المقبرة الملكية في بغداد.. طراز معماري يزاوج بين الحضارة والبيئة.. والرهبة أيضا

المهندس الإنجليزي كوبر تعامل مع المواد الإنشائية بلمسة عربية

TT

يعد مبنى الضريح الملكي «المقبرة الملكية» في بغداد من التكوينات المعمارية التي حظيت بتميزها على صعيد الموقع والبناء، اضافة الى انه عكس معالجات زاوجت بين المعمار العراقي والتصور الحديث، الذي جلبه المهندسون الانجليز، الذين حضروا الى بغداد اثناء وبعد احتلالها، وقد كان هذا الصرح مؤشرا حقيقيا لميزات الثقافة المعمارية في تلك الفترة، وللتصور الفكري الذي يحمله العقل الغربي عن الذائقة العربية.

أساليب شائعة ومتطلبات رسمية تأتي الابنية والانشاءات المعمارية، التي اقيمت في العراق في الفترة الواقعة بين سنة 1920 ـ 1940، كشاهد حقيقي يوثق الاساليب التي شاع استخدامها في تلك الفترة، وانطبع انتشارها بالمبررات والاحتياجات المختلفة، التي تعكس متطلبات رسمية عدة، فقد ولد في تلك الفترة العديد من الابنية المهمة التي لم تكن معروفة على مستوى الوظيفة كمؤسسات رسمية، وبحكم تكليف مهندسين ومصممين اجانب ـ انجليز ـ جاءت هذه الابنية في تصاميمها ومزايا بنائها تحمل معالم انشائية متداخلة، حكمتها اعتبارات ومرجعيات المصمم وثقافته من ناحية، والطبيعة الوظيفية التي تم انشاء هذه الابنية على اساسها من ناحية ثانية.

كلاسيكية الفن المعماري ويوضح المهندس شريف يوسف هذا المقصد بقوله: ان دراسة فن العمارة في العراق بعد الاحتلال البريطاني، تتطلب جهدا كبيرا لجمع المعلومات الكافية عن المنشآت والمباني، التي قامت في الفترة الواقعة بين سنتي 1920 ـ 1940، ومعرفة المهندسين المعماريين الانجليز الذين وضعوا تصاميمها ومخططاتها، ونفذوا عملية البناء واشرفوا عليها، لقد جاء هؤلاء المهندسون مع الحملة البريطانية الى العراق، بعضهم بصفة عسكرية، واستمروا في العمل طيلة ربع قرن، وقد ساعدهم في التنفيذ عدد من الهنود الذين جاءوا مع الحملة ايضا.

ان طبيعة المعالجات المعمارية التي مارسها هؤلاء المهندسون وخصائصها، قد اثرت تأثيرا كبيرا في مجمل النشاطات المعمارية التي كانت تجري في العراق خلال تلك الفترة، وقد عرف من هؤلاء المهندسين: «ميسون»، «جاكسون»، «تيرز»، «كوبر»، وجميعهم عملوا في الهند بعض الوقت، قبل مجيئهم الى العراق. اما ثقافتهم ودراستهم المعمارية فإنها لا تخرج عن كونهم مهندسين محافظين وكلاسيكيين بطبيعة دراستهم لهذا الفن في انجلترا.

لقد حاول المعماريون من خلال التصاميم التي نفذوها مراعاة النقاط الآتية:

ـ اعارة خصائص مناخ العراق السائد، الاهمية التي يقتضيها، فاستخدم المعماريون بعض الوسائل المعمارية لتقليل سلبيات هذا المناخ، كاستخدام الجدران السميكة نوعا ما، والأروقة، وشكل فتحات النوافذ، وعمل فتحات عليا لخلق تيارات هوائية، ثم الارتفاع العالي نسبيا لفضاءات الغرف المغلقة، فهذه كلها امور تقليدية شائعة من تراث عمارة المنطقة القديمة.

ـ تم حل مشكلة التسقيف المعقدة بواسطة «العقادة الاجرية» مع استخدام المقاطع الحديدية «الشيلمان»، الامر الذي مكن المعماريين من الحصول على فضاءات واسعة نسبيا لم تكن معروفة من قبل، فقد امكن تسقيف عقادات كبيرة بواسطة تقطيع السقف بمقاطع حديدية كبيرة مزدوجة، كما تم توظيف نظام التسقيف المعروف بالجملون، بغية تخفيف ثقل التسقيف والحصول على فضاءات عريضة واسعة.

