حاكم البنك المركزي اللبناني: إذا استمر الاستقرار سيقفز النمو إلى 6%

رياض سلامة في حوار لـ«الشرق الأوسط»: أزمات لبنان جعلته يخسر المليارات.. والأعمال والإصلاحات مدخل معالجة ديونه

رياض سلامة («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أيام دشن رياض سلامة عامه السابع عشر حاكما للبنك المركزي اللبناني. هذا إنجاز غير مسبوق ليس في مدته فحسب، بل في الإجماع السياسي الذي حققه حول جدارته للمنصب الذي لم يطلبه بل طلبه إليه الرئيس الراحل رفيق الحريري مع تأليف أولى حكوماته عام 1993 بعدما «مان عليه» لترك عمله واحدا من كبار مؤسسة «ميريل لينش» في عز تموضعها واحدة من أكبر الشركات المالية والاستثمارية في العالم. وجدد ولايته خلفه في رئاسة الحكومة الدكتور سليم الحص عام 1999. ثم جددها ثانية خلفه بعد الاستشهاد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عام 2005. وهي الولاية الحالية الممتدة حتى منتصف 2011.

الثقة الداخلية الجامعة بناها الحاكم إنجازات قياسية في زمن قياسي. بنك مركزي مستقل، أداء مميز في ظروف صعبة وخطيرة تداخلت فيها كل أنواع الأخطار الأمنية والسياسية على الساحة المحلية. وارتفعت حدة الانقسامات إلى مستويات سياسية وحتى مذهبية أنذرت بإطاحة كل مقومات الكيان.

احتياطي العملات الصعبة كاد ينضب. وهو الآن يكسر، كل أسبوعين، عتبة قياسية جديدة ويقترب من مساواة الناتج المحلي البالغ 30 مليار دولار أميركي. قطاع مصرفي منهك لا تتجاوز أصوله المجمعة 6 مليارات دولار، هو الآن من أنشط القطاعات المصرفية العربية بموجودات تخطت عتبة المائة مليار دولار وبانتشار خارجي نوعي وواعد. والأهم يخرج، مع البلد والاقتصاد الوطني، سليما معافى ـ بل يحقق نسب نمو قياسية ـ بمواجهة أعتى أزمة مالية تضرب العالم بأكمله اقتصادات وأسواقا وأصولا مباشرة وتداعيات.

استحق بجدارة كل التكريم في المنتديات الإقليمية والدولية. وكل الجوائز الممنوحة من أكبر المؤسسات الدولية. يتصدرها حصد ألقاب أفضل محافظ بنك مركزي عربي ثم شرق أوسطي ثم عالمي. وهو لا يزال هو، مسكونا بأهداف يبتكر لأجلها السياسات والهندسات، ومهووسا بعالمية الصنعة المصرفية ومعاييرها، وساعيا بقوة لجمع الجهود وتقريب الرؤى بما يوصل إلى عملة عربية موحدة تتوج التعاون والانسجام القانوني والعملي والمؤسساتي.

بعض هذه السياسات والهواجس والتطلعات كانت محاور المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» مع الحاكم. وهنا الوقائع:

* عنوان سياستكم البارز والدائم هو الاستقرار النقدي، إلى أي حد ما زلتم تعتبرون هذا العنوان ملائما لبلد يفتقد فعليا ركائز الاستقرار العام؟

ـ الاستقرار كان ولا يزال عنصرا أساسيا في سياستنا النقدية. وغايته بناء الثقة وتعزيزها ضمن ثلاثة أهداف رئيسية؛ أولها استقرار سعر صرف العملة الوطنية. وثانيها سلامة القطاع المصرفي وتمكينه من الاستمرار في كل الظروف. أما ثالثها فهو تلبية القدرة الائتمانية للدولة اللبنانية وتأمينها.

هذه العناصر مجتمعة التي تم دعمها بما ابتكرناه من هندسات مالية تباعا، عززت الثقة وأمنت الاستقرار، كما وضعت القطاع المصرفي في موقع مستقل ومحايد عن الوضع السياسي الداخلي وأحيانا عن الوضع الاقتصادي العام.

