ليبيا تتجه لطي ملف «الجماعة الإسلامية المقاتلة» مع الاحتفال بمرور 40 عاما على تولي العقيد القذافي السلطة

الصلابي الوسيط الرئيسي: رعاية سيف الإسلام هيأت المناخ لنجاح المراجعات

TT

بعد ثلاث سنوات من الشد والجذب، بدا أمس أن المهندس سيف الإسلام النجل الثاني للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي قد اقترب من جني ثمار رعايته لماراثون الحوار الفكري الطويل بين الدولة الليبية و«الجماعة الإسلامية المقاتلة» المناوئة لنظام حكم والده العقيد القذافي.

وكشفت مصادر ليبية مطلعة النقاب لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الليبية الإسلامية الليبية المقاتلة قد انتهت فعليا قبل أيام من وضع مراجعاتها الفقهية التي تعلن فيها تخليها عن منطق استخدام العنف والقوة المسلحة للتعامل مع الدولة ونظام حكم العقيد القذافي. وقال الدكتور علي الصلابي الوسيط الرئيسي بين الجماعة والسلطات الليبية لـ«الشرق الأوسط» إن نجاح هذه المراجعات يجب أن ينسب إلى المهندس سيف الإسلام القذافي الذي يترأس مؤسسة القذافي للتنمية، مضيفا: «بعد الله سبحانه تعالى، تأتي رعاية سيف الإسلام حيث تهيأت الأجواء بحيث أن قادة هذا التنظيم هم من كتبوا وصححوا هذا الكتاب بعدما أصبحت لديهم مكتبة ضخمة جدا داخل المعتقل وتهيأت لهم الظروف بحيث يخرج الكتاب إلى النور.

ونفى الدكتور الصلابي لـ«الشرق الأوسط» أن يكون قادة الجماعة المقاتلة قد تعرضوا لأي ضغوط، وقال: «لم تمارس عليهم أي ضغوط سواء في اختيار العنوان أو الأفكار التي طُرحت ودورنا فقط اقتصر على تهيئة الأجواء أو الكتب أو الأشياء التي يريدون الاستفسار عنها.

وأضاف: «أخذوا حريتهم كاملة»، وهذه كانت أيضا توصيات الدكتور سيف الإسلام أن كل القضايا يتم بشأنها حوار مفتوح، مشيرا إلى أن سقف الحرية لديهم كان مرتفعا جدا ويعبر عن أفكارهم دون أي ضغوط أو ابتزاز.

وأعلن أن عشرة من كبار العلماء والمشايخ من ليبيا وخارجها بدأوا في مراجعة الكتاب الذي من المتوقع أن يصدر الشهر المقبل تحت عنوان «دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس»، في 421 صفحة مقسمة على تسعة أبواب. وبالنظر إلى الدور القيادي البارز سابقا لاثنين من قيادات تنظيم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة داخل تنظيم القاعدة، توقع الدكتور الصلابي لـ«الشرق الأوسط» أن تتسبب هذه المراجعات في تأثير كبير في الفكري الجهادي قد تتعدى آثاره ليبيا إلى خارجها.

وقال الصلابي: «ننتظر حاليا آراء العلماء من أمثال الشيخ سلمان العودة والدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ أحمد الريسوني من علماء المغرب، وصادق الغرياني وحمزة أبو فارس وسليمان البيرة من ليبيا، في تقييم هذه المراجعات من الناحية الشرعية قبل إقرارها وطبعها نهائيا».

وأضاف: «إذا قدر الله لها وطُبعت هذه المراجعات فستكون واسعة الانتشار»، لافتا إلى أن من كتبوها من قادة الجماعة المقاتلة أضافوا إضافة جميلة ولم يحتفظوا بالحقوق وإنما جعلوها مشاعة للمسلمين لتعميم الفائدة. وأوضح الصلابي وهو أحد العلماء البارزين في ليبيا وسبق أن لعب دور الوسيط بين السلطات الليبية وجماعة الإخوان المسلمين قبل سنوات في ليبيا أن كتاب المراجعات المرتقب سيسهم إسهاما كبيرا جدا في التقريب بين الدولة والتيار الإسلامي، وقال: «أظن أنه بعد خروجهم من السجن ستكون هناك مرحلة وعلاقة جديدة بين الدولة والتيار الإسلامي عموما وكثير من الليبيين».

واعتبر أن المستقبل بات مفتوحا على مصراعيه للتائبين من عناصر الجماعة المقاتلة، وأضاف: «سيكونون مواطنين ليبيين وإذا أرادوا الانضمام إلى مشروع ليبيا الغد الذي يقوده سيف الإسلام في ليبيا، فالأمر متروك لهم».

وعلى الرغم من أن النظام السياسي الذي دشنه العقيد القذافي الذي سيحتفل في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل بمرور أربعين عاما على الثورة التي أطاحت بنظام حكم ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي، يمنع وجود التنظيمات والأحزاب، فإن الدكتور الصلابي يعتقد أنه ستكون هناك فرصة مواتية لعناصر المقاتلة من أجل الاندماج مجددا داخل المجتمع الليبي بشكل سلمي وطبيعي. وأضاف: «ستكون لهم حقوق أي مواطن ليبي، بعضهم قد يدخل في المؤسسات والجمعيات المتاحة والمنابر الموجودة في الدولة حاليا»، معتبرا أنه «إذا كانت الدولة الليبية قد نجحت في محاورة أمثال هؤلاء فمن باب أولى أن تنجح في الحوار مع غيرهم». ويبدو أن الدكتور الصلابي الذي لعب دورا بارزا ورئيسيا في وصول المراجعات الفكرية والفقهية للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا إلى منتهاها، متفائل إلى حد كبير بمستقبل العلاقة بين الدولة الليبية وعناصر هذا التنظيم. ومن المتوقع أن تثير المرجعات التي خلص إليها قياديو الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة ردود فعل مثيرة للجدل داخل ليبيا وخارجها، خصوصا من تنظيم القاعدة الذي لطالما أعلن عن معارضته لهذه المراجعات. وقال الدكتور الصلابي: «هم وفقوا كثيرا في عدم سب أو شتم أحد وإنما عرضوا أفكارهم بأدب وخلق ولم يدخلوا في معارك جانبية، وأتوقع أن تتسبب في شرخ فكري جهادي».