ـ يعتمد القوام الانشائي للأبنية على نظام الجدران الحاملة، وهذا ما يتطلب أسسا عميقة وعريضة لجميع الجدران.. وقد انتشر استعمال الاجر «الطابوق»، المادة التقليدية كمادة انشائية في هذه الفترة، وتم استثمار وتوظيف خصائص هذه المادة بكثير من الكفاءة والاتقان والنظافة، فلون الاجر وملمسه وتغاير رصفه اعطت المباني خاصية الضوء والظل.

ـ استخدمت مادة «النورة» في الاسس، ومادة الجص السريع الثبات في البناء كمادتين لاصقتين «مونة» في جميع الابنية التي انشئت في هذه الفترة، كما استعملت مادة الاسمنت هي الأخرى في القوام الانشائي للمباني وفي عمل الخرسانة المسلحة.

ـ سادت التكوينات المعمارية «التماثلية» في جميع المباني، ويبدو ان هذه الصيغة المعمارية هي الصيغة المفضلة لدى جميع المعماريين الذين عملوا في العراق حينذاك.. وهذا يدل على مدى الخلفيات الكلاسيكية الراسخة لثقافتهم، كما يلاحظ الاهتمام المفرط والاضافي بواجهات المباني الامامية، وتكثيف العناصر التزيينية.

تأثيرات عديدة ومختلفة اما الدكتور خالد السلطاني فهو يرى ان هناك تأثيرات مختلفة، اثرت بشكل او بآخر في ابداعات المعماريين وفهمهم للعمارة في العراق خلال تلك الفترة ويقول:

بغية الوصول الى فهم وادراك عميقين للعمارة التي انتجت في العراق، ابان الفترة المحصورة بين الحربين، الاولى والثانية، لا بد ان نأخذ في عين الاعتبار تأثيرات عديدة ومختلفة، اثرت في محصلتها في ابداعات المعماريين الذين عملوا في تلك المرحلة.

ان الدراسة العميقة لهذه التأثيرات، واستجلاءها، تنطوي ـ في رأينا ـ على اهمية بالغة في فهم ووعي العمارة حينذاك.. ذلك لأن من دون معرفة قيم واساليب المعماريين الذين انتجوا هذه العمارة، وكذلك الافكار الرئيسية الكامنة في تصاميم هذه الابنية وخلفياتها، والتتابع الزمني في صياغة مختلف المعالجات المعمارية لها، وتأثير البيئة المحلية والظروف المناخية السائدة، من دون معرفة كل هذا وغيره من التأثيرات المهمة، تكون محاولتنا هذه محاولة بعيدة عن الروح العلمية من جهة، وتجربة تفتقر الى الناحية الموضوعية من جهة أخرى.

ويضيف: ان ثمة اربعة محاور رئيسية وجوهرية صاغت بمجملها واثرت تأثيرا قويا في العمارة في العراق، واول هذه المؤشرات يكمن في طبيعة وخصوصية العمارة في القطر قبل الاحتلال البريطاني، والاستخدامات الشائعة للمواد التقليدية، التي كانت سائدة في الابنية العراقية آنذاك.

اما المؤشر الثاني فيكمن في الترابط الحاصل بين هذه التكوينات المعمارية وعمارة بقية الاقطار العربية، ذلك لأن ثمة وجوها جوهرية واساسية تكمن في صميم المعالجات الفنية والمعمارية لمختلف الابنية الموجودة في الوطن العربي.

والمؤشر الثالث الذي اثر تأثيرا كبيرا في الاساليب المعمارية التي اتبعت في الفترة المعنية، يكمن في ثقافة وخلفية واساليب واهداف المعماريين الانجليز، الذين شغلوا المناصب الرفيعة في دوائر الدولة العراقية بعد تأسيسها، وقبلها، اثناء حكم الاحتلال.

المحور او المؤشر الاخير يتمثل في رصد المظاهر البارزة للسياسة الثقافية التي اتبعها الانجليز في الهند، التي وجدت تعبيرا لها في خصائص العمارة واتجاهاتها، ذلك لأن النشاط المعماري الذي قام به الانجليز في شبه القارة الهندية والاتجاهات المعمارية السائدة هناك، سوف يلقيان تأويلا وتطبيقا لهما في العراق.

