السعودية تدعو رسمياً إلى «ترائي الهلال» بالمنظار الفلكي وتفعيل لجان الرؤية

تعزيزاً لفتوى شرعية صدرت في عام 1982.. وقرار لمجلس الوزراء صدر منذ 12 عاماً

لأول مرة تدعو السعودية رسمياً مواطنيها والمقيمين على أراضيها لترائي الهلال عبر المناظير الفلكية («الشرق الأوسط»)
TT

لأول مرة، تدعو السعودية رسميا، لاستخدام المناظير الفلكية، لترائي أهلة الأشهر الهجرية، في إعلان خرج أمس عن المحكمة العليا، وهو البيان الثاني الذي تصدره إثر إيكال هذه المهمة إليها، بعد أن كانت مسؤولية هذا الملف في يد مجلس القضاء الأعلى في تشكيله القديم.

وخلا بيان المحكمة العليا الأول، الذي دعت فيه لتحري رؤية هلال شهر رجب الحالي، من الجزئية الخاصة بإمكانية استخدام المناظير الفلكية في مسألة تثبيت الرؤية. لكن بيان الأمس، الذي دعت فيه المحكمة العليا لتحري رؤية هلال شهر شعبان المقبل، حددت فيه إمكانية رؤية الهلال بواسطة المناظير، غير أنها لم تلغ مسألة الرؤية بـ«العين المجردة»، إذ جعلت الباب مواربا أمام استخدام أي من الطريقتين.

وعلى الرغم من الفتوى الصادرة من هيئة كبار العلماء، بخصوص اعتبار الرؤية بالتلسكوب «رؤية شرعية»، إلا أن هذا الأمر لم يكن يؤخذ في الاعتبار بشكل قوي خلال السنوات الماضية، أو حتى خلال بيانات مجلس القضاء الأعلى القديم، وهو ما يفسر تجدد الجدل السنوي بين الشرعيين والفلكيين.

إلا أن المحكمة العليا، حاولت عبر بيانها أمس، تعزيز فتوى صادرة من هيئة كبار العلماء بجواز استخدام المناظير وإدخالها حيز النفاذ، وهي التي صدرت في عام 1982 ـ 1983.

ويبدي صالح الصعب، المشرف على المركز الوطني للفلك في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، اعتقادا بأن أمر جواز استخدام المناظير الفلكية في رؤية الهلال، قد يكون غائبا عن المجتمع، طيلة السنوات الـ27 الماضية، أي منذ صدور فتوى كبار العلماء بجوازها.

ويشير الصعب هنا، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى وجود خلط واضح بين العامة، لاعتقادهم بأن رؤية الهلال بالتلسكوب، هو ترك للسنة النبوية، مؤكدا أن هذا الأمر عار عن الصحة، لاعتبار الفتوى التي أجازت هذا الأمر.

ومعلوم بأن في السعودية، لجانا مشكلة من ممثلين عن إمارات المناطق ووزارة العدل ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، مسؤولة عن التأكد من رؤية المترائين.

ويبدو أن المحكمة العليا، سعت من خلال بيانها أمس، إلى تفعيل دور اللجان الثلاثية المشتركة، المسؤولة عن ملف الرؤية، إذ أملت من جميع المترائين الانضمام إليها، في خطوة يتوقع أن تعيد الحياة لهذه اللجان التي صدر أمر بتشكيلها قبل 12 سنة.

واعتبر المشرف على المركز الوطني للفلك في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، أن دعوة المحكمة العليا المترائين للانضمام للجان الرؤية، سيكون له دور إيجابي في الوصول إلى إجماع صحيح، ويقين لا شك فيه.

ورأى صالح الصعب، أن لجان الرؤية، التي تستخدم المناظير للتأكد من مشاهدات المترائين، أضمن في نتائجها وطريقة عملها، من الاجتهادات الفردية. ويعزو عدم تفعيل دورها خلال الفترة الماضية عبر البيانات الرسمية، لكون أن بعض المحتسبين يتوجسون من استخدامها للمناظير ولا يعترفون بها.

وكان مجلس الوزراء السعودي، أصدر قبل نحو 12 عاما، لائحة لرصد الهلال، شكل بموجبها لجانا للرؤية في عدد من المناطق، يمثل بها شرعي (وزارة العدل)، وفلكي (العلوم والتقنية)، وممثل عن إمارات المناطق التي توجد بها.

وجاء في بيان صدر أمس الأحد، ما نصه «تود المحكمة (العليا) من جميع المترائين الانضمام إلى اللجان المشكلة في المناطق لهذا الغرض، وتأمل ممن لديه القدرة على الترائي الاهتمام بالأمر والمشاركة فيه والاحتساب، لما فيه من التعاون على البر والتقوى».

وكانت المحكمة العليا، قد أصدرت في ساعة مبكرة من صباح أمس، بيانا دعت فيه إلى «تحري رؤية هلال شهر شعبان مساء يوم الأربعاء الموافق 29 رجب 1430 هـ ليلة الخميس الموافق الأول من شهر شعبان 1430 هـ حسب تقويم أم القرى الموافق 23 يوليو 2009م».

وفصَل بيان المحكمة هذه الدعوة بإشارته إلى أنه «نظرا لإكمال شهر جمادى الآخرة ثلاثين يوما، لعدم ثبوت دخول شهر رجب ليلة الثلاثاء الموافق 30/6/1430هـ حسب تقويم أم القرى، فإن المحكمة العليا في السعودية ترغب من عموم المسلمين في جميع أنحاء المملكة تحري رؤية هلال شهر شعبان مساء يوم الأربعاء المقبل أي ليلة الخميس».

ورجت المحكمة العليا في بيانها، ممن يراه بالعين المجردة أو بواسطة المناظير إبلاغ أقرب محكمة إليه وتسجيل شهادته لديها، أو الاتصال بأقرب مركز منه؛ ليتولى مساعدته في الوصول إلى أقرب محكمة.

وجاءت دعوة المحكمة العليا، لاستخدام المناظير الفلكية، في الوقت الذي ساق وزير العدل السعودي الدكتور محمد العيسى، تأكيدات عبر «الشرق الأوسط» في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، عن أن الجدل العلمي بين الفقهاء والفلكيين على خلفية مسألة رؤية الهلال أوشك على الانتهاء.

وكان هناك فريق من الفقهاء، يرى عدم جواز استخدام المناظير الفلكية في مسألة رؤية الهلال، لاعتبارات تتعلق بأن التوجيه النبوي في هذا الصدد حدد مسألتي الصيام والإفطار بالرؤية المجردة؛ لعدم وجود هذه التقنيات الحديثة في ذلك الزمن.

لكن فتوى هيئة كبار العلماء، وتأكيدات المحكمة العليا أمس، جاءت لتغلق الجدل المتكرر حول موضوع استخدام المناظير الفلكية، فيما لا يزال ملف اعتماد الحسابات الفلكية في الرؤية الشرعية، محل خلاف بين الفلكيين والفقهاء حتى هذا الوقت.