مقديشو: انقطاع الاتصالات مع محتجزي الرهينتين

باريس تبدي استعدادها للتفاوض مع الخاطفين وأوساطها تتوقع مساومات طويلة ومعقدة

TT

أماطت باريس أخيرا وبشكل رسمي اللثام عن حقيقة المهمة التي كان يتولاها العميلان الفرنسيان في مقديشو. وعن الجهة التي ينتميان إليها، وعن استعدادها للتفاوض مع الخاطفين من أجل إطلاق سراح العميلين. واستبعدت فرنسا أن يلجأ الخاطفون إلى محاكمة المواطنين الفرنسيين بموجب أصول الشريعة الإسلامية، مثلما جاء في بيان صادر عن أحد مسؤولي منظمة «الشباب» التي يبدو أنها هي الجهة التي تحتجزهما.

وجاءت هذه المعلومات في حديث لأمين عام القصر الرئاسي كلود غيان، في حديث أمس لإذاعة «أوروبا رقم واحد». ويعد غيان أقرب مساعدي الرئيس ساركوزي، وله اليد الطولى في ما يتعلق بالأجهزة الاستخبارية الفرنسية.

وأعلن غيان ولأول مرة، أن العميلين ينتميان إلى وزارة الدفاع الفرنسية، وأن مهمتهما كانت «المشاركة في تدريب المجموعة الأمنية المكلفة حماية رئيس الجمهورية الصومالية» وتحديدا الحرس الرئاسي، مضيفا أنهما كانا من «العناصر السباقة» للمجموعة، التي ستتولى تدريب الحرس الجمهوري الصومالي. وحتى أمس، كانت باريس تكتفي بالقول، إن العميلين «كانا في مهمة رسمية» ومن أجل المساهمة في تقديم مساعدة أمنية للجانب الصومالي. ووصف غيان مهمة الرجلين بأنها «كانت تحت غطاء دولي».

ومن جهته قال مسؤول أمني صومالي رفيع المستوى لوكالة «الصحافة الفرنسية» إن الاتصالات بين السلطات الصومالية والمتطرفين الإسلاميين الذين يحتجزون مستشارين فرنسيين قطعت أمس، على الرغم من تأكيد باريس «تبادل رسائل» مع الخاطفين.

وقال المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته «يبدو أن آمال التفاوض للإفراج عن الرهينتين الفرنسيين تضاءلت، لأن جميع الاتصالات مع الخاطفين انقطعت حاليا، والحكومة تجهل مكان الرجلين» المخطوفين. وأضاف «أنها فعلا عملية بالغة التعقيد»، بدون المزيد من التوضيح. غير أن كلود غيان الأمين العام للرئاسة الفرنسية أكد من باريس أنه يجري تمرير «رسائل» بين فرنسا والمجموعة الخاطفة لكن المفاوضات «لم تبدأ فعليا».

من جهة أخرى، لم يبد أمين عام القصر الرئاسي قلقا معينا بخصوص تهديد منظمة الشباب بمحاكمة المواطنين الفرنسيين، إذ اعتبر أن «لا شيء» يسمح بتأكيد أنهما سيخضعان للمحاكمة، مشيرا في الوقت نفسه إلى سيل الأخبار المتناقضة والواردة من الصومال. وذهب غيان إلى التأكيد أن باريس تمتلك معلومات «مطمئنة» عن حالة العميلين وأنهما يعاملان بطريقة «حسنة». غير أن الأهم من ذلك أن غيان عبر عن استعداد فرنسا للتفاوض مع الجهات الخاطفة، مؤكدا أن باريس «أوصلت رسالة واضحة» بهذا المعنى إلى الجهات الخاطفة. غير أنه في الوقت نفسه، أكد أن المفاوضات لم تبدأ وبالتالي كان من الصعب عليه أن يكشف عن طبيعة مطالب الخاطفين، وعما إذا كانوا يريدون فدية مالية أم مقايضة العميلين بقراصنة قبضت عليهم القوات الفرنسية في 3 عمليات عسكرية بحرية (أبريل وسبتمبر 2008 وأبريل 2009). ويبلغ عدد القراصنة الصوماليين في السجون الفرنسية 15 شخصا. ورغم غياب التواصل المباشر، فإن المسؤول الفرنسي كشف أن الرسائل المتبادلة مع الخاطفين تصل إلى الجهة المرسلة إليها من غير أن يعين الطرف الذي يلعب دور الوسيط.