المعماري كوبر إذاً، كان النشاط المعماري في تلك الفترة نشاطا واسعا ومتعدد الجوانب، فضلا عن تشييد وبناء مبان عامة وعديدة. ومن بين المباني التي انشئت في تلك الفترة، والتي تضمنت معالجات معمارية خاصة، مبنى «المقبرة الملكية» للمعماري الانجليزي «جي ـ بي ـ كوبر»، الذي خلف الميجر «اج ـ سي ـ ميسون» بعد انتهاء عقده، كمعماري للحكومة في سنة 1933.

عن هذا المعمار يقول الدكتور خالد السلطاني: بعد انتهاء عقد «الميجر اج ـ ميسون» كمعماري للحكومة في سنة 1933 خلفه معماري آخر في المنصب نفسه هو «جي ـ كوبر» وقد استفاد كوبر من خلال المعالجات المعمارية لتكوينات الابنية التي صممها كل من سلفيه «ميسون وولسون» من حيث استخدام المواد الانشائية المحلية والتراكيب الانشائية Jack Arching البسيطة التي تعتمد اساسا على طريقة الجدران الحاملة واسلوب «العقادة تسقيف الفضاءات» مدخلا في بعض الاحيان مادة الخرسانة المسلحة في القوام الانشائي، بصورة اوسع نسبيا من سابقيه. ومن اهم المباني التي صممها ونفذها «كوبر» في هذه المرحلة، بل من احسنها هو مبنى الضريح الملكي «المقبرة الملكية» في منطقة الاعظمية ببغداد، التي يتحدد تاريخ تصميمها وتنفيذها بين 1934 ـ 1936.

مشروع لم ينفذ لقد اختير موقع مبنى «المقبرة الملكية» في مكان بناية «الضريح المركزي» نفسه، العائد الى مجموعة مباني جامعة «آل البيت»، التي لم تنفذ في حينها، وعن هذه المباني يقول الدكتور خالد السلطاني: بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة وتتويج الامير فيصل بن الحسين ملكا على العراق في 23 اغسطس (آب) سنة 1921، نفذت ابنية جديدة، سواء بمضمونها ام بشكلها، لم تكن معروفة سابقا، ومن اوائل هذه المباني التي صممت في تلك الفترة «مجموعة ابنية جامعة آل البيت» وترجع فكرة بناء «جامعة آل البيت» الى سنة 1921، عندما خصصت للجامعة الاراضي الوقفية المعروف باسم «بستان الطلومية» وتألفت، في حينها، لجنة مهمتها متابعة بناء الجامعة سميت باللجنة التأسيسية، وذلك في يناير (كانون الثاني) 1922 من عراقيين واجانب فنيين برئاسة وزير الاوقاف محمد علي فاضل افندي، ومن جملتهم مستر كوك، مستشار الوزارة، والميجر ولسون، مدير الاشغال العامة.

يشمل مشروع الجامعة مجموعة من الابنية العديدة، مخصصة للكليات (الشعب كما كانت تسمى) وعددها ست، هي الشعبة الدينية، الشعبة الطبية، الشعبة الهندسية، شعبة الحقوق، شعبة الآداب، شعبة الفنون، فضلا عن القسم الاداري الذي دعي بـ«الصرح المركزي» واقسام داخلية للطلاب والاساتذة، ومنشآت خدمية ورياضية تفي بمتطلبات مبنى جامعة عصرية، ولم ينفذ من منشآت مجموعة مباني الجامعة سوى مبنى واحد الكلية الدينية، التي قامت وزارة الاوقاف بانشائها خلال سنتي 1922 ـ 1924.

موقع متميز عن موقع المقبرة يستكمل الدكتور خالد السلطاني حديثه قائلا: يعتبر اختيار هذا الموقع، موفقا جدا، من الناحية التصميمية، ضمن معايير تخطيط المدن، فالضريح يمثل النقطة النهائية للشارع الممتد امامه، الامر الذي اكسبه موقعا متميزا من النقاط المختلفة، وعلى طول امتداد الشوارع التي تحيط به.

