مصر: صالات «الجيمانزيوم» تحارب التحرش الجنسي برياضات خاصة

تكرار الحوادث جعلها ضرورة للفتيات

يشتمل الكورس على برنامج غذائي وبرنامج تأهيل نفسي وبرنامج إعداد بدني وبرنامج تدريبات دفاعية («الشرق الأوسط»)
TT

خلال السنوات القليلة الماضية وبقلق أنثوي بديهي اعتادت الفتاة المصرية «شيماء» قراءة عشرات الحوادث عن التحرش الجنسي ببنات جنسها.. ومن واقعة إلى أخرى أصبح بداخل «شيماء» حالة تحفز نحو أي حركة مفاجأة أو خاطفة نحوها في الشارع، أو في الجامعة من قبل أي شاب، ودائما ما أوصتها والدتها بحمل «دبوس» أو «كاتر» أو «سيلف ديفنس» في حقيبتها لتكون أدواتها للدفاع عن نفسها. تحذيرات والدة شيماء لم تعد خلال الأشهر الماضية تقتصر على ذلك، فهي تنبهها كثيرا هذه الأيام أن «تأخذ بالها من نفسها جيدا»، بخاصة مع ازدياد جرائم سرقة الأعضاء البشرية، وتفاقم قلق الأم بعد أن سمعت من وزيرة مسؤولة عن وجود عصابات مقننة للاتجار بالأعضاء، وما تلاه من تأكيد نقيب الأطباء حمدي السيد من احتلال مصر المرتبة الثالثة في تجارة الأعضاء البشرية على مستوى العالم خلف الصين وباكستان.

لكن الأم خففت إلى حد ما، من خوفها وقلقها، بعد أن التحقت شيماء بإحدى دورات الدفاع عن النفس في إحدى صالات الألعاب «الجيمانيزيوم» التي تستقبل الشباب والفتيات خلال الإجازة الصيفية هذا العام لتعليمهم تمارين الدفاع عن النفس ضد جريمتي التحرش الجنسي وسرقة الأعضاء البشرية، اللتين يشهدهما المجتمع المصري بمعدلات مرتفعة.

المدرب «مدحت حامد»، المحاضر بأكاديمية «ويدر» للثقافة الرياضية، المتخصص في فنون التدريب الحديثة، يشير إلى أن هذه التدريبات عبارة عن كورس رياضي يحتوي على عدة عناصر هامة تعزز من إقبال الكثيرين عليه، في محاولة لتحقيق المعادلة المنتقصة في البرامج التدريبية الأخرى التي تركز فقط على الضخامة العضلية أو فقد الوزن، لذا يشتمل الكورس على برنامج غذائي، وبرنامج تأهيل نفسي، وبرنامج إعداد بدني، وبرنامج تدريبات دفاعية. والبرنامج الأخير يعد من أهم الفقرات في البرامج التدريبية للدفاع عن النفس للأولاد والبنات، حيث يتم تدريبهم على ممارسة تمارين الدفاع عن النفس والهجوم على المتعدين والخصوم الذين يحاولون إلحاق الأذى بهم. يضيف حامد: «هناك اختلاف في التدريب بالنسبة للمتدرب في حالة قدومه للتدريب بعد حدوث مُشكلة أو تحرش أو اختطاف مثلا، ففي هذه الحالة يتمرس المتدرب على سرعة البديهة ورد الفعل السريع في المواقف الحرجة، وكذلك استيعاب الصدمة، فالحالة الاستيعابية تكون ضعيفة نتيجة الخبرة السابقة عن النفس وعدم القدرة في الدفاع عنها، لذا نحرص أن يكون في جانب كثير من هذه التدريبات جزء عملي، من خلال التعرض لمواقف شبيهة حتى يشعر المتدرب أو المتدربة أنه قد تغير بالفعل مما يكسبه ثقة في نفسه، أما المتدربون الجدد والذين لم يمروا بتلك الشجارات أو التحرشات فإنه في وقت قصير يستطيع أن يمتلك ثقة بنفسه وثقة بقدراته البدنية، ويعرف كيف تخدمه هذه القدرات، وكيف يوظفها في الدفاع عن نفسه». ويوضح حامد أنه في هذه التدريبات يتم الاستفادة من كل رياضات الدفاع عن النفس كالكاراتيه والتايكوندو والملاكمة، إلى جانب حركات تعجيزية للخصم، مشيرا إلى أن أفضل سن للتدرب على هذه المهارات يكون في مرحلة البلوغ التي تعد بداية النشاط الحيوي للجسم.