وأفادت معلومات متوافرة في العاصمة الفرنسية أن باريس تحاول عن طريق الضغط على الحكومة الإريترية ضمان الإفراج عن العميلين. بموازاة ذلك، رفضت فرنسا تأكيد أو نفي خبر إرسال وسيط فرنسي للاتصال بالخاطفين، فيما المعلومات الخاصة بالرهينتين وبالخاطفين تصدر عن مسؤولين في الحكومة الصومالية المؤقتة، وتحديدا الوزير محمد علي إبراهيم. كذلك امتنعت باريس عن تأكيد وجود علاقة بين احتجاز المواطنين الفرنسيين وبين احتجاز فرنسا لـ15 قرصانا صوماليا.

و بأي حال، تؤكد فرنسا أن مشروع مساعدة الحكومة الصومالية وتوفير الدعم لها «لن يتأثر» بالقبض على العميلين الفرنسيين علما أن أحد مبررات القبض عليهما، وفق ما قاله الخاطفون أمس، هو تحديدا الدعم الذي توفره فرنسا للحكومة المؤقتة.

و تتوقع المصادر الفرنسية مفاوضات «شاقة ومعقدة» قبل التوصل إلى إطلاق سراح العميلين «بسبب الوضع الداخلي الصومالي وتداخل المطالب وتعدد الجهات» المعنية. وإذا صح وجود علاقة بين خطف العميلين الفرنسيين وبين احتجاز فرنسا لـ 15 قرصانا صوماليا، فإن الأمور ستزيد تعقيدا بسبب العامل القضائي، الذي من شأنه أن يحد من حرية حركة الجهات الفرنسية المعنية بالتفاوض مع الخاطفين أو مع الوسطاء.

وحتى الآن، تؤكد باريس أنها رفضت باستمرار الانصياع لمطالب الخاطفين، وأنها رفضت باستمرار دفع فدية لإطلاق سراح مواطنيها سواء كانوا مدنيين أو عسكريين أو رسميين. ومن جهة أخرى أبلغ قيادي بارز في حركة الشباب التي تحتجز خبيري أمن فرنسيين منذ الأسبوع الماضي «الشرق الأوسط» بأن قيادات الحركة عقدت أمس اجتماعا للتشاور حول طلب فرنسا التفاوض معها حول كيفية إطلاق سراح الرهينتين.

وأوضح القيادي الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم تعريفه في اتصال هاتفي من مكان ما في العاصمة الصومالية مقديشو، أن الحركة تلقت بالفعل طلبا رسميا عبر وسطاء رفض تسميتهم للدخول في عملية مفاوضات سياسية بشأن المخطوفين، وقال: «لم ينته الاجتماع حتى الآن (مساء أمس) وما زالت المناقشات مستمرة بين كل القيادات المسؤولة في الحركة قبل إعطاء رد نهائي للحكومة الفرنسية».

لكن نفس المسؤول رفض تأكيد أو نفي اتجاه الحركة لمحاكمة المخطوفين وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية بتهمة التجسس ودعم السلطة الانتقالية التي يقودها الرئيس الصومالي الشيخ شريف شيخ أحمد الذي لا تعترف الحركة بشرعيته السياسية والدستورية.

وأوضح أن الرهينتين بصحة جيدة، مشيرا إلى أن الحركة تبحث حاليا ما وصفه بـ«الثمن السياسي» الذي سيتعين على الحكومة الفرنسية دفعه مقابل الإفراج عنهما.

وتحدثت مصادر صومالية أمس عن اتصالات عاجلة أجرتها فرنسا مع الحكومة الإريترية التي يعتقد أنها تدعم حركة الشباب المناوئة للشيخ شريف وللتواجد العسكري الأجنبي في الصومال، بهدف إقناع الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي باستخدام نفوذه لدى الحركة لإطلاق سراح المخطوفين.

في غضون ذلك، قال مقربون من حركة الشباب إن الحركة تضع شرطين للإفراج عن المخطوفين، هما انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي من الصومال والإفراج عن ثلاثة صوماليين أعضاء في حركة لشباب معتقلين حاليا في معسكر غوانتانامو.

ولم يستبعد هؤلاء أن تضع الحركة لاحقا قائمة بأسماء بعض عناصرها الموجودين في سجون السلطة الانتقالية أو الحكومة الإثيوبية.