منافسو بارزاني يصفون محاولة الترشيح بـ«الخيالية».. لكنهم «يقلبون المعادلة»

هالو إبراهيم: قد نخسر.. ولكننا نريد أن نقول إنه لن يقتلك أحد إذا رشحت نفسك للرئاسة

TT

لم يكن النهار قد انتصف عندما ترك هالو إبراهيم منزله، المكون من طابقين في هذه المدينة الكردية الشرقية، وسار في الشارع متجها إلى مكتبه، حيث جلست مجموعة من الأرامل المتشحات بالسواد في انتظاره في غرفة خانقة.

انحنى وشكرهن على الحضور، وقال لهن: «لو كنت أريد السلطة والمال، لكنت سعيت إلى ذلك. ولكني هنا لأنني أريد أن أعمل من أجلكم، لأنني أهتم بكم وأريد أن أساعدكم في الحصول على حقوقكم».

وبعد أن أنهى كلامه، انتقل إلى غرفة مجاورة، حيث كان ينتظره مزيد من السيدات والرجال والأطفال. فانحنى لهم وشكرهم أيضا. وبدأ مجددا: «لو كنت أريد السلطة والمال»، وأعاد خطبته.

لقد وصل موسم الحملات الانتخابية إلى أقصاه في الإقليم الكردي في شمالي العراق، قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية يوم السبت. وتمثل المجموعتان اللتان كانتا في مكتب راش مؤيدين، يعترف حتى المرشح الرئاسي المتفائل، بأنهم قليلون، في محاولة للوصول إلى منصب يعترف بأنها «خيالية».

ويترشح إبراهيم مستقلا أمام مسعود بارزاني، الذي انتخب رئيسا لإقليم كردستان العراقي عام 2005. ويحتل بارزاني، البراغماتي الحذر، محور السياسة الكردية في المنطقة وبقية أنحاء العراق وكردستان الكبرى، منذ أن خلف والده، رئيسا للحزب الديمقراطي الكردستاني منذ ما يزيد على 30 عام.

ويأتي ترشح إبراهيم العسير في إقليم يعتبر أكثر المناطق ديمقراطية في العراق وفي الوقت ذاته ليس ديمقراطيا بمعنى الكلمة. وقد مارس الحزبان الرئيسيان، الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة الرئيس العراقي جلال طالباني، على مدار أعوام سيطرتهما على المنطقة، يقسمان فيما بينهما السياسة والمحسوبيات والاستثمارات والصفقات التجارية.

وقال إبراهيم في مقابلة أجريت معه في منزله في السليمانية: «تقلب عملية ترشيحي تلك المعادلة. إنه أمر جيد للديمقراطية. فلا يمكننا أن نطلق على ذلك النظام ديمقراطيا مع وجود مرشح واحد فقط».

ويحاول إبراهيم وأربعة مرشحين رئاسيين أن يكسروا سيطرة الحزبين. ووفقا لجميع الحسابات، لديهم فرص ضئيلة للفوز. ولكن يؤكد مؤيدوهم أن الفوز الانتخابي أقل أهمية مما تمثله فكرة الترشيح؛ فهي محاولة لتهيئة حياة سياسية أكثر ديمقراطية.

وتبلغ خلفية ازدياد الاستياء الشعبي من الحزبين أهمية مماثلة. وتنتشر الشكاوى من الفساد والمحسوبية وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور بين مؤيدي الأحزاب وجماعات المعارضة على حد سواء.

ويقول محمد محمود، المدرس المتقاعد، مشيرا إلى الديكتاتور العراقي السابق: «في عهد صدام، كنا نرجو أن يطاح بنظامه في أحد الأيام. ولكن اليوم فقدنا الأمل. فهم الأشخاص ذاتهم والوجوه ذاتها، تتعاقب من جديد».

وقد وعد المرشحون بأنه إذا تم انتخابهم سيحاربون الابتزاز ويصلحون المؤسسات العامة ويوفرون فرص عمل وفوق كل ذلك سيغرسون شعورا بالمسؤولية. وقال إبراهيم الذي يعلو اسمه قائمة مرشحين برلمانيين مستقلين: «ليس لدينا مجرد برنامج، بل برنامج وإطار زمني. وفي غضون ثلاثة أشهر، سنحقق كذا وكذا، وإذا لم نفعل فسوف نغادر».

وطغت على نقص الخبرة السياسية للمرشحين الجدد مكانة الحزبين السائدين. وعلى الرغم من الشكاوى، فإن كليهما يحظى بولاء كبير يفوق السياسة اليومية. وقاد الحزبان، اللذان، أحيانا، يكونان عدوين لدودين، إقليم كردستان إلى الحصول على الحكم الذاتي بعد حرب الخليج عام 1991، عندما كان صدام لا يزال في الحكم، وإلى الرخاء بعد سقوطه عام 2003.

