اتهام موظف سابق بسرقة شفرة «الصندوق الأسود» لمصرف غولدمان ساكس

برنامج الكومبيوتر يساوي ملايين الدولارات ويستخدمه البنك في تنفيذ التداولات مرتفعة القيمة

TT

إنه ليس جون ديلينغر، ولا العدو رقم 1 للبلاد. ومع ذلك، تمكن سيرغي ألينيكوف من رسم خطة بارعة لسرقة أحد المصارف، الأمر الذي نجح في تنفيذه دون استخدام سلاح ناري أو حفر سرداب، حسبما أفادت السلطات.

بدلا من ذلك، اخترق ألينيكوف أسرار «غولدمان ساكس»، طبقا لما أعلنه عملاء فيدراليون أميركيون.

حتى بضعة أسابيع ماضية، كان ألينيكوف، 39 عاما، مبرمج حواسب آلية في «غولدمان ساكس»، إحدى أبرز مؤسسات وول ستريت. إلا أنه على امتداد خمسة أيام مطلع يونيو (حزيران)، سرق ألينيكوف، حسب تصريحات السلطات، شفرة برامج «الصندوق الأسود» المعنية بالملكية التي يستخدمها المصرف في تنفيذ التداولات مرتفعة القيمة داخل الأسواق المالية. ويعتقد الخبراء أن قيمة هذه البرامج ربما لا تقدر بمال. لكن ألينيكوف لن تواتيه فرصة استغلال هذه الأسرار، حيث ألقى ضباط فيدراليون القبض عليه مساء الجمعة الماضي لدى هبوطه درج إحدى الطائرات بمطار نيوارك ليبرتي الدولي. من ناحيته، نفى ألينيكوف الاتهامات الموجهة إليه بسرقة أسرار تجارية وتسريبها إلى الخارج. وتسلط القضية، حسب التفصيلات الواردة في الشكوى الفيدرالية المقدمة أمام محكمة الضاحية الجنوبية في نيويورك، الضوء على تقنية تصل قيمتها إلى عدة ملايين من الدولارات يجري الاعتماد عليها على نحو متزايد من جانب أكبر المصارف العالمية بهدف ضمان التفوق داخل الأسواق المالية. من جهتها، لم تفصح «غولدمان ساكس» سوى عن القليل من المعلومات بشأن برامجها التجارية، لكن الوثائق المقدمة إلى المحكمة بخصوص القضية تشير إلى أن الشفرة التي يشتبه أن ألينيكوف سرقها سمحت للمصرف «بتنفيذ تداولات معقدة بالغة السرعة والحجم داخل العديد من أسواق الأسهم والسلع». وأضافت الوثائق أن برنامج الحاسب الآلي الذي تدور بشأنه القضية حقق «أرباحا تقدر بعدة ملايين من الدولارات سنويا» للمصرف. جدير بالذكر أن ألينيكوف انضم إلى فريق العمل بالمصرف في مايو (أيار) 2007، وعمل نائبا لرئيس شؤون استراتيجية الأسهم العادية، لكنه أعلن استقالته بعد ما يزيد قليلا على عامين. وأخبر رؤساءه في «غولدمان ساكس» أنه ينوي الانضمام إلى شركة جديدة للتداول، ذكرت الكثير من التقارير الصحافية أن مقرها شيكاغو. وادعى أنه سيتقاضى ثلاثة أضعاف راتبه في «غولدمان ساشز» البالغ 400 ألف دولار. تشير أوراق الشكوى الفيدرالية إلى أنه قبيل رحيله عن المصرف، استغل ألينيكوف الكومبيوتر الخاص به داخل مكاتب «غولدمان ساكس» في نيويورك لرفع شفرة إلى موقع إليكتروني يستضيفه جهاز خادم مقره ألمانيا. وفي وقت لاحق، حمل ألينيكوف الملفات التي سبق أن رفعها على كومبيوتره الشخصي بالمنزل والكومبيوتر النقال الذي يملكه وجهاز ذاكرة إليكترونية. وتم ضبط ألينيكوف عندما لاحظ المصرف حدوث زيادة كبيرة في كمية البيانات المتدفقة من أجهزته الخادمة ـ ورغم براعته الفائقة كمبرمج والراتب الكبير الذي يتقاضاه، تم تسجيل نشاطاته رغم محاولاته مسح أوامر البرمجة التي أصدرها نظرا لاحتفاظ «غولدمان