قطر من ندى زياد الرحباني في 6 ليال مشهودة

«منيحة!!!» عرض غنائي ممسرح في بيروت بعد دمشق

لقطة من المسرحية الغنائية زياد الرحباني «منيحة!!!» («الشرق الأوسط»)
TT

كان مجرد الحصول على بطاقة لحضور حفلة زياد الرحباني إنجازا بحد ذاته. ومن حالفه الحظ لدخول القاعة، حتى وإن افترش الأرض أو وجد ما يتكئ عليه، فهو أيضا حقق إنجازا! زياد هو ذاك القادر دوما على جذب الشباب كما الكبار لـ«الإنصات» إلى موسيقاه واسكتشاته. لم يتغير! لم يفقد شيئا من وهجه ومن سحر صوته الذي يجمع كل التناقضات بتلك الخامة الهادئة. خامة كفيلة وحدها بقول كل شيء من دون عناء! إلى «قصر اليونسكو» في بيروت، توافد المئات ومن جميع الفئات العمرية والاجتماعية وحتى السياسية، فوحد زياد، بهدوئه وجنونه، بعقلانيته وسخريته كل تلك التناقضات الثورية، يتمتع بقدرة لا تنضب على «الجذب»، على الرغم من أنه لا يتردد في إطلاق بعض «اللطشات» السياسية على طريقته الرحبانية. المناسبة لم تكن مسرحية جديدة، إنما حفلة موسيقية ممسرحة، بقالب له نكهته وبصمته و«بهاراته». وكأن زياد تعمد بهذا الأسلوب «التعويض» على من يستمعون بشغف إلى كتاباته ونكاته وانتقاداته ـ العميقة على سهولتها ـ بعرض يحاكي العمل المسرحي، فكانت: «منيحة!!!» التي قدمها في بيروت بعد دمشق. نحو ثلاث ساعات مرت كدقيقة، والأمر ليس مستغربا، ذلك أن الجمهور ـ جمهور زياد ـ بدا جزءا لا يتجزأ من العرض العام. فعلى الرغم من غيابه الطويل عن تقديم أعمال مباشرة، لم تتلاش حماسة الجمهور. فهو ليس متفرجا أو مصفقا عاديا، إنما عنصر تفاعلي بامتياز. يصفق للأصوات الرخيمة (المنتقاة بمنتهى العناية) ويضحك من عمق الصميم للـ«قفشات»، يجيب عن أسئلة زياد، ويهتف بحرارة. إنه ببساطة جمهور حي، يستحق بحد ذاته المشاهدة! هذا الجمهور، الذي بإصراره وحماسه، دفع زياد إلى تمديد عروضه من ثلاثة إلى ستة، ليتوقف عن «التجديد» على الرغم من أن كثيرين شعروا كأنهم أصيبوا بـ«نكسة» لاستحالة حصولهم على تذاكر، كانت تطرح قبل يوم أو يومين في الأسواق، لتنفد خلال نصف ساعة لا أكثر، ذلك أن الجماهير وقفت في طوابير كمن ينتظر دوره للحصول على حصته من الإعاشة! وكثيرون من «أصحاب الحظ» هؤلاء، راحوا يروون ما شاهدوا لأصحاب «النكسة». لا بل إن بعضهم، ولدى خروجهم من القاعة كانوا يتمنون لو يستطيعون الحصول على فرصة أخرى لـ«المشاركة» في الأمسية أكثر من مرة. فالعرض حتما لا يبهت وهجه حتى لمن سبق أن شاهده، أو سمع شيئا من اسكتشاته، ذلك أن زياد وأعضاء فريقه بتلقائيتهم، هم أسياد المفاجآت من دون شك! بالعودة إلى المضمون، إلى الثمانينات أعاد زياد جمهوره هذا، ليعرج به على زمن التسعينات، وصولا إلى الأعمال الحديثة التي غنت منها لطيفة التونسية، منها «معلومات» و«بما انو». من «سهرية» و«نزل السرور» وألبوم «مونودوز» وغيرها، جمع زياد باقة تولى تنسيقها وتقديمها مستعينا بفرقة لبنانية (17 فردا) ـ سورية (22 فردا).على إيقاع «أني عم فكّر ابقى أني وياك» و«يا نور عينيّ» و«حبيتك تا نسيت النوم»، الجميع غنوا وطربوا لـ«بعتلك يا حبيبي الروح» بذاك الصوت الشجي. وبعد الاستراحة، التي كثيرون لم يحتاجوا إليها، ألهب زياد وفرقته الصالة بـ«ولّعت كتير». فصحيح أنه بتحرره من «بروتوكول» المسرح والـ«إيتيكيت» يستقطب الأعين، فكيف إذا اقترن كل ذلك، بشَعر كثّ مستعار ولباس «كول» مع بعض «اللطشات» بالإنجليزية، وفتاة ترقص بجنون عفوي، مضحك حتى البكاء؟! أما «الاسكتشات» المنتقاة من برنامج «العقل زينة» الذي كان يبث عبر أثير إذاعة «صوت الشعب» ومقالات نُشِرت في صحيفة «الأخبار» المحلية، فكانت كالمطيّبات بسخريتها اللاذعة وانتقادها العميق للمجتمع وتحديدا اللبناني ـ الطائفي، إذ يقول في أحدها إن «الفقر يجرّ الفقر والسمنة تجرّ السمنة والمال يجرّ المال وهتلر يجرّ البهائم (...) ووحده الدين في لبنان يجرّ الكفر (!)».