* لماذا لا تمتد سياسة الاستقرار إلى عملة ثانية كاليورو باعتبار أن أغلب المستوردات اللبنانية تأتي من أوروبا؟

ـ البنك المركزي يستخدم احتياطاته لدعم السوق أو استقطاب فوائض العملات الأجنبية فيه، والسوق تاريخيا تتعامل بالدولار الأميركي. وهذا ما نحافظ عليه، لأن أي تغيير يحتاج إلى مجهود كبير في ذهنية الأسواق والمتعاملين فيها، كما أن الدولار هو العملة الأكثر رواجا في المنطقة والعالم والعملة الأساسية في التجارة الدولية.

أما بالنسبة إلى الاستيراد، فإن تمويله يتم من خلال المصارف الخاصة، والتجار المعنيون يأخذون على عاتقهم مهمة حماية عملياتهم من تقلبات الأسواق والعملات. وعموما إذا كان من أثر تضخمي لتقلبات اليورو، فهو محدود وغير مؤثر، حيث نتوقع أن لا تزيد نسبة التضخم عن 4 في المائة هذا العام وفق تقديراتنا. بينما كانت قد تجاوزت 10 في المائة مطلع صيف العام الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط وليس تقلب العملات.

* لعل هذه السياسة النقدية كانت من العناصر الحاسمة في خروج لبنان ومصارفه بسلام من الأزمة المالية الدولية وتداعياتها، إلا أن هناك ضغوطا متواصلة من مصادر داخلية (الأزمات المتواصلة). كيف تقيمون هذه المعادلة؟

ـ حقيقة، كانت نسبة النمو ضئيلة وأقرب إلى الصفر في الأعوام 2005 و2006 و2007. وذلك عائد لأحداث أمنية وسياسية، بدءا من جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم العدوان الإسرائيلي التدميري صيف 2006 الذي كانت له آثار سيئة جدا على الاقتصاد اللبناني. وتلته الأزمة السياسية الداخلية وأزمة المؤسسات الدستورية (رئاسة الجمهورية ـ معارضة الحكومة). وفي تقديراتنا أن الناتج المحلي فقد نحو 6 مليارات دولار في هذه السنوات (أي ما يوازي 20 في المائة)، وهو يبلغ حاليا 30 مليار دولار بعد التقدم الذي حققه عام 2008 الذي شهد نصفه الأول أيضا امتدادا للأزمة السياسية والأمنية حتى عقد اتفاق الدوحة. وكان يجب أن يكون الناتج حاليا بحدود 36 مليار دولار لو لم نخسر النمو في السنوات الأخيرة، أي تكلفة هذه الأزمات.

لكن الأخطر من ذلك برأينا، أن الهجرة التي تسببت بها هذه الأزمات لم تشمل الأفراد فقط، بل المؤسسات الإنتاجية، أو سدت الطريق أمام دخول رساميل ومؤسسات إضافية. وهي تكلفة لا يمكن عمليا احتسابها بما في ذلك تصور المشروعات التي كان يمكن أن تقيمها أو تطورها داخل البلد.

من هنا، فإن الاستقرار السياسي والأمني هو عامل حاسم وأساسي للنمو الاقتصادي الطبيعي.

* هل نعود اليوم إلى التأزم ربطا تأليف الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري؟

ـ حاليا الأسواق في حال ارتياح بعد إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية وإقرار جميع الفرقاء بنتائجها. فقد اختار اللبنانيون من يريدون بطريقة ديمقراطية. وهذا ما كان له دفع لزيادة زخم انسياب التحويلات الخارجية وتهيئة المناخ لموسم سياحي متميز. ولهذا الموسم الصيفي أهمية خاصة تاريخيا في تنشيط الاقتصاد اللبناني.

أما بالنسبة إلى تأليف الحكومة، فالمعتاد أن يأخذ بعض الوقت، وربما أسابيع لإجراء المشاورات اللازمة. ونحن، كما الأسواق، نعتبر أننا ما زلنا ضمن المهلة الطبيعية.

