انطلق اليوم أسبوع الموضة الراقية بباريس، وسط الكثير من التوقعات والآمال، لكن قبله بأيام كان للرجال أيضا أسبوعهم، الذي لا يمكن لأحد نعته بالممل أو العادي، بل العكس فقد كان مليئا بالجديد والمتنوع، في إشارة واضحة إلى أهميتهم في السوق. وهي حقيقة تعرفها معظم بيوت الأزياء، خصوصا أنها بدأت تفتتح محلات خاصة بهم في كل أنحاء العالم، وهذا يعني أن عروضهم هي الأخرى يجب أن تتناسب مع حجم هذه الافتتاحات، ولا بد لها من وسيلة لتسويقها. وكما نعرف ليس هناك أفضل من عروض أزياء مثيرة تشعل الرغبة في اقتنائها من جهة، وترفع من أسهم هذه البيوت من جهة ثانية. المهم أن تشكيلة الربيع والصيف للعام المقبل، 2010، تميزت بنعومة رجالية غير مسبوقة، من خلال أقمشة طيعة أخرج منها المصممون تصميمات تتباين بين المعقول، الذي يخاطب الرجل الكلاسيكي والسوق عموما، والمثير المبتكر الذي يخاطب الرجل الشاب، لكن القواسم المشتركة بينها كانت كثيرة، نذكر منها الراحة وحرية الحركة والتنوع. فهي خفيفة الروح والظل أيضا تتجنب الجسم ولا تقيده، ومن حيث التنوع، فقد كان الهدف منها عدم ترك أي ثغرة للرجل لكي يتذمر أو يقول إنها لا تخاطبه، لأنه حتما سيجد فيها شيئا يليق به. وهذا بالضبط ما جسدته تشكيلة دار «لانفان»، الذي قال مصممها الفني البير إيلباز «ليس هناك رجل واحد» الأمر الذي يفسر الأسلوب «الداندي»، الذي ظهر في أقمشة مترفة وتفاصيل مبتكرة حول الرقبة، كما يفسر الأسلوب الـ«سبور»، الذي تجلى في قمصان بنصف كم سهلة الاستعمال والتنسيق إلى جانب بنطلونات بقصات تتباين بين الضيق والواسع وبذلات تستحضر مظهر النجم الأميركي فريد إيستير. ثم جاء دور تشكيلة «ديور أوم»، التي فاجأ فيها المصمم الشاب كريس فان آش الحضور بقطع شابة وحيوية، تتميز هي الأخرى بالخفة، من خلال بنطلونات واسعة وصديرات مرنة وسترات بتصميمات وأطوال مختلفة، بعضها شفاف وبعضها الآخر قصد أن تظهر الحياكة منها حتى «يعرف الناس مدى الدقة والعمل فيها والجهد الذي تستغرقه للوصول إليه» حسب ما قاله. كانت هناك العديد من الطبقات، لكنها كلها بأقمشة طيعة تنسدل على الجسم بخفة وأناقة شبابية، فلا تغمره، بل العكس تضفي عليه رشاقة غير متوقعة، ربما لأنها تخفي الكثير من العيوب. على الأقل هي أرحم من التصميمات الضيقة جدا، التي لا تناسب سوى الرجل الصبياني أو مغني الروك اند رول. أما النتيجة التي تخرج منها في نهاية العرض فواضحة، وهي أنها لرجل شاب، متصالح مع نفسه ويتوخى الراحة أولا وأخيرا في المناسبات الصيفية. في دار «هيرميس» أكدت المصممة فيرونيك نيشانيان أن السر يكمن في التفاصيل. فهذه المصممة التي تحتفل بعامها الـ21 مع الدار الفرنسية العريقة، جعلت ما قدمت في الأسبوع الماضي يبدو سهلا فيه لمسة لامبالاة، حيث أرسلت العارضين بشعر مشعث وبنطلونات مثنية إلى أعلى، وكأن صاحبها ليس لديه الوقت لتقصيرها، لكن الحقيقة أنها كانت تحمل كل بصمات الرفاهية التي تتميز بها الدار، سواء من حيث الأقمشة التي تعترف المصممة أنها ملهمتها الأول دائما، أو من حيث احترامها لتقاليد الدار، إذ كان هناك الكثير من الجلود بألوان البيج والأخضر الزيتوني. فيرونيك من المصممات المخضرمات في مجال الأزياء الرجالية، لهذا كانت تشكيلتها تبدو سهلة لا تحتاج إلى فذلكة، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن البريطاني بول سميث، الذي له باع طويل في هذا المجال، فقد نجح أن يتحف الرجل بتشكيلة تكاد تطير في الهواء من الخفة، وهو ما أراده تماما بالنظر إلى الـ«تي ـ شيرتات» التي كتب على صدرها «دي ميراكل أوف فلايينغ» أو معجزة الطيران، لكن مع ذلك كانت القطع المطروحة واقعية وغنية بالسترات «البلايزر» وقمصان بياقات صغيرة وبنطلونات مقلمة ومعاطف مطر خفيفة وسترات بسحابات، فضلا عن كنزات صوفية عملية جدا. لكن الأكثر إثارة في الأسبوع، إلى جانب تغيير الاتجاه من الضيق إلى الواسع والمريح، تأثير الشرق على العديد من المصممين، الذين استقوا بعض القصات من الجلابيات أو السروال كما الألوان من الرمال بكل درجاتها. وهذا ليس غريبا إذا أخذنا بعين الاعتبار التأثيرات العربية والإسلامية في الغرب عموما وفرنسا خصوصا، بما في ذلك الجدل السياسي والديني. فالعديد من الوجوه العربية أصبحت جزءا من الثقافة الفرنسية ومن الصعب تجاهلها، مثل الممثل طاهر رحيم، والفنان عادل عبد الصمد، الذي كان بصحبة الملياردير فرانسوا بينو في بينالي البندقية، وكلنا يعرف أن فرانسوا بينو يملك العديد من بيوت الأزياء العالمية، مثل «غوتشي» و«بالنسياجا» وغيرهما.