ريهام عبد الناصر، إحدى المتدربات مع الكابتن مدحت، تقول: «الملبس المناسب والمظهر اللائق لا يكفيان الفتاة من التعرض للعنف أيا كان شكله، لكن اللياقة البدنية وتدريبات الدفاع عن النفس من التدريبات المهمة التي يجب على كل فتاة أن تتعلمها كي تعرف كيف تدافع عن نفسها في أي موقف تتعرض له في الشارع بدلا من الصراخ وانتظار من يغيثها».

أما تامر فهمي، 16 عاما، فدافعه للإقدام على تدريبات الدفاع عن النفس، هو كثرة ما سمعه أخيرا عن حوادث العنف، موضحا أن والده هو من أصر على التحاقه بهذه الدورات، ومشيرا إلى أنه خلال وقت قصير استطاع أن يتعلم عددا من الحركات الدفاعية، يتم توجيهها إلى نقاط ضعف عديدة في جسم الفرد، بما يمكن من التغلب عليه، وهو ما جعله يمتلك الثقة بنفسه.

وتوضح ميادة يوسف، 20 عاما، أن إقبالها على هذه الدورات سببه الرئيسي تعرضها لبعض المعاكسات والتحرشات في الشارع وفي حمام السباحة، ولم تكن تعرف كيفية التصرف، مؤكدة أن هذه التدريبات ضرورية لكل فتاة لكي تحمي نفسها، وتقول: «تعلمت مجموعة من الحركات والضربات الفنية التي من خلالها يمكن لي ردع أي شخص يحاول أن يضايقني، وهو ما جعل بداخلي ثقة كبيرة، ولم يعد لدي الخوف من الخروج إلى الشارع، كذلك أصبح لدى أسرتي شعور بالأمان عليّ». الناشطة النسائية «نورا محمد»، مسؤولة مشروع مناهضة العنف بمؤسسة «مركز قضايا المرأة المصرية»، ترى أن التحرش وسرقة الأعضاء يشكلان مظهرين من مظاهر العنف في المجتمع المصري، إلى جانب مظاهر أخرى كالاغتصاب وانتهاك العرض، وهي حوادث لا تتعرض لها المرأة بمفردها بل تشمل الرجال والأطفال أيضا، وهو ما يدفع المنظمات الأهلية للبحث عن سبل لمقاومة ذلك العنف، مشيرة إلى وجود حملات توعية مجانية يتبناها مركز قضايا المرأة تخص الأطفال والمراهقين بشكل خاص لمقاومة ذلك العنف، مشيرة إلى أن قسما من هذه الحملات يشمل تدريبات رياضية تتم بالمشاركة مع النوادي الرياضية، وقسم آخر يشمل تدريبات وجلسات أخرى نفسية واجتماعية وقانونية وصحية. وترى نورا أن اكتساب هذه المهارات باختلاف أشكالها، يساعد في الدفاع عن النفس ضد أي عنف ولو بشكل جزئي، فهي جزء من الحماية الشخصية ولكنها ليست كل حماية، فمن يتعرض للتحرش أو سرقة أعضائه، يواجه برد فعل قوي من جانب المجرم لا يستطيع أن يواجهه بمفرده لأنه يتم في لحظات وفي غفلة منه، لكن على كل حال فمن المهم أن نشجع الجميع على هذه التدريبات حتى نقلل ولو بشكل بسيط من نسب العنف في المجتمع أيا كان شكله.