وتجدر الاشارة الى ان اعتماد تخطيط كهذا للأبنية المهمة يعتبر عملا واردا ومعروفا في امثلة كثيرة في العمارة العالمية، فمبدأ التخطيط ذاته نراه في تصميم وتنفيذ الابنية الرئيسية لمدينة «نيودلهي»، اذ يعتبر قصر «نائب الملك» فيها بمثابة محصلة المنظر الممتد امامه، وكذلك نرى ذات المبدأ التخطيطي متبعا في ابنية قصر فرساي قرب باريس وغيرهما الكثير من الامثلة العالمية الأخرى.

نزعات كلاسيكية اذا كان هذا هو الحال في اختيار الموقع، فإن المبنى بصورة عامة يعكس النزعات الكلاسيكية والتقليدية لتوجه المعماريين الانجليز العاملين في العراق واساليبهم آنذاك، هذا ما يراه الدكتور خالد السلطاني في التكوين المعماري لمبنى «المقبرة الملكية» فهو يضيف: التكوين المعماري لمبنى «المقبرة الملكية» لا يراعي مختلف التطورات التي حدثت في العمارة العالمية في ذلك الوقت، وكأن مصممي الضريح الملكي بمنأى وبمعزل عن هذه التغيرات، اذ ما زالوا يعتمدون اساسا على القيم والاساليب ذاتها التي تعود الى القرن الماضي، و«كوبر» يستعيد في مبناه، هنا، بعض عناصر العمارة العربية، بيد انه يستخدمها بصورة آلية ونصية، وبالطرق نفسها التي استعملها المعمار العربي قبله بمئات السنين، من دون الاخذ بنظر الاعتبار التحولات الجذرية التي طرأت على اساليب العمارة، والتقدم التكنولوجي الذي شمل طرق الانشاء.

يعتمد التكوين المعماري لمبنى «المقبرة الملكية» على الصيغة التماثلية بغية الحصول على اكبر قدر من الهيبة والسيطرة والهيمنة للمبنى على مجمل المنشآت التي تحيط به، وهذه الخاصية التكوينية لها ما يبررها، كون الموضوعة الوظيفية للمبنى «كضريح» تتجاوب مع هذه الصيغة، فضلا عن ان اختيار شكل «القبة» لتسقيف فضاءات القاعات الثلاث، يؤكد التقليد الشائع في بناء مثل هذه الابنية من جهة، ومن جهة أخرى فإن استخدامها «اي القبة» يحمل في طياته دلالة معينة، من حيث انها ترمز الى حالة السكون المطلق والاستقرار والمركزية.

الوصف التكويني للمبنى مم تتألف المقبرة الملكية؟ وما هي المعالجات المعمارية التي استخدمها المعمار «كوبر»؟ وما هي العناصر التزيينية الداخلة في هذه المعالجات؟ يجيب الدكتور خالد السلطاني على ذلك فيقول:

يتألف المبنى من 3 اقسام رئيسية، ذات اشكال اسطوانية مسقفة من الاعلى بواسطة القباب.. وهذه الاجزاء متصلة في ما بينها بواسطة ممرات مسقفة، مفتوحة الجانبين.. ويبلغ ارتفاع القسم الوسطي العالي 5.22 متر ـ ما عدا ارتفاع المبخرة، التي في القمة، اذ يبلغ ارتفاعها مع قاعدتها ثلاثة امتار تقريبا، ويمثل هذا القسم مركز التصميم ونواته الاساسية، والذي يقع على مدخله العرضي مدخلان رئيسيان للضريح، في حين يصل ارتفاع القبتين اللتين تقعان على جانبي القبة المركزية الى حوالي 12 مترا.

عولجت الجهة الشرقية من المبنى بنوع من البذخ الظاهر تتناسب مع وظيفتها واهميتها، كونها الجهة الاساسية لمدخل المقبرة. فالباب الرئيسي محاط بايوان كبير ذي ارتفاع اعلى من ارتفاع الرواقين الممتدين على جانبيه، ان هذه المعالجة المعمارية لباب المقبرة تذكرنا بمعالجة مدخل مدرسة المستنصرية ببغداد 1228م، فهنا في الضريح، كما في المستنصرية، نرى ذات المبادئ الاساسية في التصميم المدخل من حيث احاطة الايوان العالي بالباب الرئيسي والتركيز عليه، من خلال ارتفاعه العالي نسبيا عن مستوى ارتفاع الجدران الممتدة جانبا، وكذلك في استعمال الزخرفة الاجرية.