أكثر من توجه إلى الشرق والعالم العربي، ريكاردو تيشي، مصمم دار جيفنشي، الذي صرح لجريدة «الهيرالد تريبيون» بأنه وجه أنظاره إلى «تاريخ المحاربين العرب وإلى المغرب»، لكن الملاحظ في تشكيلته حضور الشرق الأوسط أيضا من خلال نقوشات مشابهة للشماغ الخليجي بالأبيض والأسود، طرحها على شكل قبعات للرأس وقمصان بسحابات، إلى جانب السروال العربي الفضفاض الذي يضيق عند الركبة أو الكاحل. وربما يكون تيشي أكثر مغامر في هذا الأسبوع وأكثر من استعمل إيحاءات الشرق بطرق مباشرة بعد مزجها بالثقافة الغربية العصرية، وهو ما تعزوه سوزي مانكس من جريدة «الهيرالد تريبيون» إلى فورة الشباب وإلى رغبته في أن يحفر له مكانة مهمة في عالم الموضة. فهو لا يزال في مقتبل العمر ولا تزال أمامه الفرصة للتجربة والجرأة، حتى وإن لم ينس إرث دار «جيفنشي» من خلال بذلات باللون الأبيض أكدت انه مصمم متمكن من التفصيل كأي خياط في «سافيل رو» اللندني الشهير. والمؤسف أنه كان ينوي أن تشارك بعض القطع من هذه المجموعة في جولة الراحل مايكل جاكسون الغنائية المقبلة قبل أن يخطفه الموت فجأة، ومن تم كانت النقوشات العربية وقبعات «البايسبول» والقمصان ذات الذيول الطويلة. المظهر كان أشبه بأسلوب «الغرانج لكن عربي». مثله قرر البريطاني جون غاليانو أن يوجه أنظاره إلى الشرق، وبالتحديد إلى مصر وإلى فتوحات نابليون فيها، وإن كانت هناك تحية للورانس العرب أيضا. وكعادته كان الإخراج مبهرا وفانتازيا وكأنه عاصفة من إكسسوارات الرأس والزخرفات الفرعونية، مع العلم أن رجل غاليانو كان محاربا فرنسيا من جنود نابليون بونابرت لا يزال يحمل بين جوانحه عصر الفتوحات. من جهته رأى مصمم دار «كنزو» الإيطالي انطونيو ماراس أن تكون عاصفته رملية بالفعل، وهذا ما كان له، حيث غطيت المنصة بالرمال من قوارير ضخمة نصبت على جانبيها. الرحلة هنا كانت إلى قلب أفريقيا، ويقول انه استوحاها من مغامرات الرحالة بيير دي برازا. لعب فيها ماراس على ألوان الصحراء ونقوشات من طبيعتها مثل أشجار النخيل، التي زينت القمصان والكنزات الخفيفة المفتوحة بألوان الرمادي والبيج. وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست أولى رحلات انطونيو ماراس لافريقيا، فقد قدم منذ سنتين تقريبا تشكيلة رائعة للمرأة كانت عمامات الإفريقيات البطل فيها بلا منازع إلى جانب النقوشات الصارخة والمتضاربة، وكانت هناك أيضا تلال من الرمال على المنصة، مما يؤكد عشقه لهذه الوجهة. مصمم دار «إيسي مياكي» داي فوجيوارا رحل إلى مسقط رأس المؤسس، اسطمبول التركية، مما يفسر النقوشات التي تشبه الفسيفساء والألوان الغنية والسراويل الفضفاضة مع لمسات يابانية خفيفة في التفصيل والتصميم. أما النتيجة التي يستخلصها الواحد من أسبوع الموضة الرجالي لربيع وصيف 2010، ولو من خلال الصور، أن هناك تغييرا ملموسا في نظرتها إلى عوالم بعيدة ونظرتها للآخر، الأمر الذي كان يقتصر في ما مضى على الموضة النسائية، نظرة وكأنها تصالح وفتح صفحة جديدة معه من خلال غرف المصممين من شتى الإيحاءات الإثنية، التي تذوب في الأسلوب الغربي بشكل عصري وسهل.