لكننا نأمل تسريع التأليف لأننا بحاجة إلى إصلاحات اقتصادية أساسية وإلى إيلاء اهتمام مطلوب بإلحاح لتطوير البنية التحتية ورفدها بمشروعات تنموية جديدة. إذا أردنا أن نضع الاقتصاد على سكة النمو الصحيح والمستدام.

هذا أمر مهم، خاصة أن الرئيس المكلف يضع في أولوياته، كما ذكر مرارا، الموضوع الاقتصادي، وهذا ما نرحب به كرافعة إضافية للنمو.

* معلوم أن الدين العام البالغ نحو 50 مليار دولار يشكل مركز الثقل في الأزمة الاقتصادية، وما حصل في العالم يمنع تكرار مؤتمرات الدعم الدولية، (باريس1 و2 و3). فهل حان الوقت لمؤتمر بيروت الأول الذي يؤمن التوافق الوطني لوضع المشكلة على سكة المعالجة الموضوعية؟

ـ واقعيا لا يشكل مخزون الدين العام خطرا مباشرا على الاقتصاد أو على الاستقرار لأن الكتلة النقدية المتوافرة في الأسواق والودائع المصرفية قادرة على استيعابه وتجديد آجاله.

وفي اعتقادنا، أن نمو الناتج المحلي يجب أن يكون الأولوية في الاهتمام، كونه السبيل لتخفيف ثقل الدين على الاقتصاد، وطالما حقق الناتج نموا أعلى من نمو كتلة الدين نكون على الطريق الصحيح.

وتبعا لذلك، نحن نرى حقيقة، أن المطلوب أولا تأمين التوافق على ضبط العجز السنوي في الخزينة والموازنة العامة. من خلال اعتماد برنامج جدي لخفض هذا العجز شبيه بالبرنامج الذي التزمناه، كحكومة، في مؤتمر «باريس 3» أو تطويره بتعديلات مناسبة. وهذا الأمر يجب أن يتم عبر الحكومة الجديدة، خاصة إذا كانت جامعة وتمثل كل الأطراف الأساسية. وبمجرد أن تشعر الأسواق بوجود توجه جدي لمعالجة العجز السنوي وتقييده، ستحدث صدمة إيجابية من شأنها توجيه الحركة إلى مزيد من الخفض في الفوائد وبالتالي تخفيف جزء من أعباء الدين وتكلفته.

* هل تشكل الأملاك العامة مصدرا موازيا لمعالجة الدين من خلال إدارة متكاملة للموجودات والمطلوبات؟

ـ إذا لم تشرع الحكومة في معالجة عبر الموازنة أولا، فإن أي تصرف بأي ملكية عامة لن يحمل مفاعيل مهمة على كتلة الدين وستذوب هذه المفاعيل خلال سنة أو سنتين.

وأود التذكير في هذا المجال، أنه بعد مؤتمر «باريس 2»، تم تغطية نحو 2.5 مليار دولار من كتلة الدين لقاء مساهمات مباشرة من دول ومؤسسات عربية ودولية. كما ساهم القطاع المصرفي المحلي بتأمين قروض ناهزت 3.7 مليار دولار بفائدة «صفر» في المائة لمدة سنتين، إضافة إلى ما قمنا به كبنك مركزي، ما رفع مجموع عملية الاستبدال والدعم إلى نحو 7 مليارات، وكانت الحصيلة مفاعيل إيجابية مؤقتة ما لبثت أن اندثرت ليتراجع بعدها تصنيف القدرة الائتمانية للبنان. لا بد إذن من مبادرات إصلاحية تسبق أي تصرف بالموجودات. فالتجربة أثبتت الحاجة إلى ضمانات.

أما لجهة الإدارة المستقلة للدين والموجودات، فلا نعتقد بوجود حاجة ملحة لها، فالدين في عهدة الدولة ويتم احتسابه في الإجمال، حتى لو كان لدى مؤسسة تملك أصولا مقابلة، وربما الأفضل عدم المواربة في هذا المجال.