وتشهد أربيل، عاصمة الإقليم ازدهارا. وتملأ ناطحات السحاب ورافعات الإنشاء السماء. وتخضع مشروعات إسكان ممتدة فاخرة للإنشاء. وتضيف مراكز التسوق التجارية طابعا غربيا على المدينة. ولكن خلف قشرة الرخاء، يقول السكان إن كثيرين يكافحون يوميا لتلبية احتياجاتهم وللتعامل مع تحديات الرعاية الصحية غير الملائمة والمدارس الفقيرة. ويذكر سكان السليمانية، التي تبعد عن جنوب شرقي أربيل بـ100 ميل، نقصا في خدمات المياه والكهرباء.

وتعد الميزانية السنوية للإقليم هائلة، وتمثل نحو 17 في المائة من ميزانية العراق في العام الحالي، ولكن يشكو كثير من الأكراد من أن النخبة فقط هي التي تستفيد منها، مما يزيد من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

ويقول نائب رئيس الوزراء العراقي ومرشح منصب رئيس وزراء كردستان برهام صالح: «الناس ليسوا سعداء بالفساد. ويجب أن يتغير ذلك».

ويقول سياسيون في بغداد وفي الشمال إن صالح قد يستفيد من النظام القديم. فإذا حقق الحزبان الأداء المتوقع منهما، يبدو أنه سيتأكد من حصوله على منصب رئيس الوزراء بالإجماع. ولكن قد تكون فترته مضطربة.

ويقول عبد السلام عميد المحامي الذي يبلغ من العمر 29 عاما، الذي جلس يحتسي الشاي في «ميشكو»، المقهى القديم الشهير في أربيل: «ستغير المعارضة من موقفها الحالي».

وفي مكتبه في السليمانية، أخذ راش، الذي كان عضوا في الاتحاد الوطني الكردستاني حتى العام الماضي، يتودد إلى الناخبين بتعهدات ووعود.

وكانت الأرامل زوجات لمقاتلين في الاتحاد الوطني قتلوا في اشتباكات بين الحزبين الرئيسين في كردستان في التسعينات. ومن بين المجموعات الأخرى التي تزور مكتبه، كان هناك أعضاء سابقين في الحزب قالوا إنهم فقدوا الثقة في قادتهم عندما لم يلتفت أحد لالتماساتهم من أجل توفير ظروف معيشية أفضل.

وقال إبراهيم: «لا تصوتوا لهم. لو كان العراق بلدا فقيرا، لكنا قبلنا بذلك، ولكنه ليس فقيرا».

ويعرف إبراهيم بين معظم سكان كردستان بهالو إبراهيم أحمد، ابن إبراهيم أحمد، المفكر الكردي المرموق ومؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني. وبعد عدة أعوام من إنشائه، انفصل أحمد عن الحزب، وانضم إليه زوج ابنته طالباني، الذي أنشأ فيما بعد الاتحاد الوطني. وقد تلقى راش تعليمه في إنجلترا والسويد، وكان أستاذا لعلوم الكومبيوتر في المعهد الملكي للتكنولوجيا في استكهولم حتى عام 2000، عندما عاد إلى السليمانية، وأنشأ مجموعة تعمل مع الشباب.

وقال إبراهيم إن خلافاته مع الاتحاد الوطني نبعت من محاولاته لإصلاح القيادة. وكان لقادة الحزب أسلوب آخر في الحديث عن تركه له، فقالوا إنه على خلاف أسري مع شقيقته، زوجة طالباني.

وحاليا، تحمل حملته المستقلة للترشح لرئاسة الإقليم إحساس الهواة. وفي مكتبه، طبعت ملصقات باللونين الأسود والأبيض على ورق بحجم الخطابات تزين الحائط. كتب على أحدها: «الطريق إلى كردستان أمامنا». وعلى آخر: «بالتقدم، يصبح لدينا مستقبل أفضل». وذلك لأن الأموال التي تمول الحملة محدودة، والعاملون فيها قليلون. وفي الوقت ذاته، يسود الحزبان الرئيسيان، اللذان يتلقيان تمويلا جيدا، الأخبار. ويقول راش: «سوف أخسر»، قبل أن يصحح ذاته: «قد أخسر».

ولكنه أضاف: «أريد أن أوضح للناس أنه لن يقتلك أحد إذا ترشحت. وفي المرة القادمة سيحظى الناس بفرص أفضل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»