ساشز» بسجلات مساندة. عند مواجهة المحققين الفيدراليين له داخل مطار نيوارك، أصر ألينيكوف، الذي حصل على المواطنة الأميركية بعد هجرته إلى البلاد من روسيا ويعيش حاليا في نيو جيرسي، على أنه كان يسعى لجمع ملفات «مفتوحة المصدر» عمل عليها، ولم يدرك أنه نسخ ملفات أكبر مما كان ينوي سوى في وقت لاحق. يوم الاثنين، رفضت «غولدمان ساكس» التعليق علانية على محاولة السرقة. إلا أن مصدرا مطلعا أشار إلى أن المصرف منذ ذلك الوقت «أمن أنظمته». وشدد هذا المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته نظرا للطبيعة السرية للبرامج، على أن محاولة السرقة لم تخلف أي تأثير على النشاط التجاري للمصرف أو أي من عملائه. على الجانب الآخر، وخلال مرافعته أمام المحكمة في مانهاتن في 4 يوليو (تموز)، أوضح جوزيف فاتشيبونتي، وكيل وزارة العدل، أمام قاض فيدرالي أن سرقة ألينيكوف المزعومة شكلت مصدر تهديد للأسواق المالية الأميركية، وأن أشخاصا آخرين ربما يصادفون نجاحا في تنفيذ ذلك، طبقا لما ورد في نشرة «بلومبرغ» الاقتصادية. وقال فاتشيبونتي أمام المحكمة إن «المصرف زاد احتمالية وقوع خطر إقدام شخص على معرفة بكيفية استخدام هذا البرنامج على استغلال الأسواق على نحو غير عادل. لا تزال النسخة التي نقلت إلى ألمانيا موجودة هناك، ولا نعلم من اطلع عليها»، طبقا لما أفادته «بلومبرغ». من ناحيته، أعرب بروس تشنير، رئيس شؤون الأمن التقني داخل «بريتيش تيليكوم» وخبير شؤون أمن الحواسب الآلية، عن اعتقاده بأن هذا النمط من الجرائم المتعلقة بالشركات ـ والذي يدور حول موظف سابق يرحل عن شركته وبحوزته بيانات لا يحق له الاستحواذ عليها ـ يقع بصورة متكررة. إلا أنه استطرد موضحا أن أنظمة «غولدمان ساكس» عملت على نحو جيد في التصدي لألينيكوف. وقال: «هذا مثال على نظام ناجع للضبط والاستجابة». في المقابل، أعرب خبراء بمجال الحاسب الآلي عن حذرهم حيال قيمة الشفرة خارج المصرف. على سبيل المثال، قال بيتر نيكولسكو، أحد الشركاء في «كابيتال ماركت ريسك أدفيزرز»، وهي شركة استشارية متخصصة بمجال إدارة المخاطر وأسواق رأس المال، إن التداول اعتمادا على الحواسب الآلية أصبح أحد العوامل المحركة وراء نمو العائدات داخل المصارف واكتسب أهمية متنامية على امتداد السنوات العشر الأخيرة. لكنه أضاف أن سرقة شفرة التداول الخاصة بمصرف ما لا تضمن بالضرورة تحقيق الثراء، لأن استغلالها من مكان آخر ليس بالأمر اليسير بدون الاطلاع على قواعد البيانات الخاصة بالمصرف أو الصلات الاليكترونية الخاصة بالعملاء، على سبيل المثال. وأكد أنه «إذا ملكت الشفرة، لكن بدون قاعدة البيانات، تصبح قيمتها محدودة. ليس من اليسير نقل الشفرة وإدارتها من مكان آخر». وقال تشنير «بالتأكيد، يبقى من المحتمل أنه حال معرفتك بما يفعله الكبار، يمكنك توقع ما سيحدث وجني المال». وأضاف أنه حال عرض البرنامج المسروق على مصرف منافس داخل الولايات المتحدة، الاحتمال الأكبر أنه كان سيبلغ الشرطة. لكن البائع ربما يحالفه حظ أفضل في الخارج. وقال «قيمته داخل الولايات المتحدة أدنى بكثير عما تظنونه، لكن في الدول التي ينعدم فيها القانون، ربما تكون له قيمة».

* خدمة «نيويورك تايمز»