* في هذه الحال كيف يتم تمويل تطوير البنية التحتية، ما دام الدين وخدمته يستهلكان معظم واردات الموازنة؟

ـ هناك اعتمادات وبرامج حاضرة من مؤسسات وصناديق عربية متخصصة بالتمويل. وهي تتقبل طرح مشروعات تنموية جديدة. كذلك من الممكن أن يكون القطاع الخاص شريكا.

* تبعا لما تقدم، ما تقديركم للنمو الاقتصادي هذا العام؟

ـ إذا استمر الاستقرار السياسي والأمني، ولم يصطدم تأليف الحكومة بعراقيل جدية، فإننا نتوقع أن يقفز النمو العام فوق مستوى 6 في المائة هذه السنة مقابل نسبة تضخم لا تزيد عن 3 في المائة.

ومن المؤشرات المشجعة، فائض ميزان المدفوعات الذي بلغ حتى نهاية مايو (أيار) نحو 1.65 مليار دولار. ونتوقع أن يصل إلى 3.5 مليار دولار نهاية العام الحالي، وهذا ما يسقط مقولات بعض المؤسسات الخارجية التي توقعت تراجع التحويلات إلى لبنان.

وفي القطاع المصرفي بلغت نسبة نمو الودائع على أساس سنوي حتى نهاية الشهر الخامس نحو 20 في المائة تمثل أكثر من 15 مليار دولار. وخلال العام الحالي وحده تبلغ حاليا نحو 15 في المائة كمتوسط سنوي محقق في النصف الأول.

كذلك فإن موجودات البنك المركزي من العملات الأجنبية السائلة تتجاوز حاليا 23.5 مليار دولار. وهذا رقم قياسي غير مسبوق من دون احتساب احتياط الذهب البالغة قيمته نحو 8.5 مليار دولار حسب الأسعار الحالية.

هذه العوامل، مضافا إليها الموسم السياحي المزدهر والمؤشرات القطاعية الأساسية، تشكل معا رافعة قوية للنمو ولدعم الاستقرار في الأسواق النقدية والمالية.

* احتياطي العملات يقترب من مساواة الناتج المحلي. أي إشارة يرسلها ذلك إلى الأسواق والمستثمرين؟

ـ هذا الواقع بدأ فعليا يحفز شركات التصنيف الدولية لإعادة النظر تكرارا وبإيجابية في تقييمها للاقتصاد والوضع المالي، لكن المؤشرات ذات العلاقة بالعجز والدين العام لم يطرأ عليها أي تحسن جدي مفيد لمزيد من الإيجابية في التقييم.

* قفزت موجودات القطاع المصرفي المحلي فوق عتبة 100 مليار دولار بما يفوق كثيرا القدرات الاستيعابية للاقتصادي الوطني، كيف تنظرون إلى كسب الهوية الإقليمية للمصارف اللبنانية؟

ـ حاليا تشكل مداخيل المصارف اللبنانية من الأسواق الخارجية، خاصة العربية منها التي مدت انتشارها إليها نحو 20 في المائة من مجموع مداخيلها. ونحن ندعم تنمية الوجود والانتشار الخارجي للوصول إلى نسبة مداخيل توازي 50 في المائة، أي مساوية لمداخيل السوق المحلية. وهذا ما يكسب المصارف فعليا صفة الإقليمية بمعناها الحقيقي، هذا التوجه قيد البناء حاليا، لكن تحقيقه يحتاج إلى عدة سنوات، وكنا نأمل أن يتم ذلك خلال 5 سنوات، لكن ما أفرزته الأزمة المالية الدولية من تداعيات وتباطؤ في النمو أدت إلى إبطاء هذا التوجه نسبيا من دون أن يغير مساره، وهو ينمو بوتيرة مرضية سنويا.

