تحرك خليجي لمحاصرة قرار هندي يفرض ضمانا مصرفيا للعمالة المنزلية

الحكومة الهندية تقر حدا أدنى لرواتب عمالتها في الخليج لا يقل عن 266 دولارا

TT

علمت «الشرق الأوسط» أن دول مجلس التعاون الخليجي بدأت تحركا سريعا للتعامل مع قرار الحكومة الهندية الأخير والقاضي بتحديد حد أدنى لأجور العمالة المنزلية لا يقل عن 266 دولارا أميركيا، بالإضافة إلى ضمان مصرفي قدره 2500 دولار أميركي، وذلك للعقود الجديدة فقط.

وقالت مصادر خليجية مطلعة إن أسباب التحرك الخليجي باعتبار أن القرار الهندي الجديد، سيرفع من تكاليف استقدام العمالة الهندية، بالإضافة إلى أنها المرة الأولى التي يتم تحديد حد أدنى للأجور في الدول الخليجية، وسيفتح الباب أمام قطاعات أخرى غير العمالة المنزلية للانضمام لهذا القرار نفسه، كما أنه أيضا سيدفع عددا من الدول الأخرى المصدرة للعمالة، لأن تحذو حذو الهند، «وهو ما سيؤدي إلى فوضى كبيرة في سوق العمل الخليجية»، وفقا للمصادر.

وفيما استبعدت المصادر أن تبحث الدول الخليجية مجتمعة كيفية محاصرة هذا القرار، قالت المصادر ذاتها أن عددا من دول مجلس التعاون الخليجي شرعت في اتصالات مع الحكومة الهندية لمعرفة تفاصيل هذا القرار الذي اتخذ دون تنسيق مع الدول المستقبلة للعمالة. وبررت الحكومة الهندية فرض الضمان المصرفي لعمالتها في الخارج، للتحقق من صرف أجور خدم المنازل ومن في حكمهم، فضلا عن إيداع مبلغ كاف لضمان عودة العمال إلى بلادهم. ومن المقرر أن تطبق الحكومة الهندية قرارها هذا في تقديم الضمان ووضع حد أدنى للأجور على العقود الجديدة فقط.

لكن صلاح الشامسي رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة بالإمارات العربية المتحدة يقول لـ«الشرق الأوسط» إن مثل هذا القرار لن يؤثر سلبا على قطاع الأعمال في المنطقة، مشيرا إلى أن الدول المصدرة للعمالة بابها مفتوح على مصراعيه لاستقدام العمالة منها، «وبالتالي فإن مثل هذا القرار الهندي ستكون له انعكاساته على العمالة الهندية التي ما إن ترتفع تكاليف استقدامها، حتى يتحول المستقدم إلى خيارات أخرى».

ويعتقد الشامسي أن زيادة تكاليف استقدام العمالة الهندية «ستفتح أيضا باب التنافسية في عملية استقدام العمالة، فسوق استقدام العمالة حرة وهناك خيارات متعددة للمستقدمين ولن تنحصر فقط في العمالة الهندية أو غيرها».

من جهته، يحذر عصام فخرو رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين من مغبة تطبيق مثل تلك الإجراءات على أوضاع سوق العمل في المنطقة بشكل عام، كما يحذر من خشيته من أن يمتد ذلك إلى قطاعات عمل أخرى «مما يجعل سوق العمل عرضة لحالة من الإرباكات هي في غنى عنها خاصة في هذا الوقت بالذات الذي نشهد فيه متغيرات ومستجدات تفرض على الجميع الحرص على استقرار أوضاع سوق العمل».

ويستغرب فخرو من قرار الحكومة الهندية باعتبار أن بلاده لا تطبق نظام الحد الأدنى في الأجور «وأنه لا يمكن قبول تجاوز ما هو سائد من أنظمة وقوانين في البلاد». وتسعى الحكومة الهندية إلى رفع أجور عمالتها في الخليج إلى ما لا يقل عن 266 دولارا، علما أن العمالة الهندية المنزلية تتراوح رواتبها حاليا من 150 إلى 200 دولار.

وتقول الحكومة الهندية إنها لن تسمح بإرسال عمالة منزلية «إلا بعد التعهد بدفع أجر لا يقل عن 266 دولارا».

ووفقا لتقديرات هندية رسمية، يعمل في دول الخليج مجتمعة أكثر من خمسة ملايين عامل هندي، وفي السعودية وحدها هناك نحو مليون ونصف المليون عامل. حيث تعد العمالة الهندية الأكثر طلبا في دول الخليج.

وبحسب الإحصائيات الصادرة من الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن العمالة الآسيوية تشكل نحو 69.9% من إجمالي سوق العمل في دول الخليج ككل، تليها العمالة العربية بنسبة 23.2%. وعلى المستوى القُطري تشكل العمالة الآسيوية ما نسبته 92.4% من حجم العمالة الوافدة في سلطنة عمان، ونحو 80.1% في البحرين، و65.4% في الكويت، و59.3% في السعودية، و45.6% في قطر.

وتتعرض دول الخليج لانتقادات مستمرة من جانب منظمات حقوق الإنسان، وكان آخرها انتقادات منظمة «هيومان رايتس ووتش» لدولة الإمارات العربية المتحدة، إذ طالبت المنظمة بصون حقوق العمال الذين يفوق عددهم 1.3 مليون شخص مما يتعرضون له من ممارسات تخالف الأنظمة الدولية مثل حجز جوازات سفرهم ورواتبهم التي غالبا ما تتآكل تحت وطأة انعدام وجود حد أدنى للأجور. وتتخوف دول الخليج من تأثير تزايد العمالة الأجنبية على التركيبة السكانية لدول المجلس. ويقدر وزير العمل البحريني مجيد العلوي عدد العمالة الأجنبية في دول الخليج بنحو 17 مليون عامل ويتوقع وصول العدد إلى 30 مليونا عام 2018. كما تتخوف دول الخليج من القوانين الدولية التي تجيز منح المقيمين لسنوات تزيد على الست سنوات، إقامات دائمة وتجنيسهم أيضا، وهو الأمر الذي يشكل مصدر خطورة للهوية الثقافية والاجتماعية للدول الخليجية، وخصوصا الإمارات والبحرين وقطر والكويت.

ويقول رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين إن التوجه الهندي من شأنه أن يضفي أعباء كبيرة على المواطنين وخاصة أصحاب الدخل المحدود، «الذين يجدون أن مبلغ التأمين سوف يشكل عبئا عليهم أو عائقا يحد من استقدام العمالة الهندية». كما ذكر فخرو أن قرار فرض الضمان المصرفي من شأنه أن يجمد سيولة مالية كبيرة يفترض أن تتحرك بما ينشط السوق المحلية ولا سيما في ظل الظروف والأوضاع الراهنة.

وجدد الدكتور عصام فخرو خشيته من أن يمتد هذا التوجه ليطبق على فئات عمالية في قطاعات عمل مختلفة مما قد يعرقل مسار هذه القطاعات. وأشار إلى أنه من غير المستبعد في المستقبل أن تحذو دول أخرى مصدرة للعمالة حذو الهند، «مما يتوجب الإسراع في التصدي لهذا القرار».