع عشر جورج واشنطن بلانكيت: «لقد رأيت فرصي وانتهزتها».
وأمضى محسن أول ثلاث سنوات من الحرب مختبئا في إقليم كردستان، ولكن في عام 2006 قرر أن يخوض المخاطرة وأن يعمل مع الجيش الأميركي مترجما.
وقال: «كل من رأيتهم يعملون مع الأميركيين كانوا يحققون أرباحا كبيرة».
عندما تولى العمل، ارتدى قناعا، وفي إحدى المرات تعرض للضرب بسبب عمله مع الأميركيين.
وعلى الرغم من أن محسن كردي فإنه نشأ في بغداد ويعرف أشخاصا من السنة والشيعة، طرفَي الانقسامات الطائفية.
وفي النهاية، استقر في قاعدة أميركية خارج بغداد وبدأ في مساعدة الأميركيين على تعقب المتطرفين. ويقول: «كان رجالي يأتون إليّ ويقولون لي مَن الشرير ومن ليس كذلك. وكانوا يعرفون الجميع».
ويحتفظ محسن بفخر بالوثائق التي تثبت أنه كان يعمل مع الأميركيين، ولكن من المستحيل التحقق من المبالغ التي يدّعي أنه حصل عليها.
ويقول إنه عندما ثبتت دقة معلوماته، أو على الأقل أن لها أساسا، زادت ثقة الأميركيين فيه.
وبعد عامين تقريبا من العمل مترجما، وجد فرصته في الاستفادة من اتصالاته. وعرف محسن عددا من الرجال من الرمادي، التي كانت بؤرة للمتمردين، والذين كانوا يعرفون كيف يمكن اجتياز المتطرفين. وأصبح هؤلاء الرجال ـ الذين يمكنهم العمل في منطقة لا يمكن أن يقربها مقاول غربي ـ مشاركين له في الشركة.
وبعد إنهاء عمله كمترجم، عاد إلى الأميركيين، وهو يعرف أنهم سيقدمون له عملا، وحصل على عقد قيمته 80.000 دولار لنقل الحصى إلى القاعدة الأميركية «الأسد».
وقال: «لقد حققنا أرباحا بلغت 40.000 دولار». وكان نصيبه منها 15.000 دولار.
وبعد أن رأى كيف يمكن أن تكون العقود مع الأميركيين مربحة، كوّن شركته الخاصة، وجلب أصدقاءه من الرمادي.
وفي أثناء تناول البيبسي وكعكة الشيكولاته في منزله في المنصور، الذي أقل ما يوصف به تصميمه هو الأناقة، جلس عدد من مشاركيه وأخذوا ينصتون. ولم يكن الرجال يتحدثون بالإنجليزية وأوضحوا أنهم حتى لو تحدثوا بها، فلن يتحدثوا كثيرا. ومحسن هو الوحيد الذي سمح بذكر اسمه في الحوار.
وبعد العمل في إنشاء مدرسة، من خلال عقد قيمته 75.000 دولار دفعه الأميركيون ـ قال إن أرباحه كانت 20.000 دولار ـ قرر أن يرفع من قدراته.
وقال مبتسما وهو يطعم أحد ببغاواته: «أحب المغامرة».
وكان الأميركيون يريدون شخصا ليبني لهم نقطة شرطة في أبو غريب، وهي منطقة محظورة على المقاولين الأجانب. وكانوا مستعدين لدفع 700.000 دولار لبناء النقطة، التي أطلقوا عليها اسم «النصر والسلام».
وقال محسن: «لقد عقدنا صفقة مع الزعيم المحلي لتنظيم القاعدة في العراق. ووافقوا على عدم تدمير المركز، ووعدنا أن نعطيهم نصيبا من الأرباح».
ولكن عندما اكتمل المشروع، أعطى محسن اسم زعيم القاعدة للأميركيين، وتم اعتقال الرجل، كما يروي محسن، مضيفا أنه احتفظ بالأرباح كاملة وقيمتها 350.000 دولار.
وهو لا يعرف ماذا حدث لزعيم القاعدة، ولكن يصور محسن القصة على أنها صفقة جيدة من أجل العراق ومن أجله. وعلى الرغم من أنه يفخر بأنه لا يخشى السير في شوارع بغداد، فإن حاشيته، ومن بينهم مشاركوه، معه على الدوام.
وكانت الأموال التي تأتي عن طريق الأميركيين في زيادة. وقد وصل صافي ربحه من تعاقد على صفقة إزالة «القمامة» من الفلوجة إلى مليون دولار، حيث اكتشف أن ما اعتبره الأميركيون قمامة، من مولدات وكابلات ومكيفات وأثاث، كانت قابلة للاستخدام ومن الممكن إعادة بيعها.
وقال: «أبرم معنا الأميركيون عقدا لتوصيل الحجارة إلى بلدة بالقرب من الحدود السورية». وكانت قيمة العقد 1.5 مليون دولار، وقال إن مليون دولار هي قيمة الربح الصافي.
ولكن في الوقت الذي يستعد فيه الأميركيون للمغادرة، لا يعرف محسن مصير شركة «فيوتشر». وقال إنه على الأرجح سيترك بغداد ويعود إلى منزله في كردستان.
وقد ثبتت صعوبة العمل مع الحكومة العراقية. فقد قام بمهمة واحدة مع الحكومة، وما زال لم يحصل على أجره. ويعلق محسن: «إنهم فاسدون للغاية».
* «نيويورك تايمز»