* هل تشجعون الاندماجات عبر الحدود لتسريع الوصول إلى هذا الهدف؟

ـ في السوق اللبنانية لا نضع أي ضوابط لجهة ملكية البنوك حتى حدود 100 في المائة. أما الدمج في المنطقة وعبر الحدود، فإن دونه صعابا موضوعية، مردها عدم وجود تشريعات موحدة أو متشابهة في التنظيم والرقابة والملكية أيضا. ولا توجد أيضا معايير موحدة لإدارة القطاعات المصرفية العربية تضع السلطات المختصة في موقع المطلع الدائم وبشفافية تامة على مجرى الأمور. هناك عمليات شراء عبر الحدود لكن لا توجد عمليات دمج. أما في داخل لبنان فلدينا سوق حرة ومنفتحة، وموافقتنا أو عدمها على شراء أي مستثمر أو مصرف خارجي لمصرف محلي، تتم على أساس كل حالة على حدة مع احترام أهداف العملية واستراتيجيتها.

* في البعد المصرفي العربي، لماذا لا تعملون على إنشاء شبكة دفع مصرفية عربية مستقلة وشركة تقاص على غرار ما أنجزه الصينيون؟

ـ حاليا الإمكانات التقنية متوافرة، وهذا التوجه يتم البحث فيه ضمن إطار صندوق النقد العربي ويفترض أن يتولى حكام ومحافظو البنوك المركزية العربية دعم هذا التوجه في إطار الجمعية العمومية لصندوق النقد التي يتوقع انعقادها في سبتمبر (أيلول) المقبل.

نحن نعتقد، أنه توجد حالة حقيقية وموضوعية لوجود شركة تقاص عربية وإجراء تسويات التبادل التجاري بالعملات الوطنية. لأن هذا الأمر يعزز حجم التجارة البينية العربية، كما يشكل حجر الأساس الأسلم لعملة عربية موحدة كمرجعية تجارية وكعملة تداول، ليس فقط لتنمية التبادل التجاري، بل كونها أثبتت جدارتها كملاذ للخروج من أزمات طارئة عبر اللجوء إلى الأسواق الداخلية لتفادي الانهيارات، وهذا ما حققته الصين حيث عزلت اقتصادها نسبيا عن التأثيرات الواردة من أسواق خارجية.

كذلك، فإن العملة الموحدة أداة لإنقاذ القطاع المالي في الحالات الطارئة، وهذا ما أثبتته وقائع الأزمة المالية في أميركا وأوروبا وبريطانيا، حيث تم ضخ السيولة المطلوبة من خلال عملاتهم الوطنية المعتمدة دوليا. لا بد من الإقرار بأن المشوار لبلوغ العملة العربية الموحدة طويل نسبيا. وله ارتباط بتنسيق الموازنات والعجوزات ونسب النمو كذلك احترام الأبعاد السياسية والاقتصادية. لكن الأهم أنه إذا أردنا بناء اقتصادات أقوى وأوضاع اجتماعية أفضل، فلا بد من إجراء تغييرات أساسية تطال المقاصة المشتركة والعملة وتقارب الأسواق المالية، وقد تكون الأزمة المالية الدولية محفزا قويا لتطوير التفكير والإنجاز في هذا المجال.

نحن نتوقع تقديم مشروع جدي خلال اجتماعات صندوق النقد العربي بعد شهرين. وسنكون في طليعة المؤيدين لكل ما يخدم هذا الهدف. والبنوك المركزية هي المعنية أكثر من غيرها بهذا الملف، بما في ذلك توحيد أنظمة الدفع. ولدينا جهوزية في لبنان من خلال مشروعي «سبيل» و«سيتي» اللذين نديرهما.

وينبغي الأخذ في الاعتبار أن مجمل الأنشطة المصرفية في العالم تخضع لما يشبه التشريع الدولي الموحد. ولا يمكن لأي تجمع أو دولة الخروج عن المعايير الأساسية لهذه التشريعات، وإلا فإنها تتحمل عواقب من شأنها التأثير في التعاملات الدولية لنظامها المصرفي ولمؤسساته.