يؤدي المدخل مباشرة الى القاعة المركزية الدائرية، التي تحيط بها من الداخل اثنتا عشرة فجوة عميقة في الجدار على شكل محاريب بعرض حوالي 170 سم وبعمق 200 سم تقريبا، وكسيت ارضية القاعة بطبقة من المرمر الابيض، وتتفرع من مركز القاعة الذي عمل على شكل نجمة ذات اثنتي عشرة زاوية، خطوط شعاعية متقطعة معمولة من قطع من المرمر الاسود، تؤدي الى مركز التجويفات (المحاريب)، وسقفت القاعة المركزية من الاعلى بقبة من الآجر، في حين عملت فتحات نوافذ مزدوجة تحيط بحذاء القبة من الاسفل.

أضرحة الملوك تقع على محوري المبنى اربعة ابواب متشابهة المعالجة والتفاصيل من الداخل، احدها باب المدخل الرئيسي والآخر للخروج، اما البابان الآخران فهما يؤديان الى الممرين المسقفين المكشوفي الجانبين، اللذين يصلان القاعة المركزية بالقاعتين الاسطوانيتين الواقعتين على يمين وشمال القاعة الرئيسية، والمخصصتين لمرقد الملكين فيصل الاول وغازي الاول، حيث يقع جناح مرقد الملك فيصل الاول في القبة الجانبية التي تقع على يمين الداخل، وفي نفس الجناح دفنت بجواره زوجته الملكة «حزيمة»، في حين يقع مرقد الملك غازي في القبة التي على يسار الداخل، اما في القاعة المركزية فقد دفن الملك علي وابنتاه الاميرة «جليلة» والملكة «عالية» زوجة الملك غازي وام الملك فيصل الثاني، وقد دفن جعفر العسكري ورستم حيدر في الفناء المكشوف الايسر، ودفنت مربية الملك غازي في الفناء الايمن.

بساطة متناهية ويواصل الدكتور السلطاني: تشير المعالجات المعمارية التي اتبعها المهندس في تصميم القاعة المركزية الى المشاعر الملائمة للصرح، فـ «كوبر» يختزل ادوات لغته المعمارية حد البساطة المتناهية، احيانا يصل بها حد الصرامة، سعيا لخلق فضاء معماري مليء بالرهبة والحزن يتلاءم مع الموضوع الذي بصددها، وهي مكان لمرقد الموتى، وهو يصل الى قوة التأثير هذه من خلال الجو اللوني للقاعة، فهي تعتمد اساسا على تضاد لوني الارضية المرمرية: الابيض والاسود، ولون الطابوق الباهت الاصفرار، وكذلك استغلاله للضوء القليل «المسكوب» من النوافذ العليا، فضلا عن اختصاره للعناصر التزيينية التي يستعملها داخل القاعة، فالزخرفة الاجرية ذات الخطوط المائلة الديناميكية، تقتصر فقط على قاع التجويفات، وتتضاد مع خطوط رصف الطابوق الافقية القاسية.

ويوظف المصمم خاصية التناسب لعناصر الفضاء الداخلي لزيادة التأثير على المشاهد Intezior، فالتجويفات «المحاريب» الممتدة طوليا الى الاعلى، واشكال اقواسها المدببة، والاختيار الموفق لتناسب عرضها القليل نسبيا ارتفاعها العالي، تكشف سعيا واضحا من قبل المصمم على تأكيد سيادة وسيطرة الخطوط العمودية لجميع عناصر المنظر الداخلي، الامر الذي يعيد الى الذاكرة خصائص المعالجات الفنية والمعمارية التي استخدمها معماريو العصر القوطي للوصول الى ذات الاهداف والمرامي بيد ان هذه العناصر هنا في الضريح الملكي «مقروءة» عربيا اذا صح التعبير.

واخيرا فان «كوبر» يكسب مبناه، مناخا لونيا تقليديا ومعبرا، يكمن في اكساء القباب الثلاث باللون الاخضر الشذري، وكذلك تلك المعالجات اللونية في اقواس الاروقة، فضلا عن اللون الاصفر الباهت المتأتي من شكل الطابوق المحلي الذي يتركه من دون معالجة تذكر.