وبالتالي فإن أي نظام عربي للمدفوعات يجب أن يتوافق مع المعايير الدولية، خاصة منها الصادرة والمعتمدة من المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن.

المصارف تنمو بقوة، لكن نمو تسليفاتها يسير ببطء. كيف يمكن تنمية التمويل وعمليات الإقراض؟

من المفهوم أن تنكمش عمليات التمويل والإقراض في ظل اضطراب سياسي أو أمني. فالمخاطر ترتفع ومن واجب المصرف الحفاظ على سلامة أعماله وتوظيفاته. ومع الاستقرار تندفع المصارف للتسليف ونحن نشجعها في كثير من المجالات. وأخيرا اعتمدنا سلسلة تعاميم جديدة هدفها حفز التمويل للمشروعات والأعمال الجديدة بفوائد مدعومة ولقاء تحرير مبالغ موازية من الاحتياط الإلزامي. ويشمل ذلك أيضا توسيع أنشطة ومشروعات عاملة. كما يشمل تمويل التعليم العالي والأبحاث والدراسات، فضلا عن المشروعات البيئية وما يقع في نطاقها.

إن الإمكانات المتوافرة في القطاع المصرفي تزيد عن الحاجات الائتمانية. ولديه الخبرات والكفاءات كما يتمتع برساميل وأموال خاصة ترفع متوسط نسبة الملاءة إلى 12 في المائة مع تطبيق متطلبات بازل «1و2». فيما المطلوب بموجب هذه المتطلبات نسبة 8 في المائة.

* سؤال أخير، تملكتم مصارف تعرضت لتعثر قبل بيعها مجددا للقطاع الخاص بعد إعادة هيكلتها من دون أي ضرر للمودعين، بل حققتم أرباحا. ماذا عن شركة طيران الشرق الأوسط (ميدل إيست) التي تملكها البنك المركزي قبل سنوات لأسباب مشابهة؟

ـ نحن في المبدأ ملتزمون أيضا بعدم الاحتفاظ بملكيتنا لأسهم الـ«ميدل إيست» كذلك أسهم حصتنا في شركة «إنترا» للاستثمار. وقد التزمنا ذلك صراحة في مؤتمر «باريس3» ضمن التزامات البرنامج الإصلاحي.

وكدنا نشرع في تنفيذ هذا الالتزام من خلال بيع أول لنسبة 25 في المائة من الأسهم عبر طرحها في البورصة. لكن الأحداث المتتالية سياسيا وأمنيا أحيانا في لبنان دفعتنا إلى تأخير التنفيذ. ثم جاء انفجار الأزمة المالية الدولية وما أفرزته من تداعيات مؤثرة في الأسواق وأسعار الأصول، لتدفعنا إلى تأجيل إضافي. وهذا ما نصحتنا به المؤسسات الاستشارية التي أعدت الملف وقامت بتقييم الأصول العائدة للشركة.

هذا الموضوع حيوي ومهم للغاية بالنسبة إلينا. نحن نتحدث عن شركة ناجحة بكل المعايير وذات سمعة إقليمية ودولية مرموقة في عالم الطيران. وقد دعمنا بقوة كل خطوات التطوير والتحديث التي قادها رئيس الشركة محمد الحوت وفريق عمله، بما في ذلك تجديد الأسطول وشراء طائرات حديثة. إنها تساوي مئات ملايين الدولارات، إن لم نقل أكثر.

لذا فإن التزامنا بعملية البيع جزئيا أو كليا يخضع لاعتبارات مهمة للغاية، بينها قابلية الأسواق لعمليات من هذا النوع وهذا الحجم. كذلك ينبغي التنبه إلى وظيفة الشركة كناقل وطني. وهذا عامل حيوي للبلد وطنيا واقتصاديا. وليس من الوارد البيع لأية جهة لا تأخذ هذا العامل بالاعتبار والاحترام. فهذا الدور يوازي أهمية سعر الأصول، وسيكون حكما في رأس العوامل المقررة عندما نجد أن المناخات السوقية مواتية للبيع.