رئيس البرلمان البرتغالي في أصيلة: الديمقراطية بأميركا الجنوبية وأفريقيا تمر بمصاعب شاقة

بن عيسى: الحديث عن التعاون جنوب ـ جنوب بأصيلة بدأ أيام اشتداد الحرب الباردة

فيكتور مانويل باربوسا وزير الخارجية السابق في جمهورية الرأس الأخضر يتوسط خايمي غاما رئيس البرلمان البرتغالي ومحمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة خلال الجلسة الختامية لندوة «التعاون العربي الافريقي الإيبيرولاتينو أميركي: الحكومات والمجتمع المدني»، الليلة قبل الماضية (تصوير: أسامة محمد)
TT

قال محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة إن «موضوع التعاون جنوب ـ جنوب، يندرج في صميم انشغالات وأهداف مواسم أصيلة الثقافية منذ انطلاقها قبل أكثر من ثلاثة عقود»، موضحا أن الحديث عن المشروع بدأ منذ أن كانت أوار الحرب الباردة مشتعلة، وحينها لم يكن الشمال والجنوب بالصورة التي هو عليها الآن.

واعتبر بن عيسى، الذي كان يتحدث الليلة قبل الماضية، في الجلسة الختامية لأشغال الندوة الأولى المدرجة ضمن فعاليات الموسم الثقافي الحادي والثلاثين، والتي تناولت على مدى ثلاث جلسات موضوع «التعاون العربي الإفريقي الإيبيرو لاتينو أميركي: الحكومات والمجتمع المدني»، أن تأسيس المنتدى العربي ـ الإفريقي بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، بمبادرة من الشاعر والرئيس السنغالي الراحل ليوبولد سيدار سنغور، والأمير الأردني الحسن بن طلال، وكذا بدعم عدد من المفكرين والمبدعين من إفريقيا والعالم العربي «مهّد لنا الطريق لمد الجسور عبر المحيط الأطلسي، نحو شبه الجزيرة الأيبيرية وأميركا الجنوبية، ومن هنا جاءت فكرة التعاون بين المجالات الجغرافية الثلاثة».

وأضاف بن عيسى أن المنتدى العربي ـ الإفريقي بعد أن توسع ليشمل الفضاء الأيبيري والأميركولاتيني، وبعد أن قبِل الرئيس الغاني السابق جون كوفور، رئاسته عن الجانب الإفريقي، فإن السعي متجه الآن نحو تهيئة آلية لهذا التعاون «ستسهل لنا عملية العبور لخلق شبكات مترابطة لهذا المنتدى الموسع حتى يستمر التواصل والحوار بيننا، بل قد نحدث منتدى عبر شبكة الإنترنت، يصبح بمثابة مدونة مفتوحة، يلتقي فيها من يكتبون ويقترحون ويناقشون من كل الجهات المعنية، مما يمكّننا من الإسهام في تراكم المعرفة التي نعيش عصر تدفقها بامتياز، إذ المهم أن تكون لنا محطات للقاء المتعدد هنا وهناك، حيث سيتاح عبر تلك الوسائل لتعبيرات المجتمع المدني الإسهام في إرساء أسس التعاون والتواصل والحوار العربي ـ الإفريقي ـ الأيبيري ـ الأميركولاتيني.

إلى ذلك، لم تتقيد باقي المداخلات والتعقيبات، التي ألقيت خلال الجلسة الأخيرة، بمحور دور المجتمع المدني في تقوية أواصر التعاون بين الشعوب والحكومات، بل لامست المحاور الثلاثة التي تفرعت إليها الندوة.

وتدخل في الجلسة، التي أدارها فيكتور مانويل باربوسا، وزير الخارجية السابق لجمهورية الرأس الأخضر، خايمي غاما، رئيس البرلمان البرتغالي، الذي أثار مسألة عجز المنظمات الإقليمية والقارية عن الاضطلاع بالأدوار الموكلة إليها، فمنظمة الدول الأميركية الجنوبية، في نظره، عجزت عن التدخل في أزمة دولة الهندوراس، رغم أنها أقدم من منظمة الأمم المتحدة، مسجلا أن الديمقراطية تمر بمصاعب شاقة في أميركا الجنوبية وإفريقيا، كما أن الحديث عن التعاون البيني لا يكثر إلا لحظة اندلاع الأزمات.

وتطرق غاما أيضا إلى الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية وانعكاساتها على التعاون، فقال إنها عميقة في أميركا وأوروبا وامتد تأثيرها إلى الدول الإفريقية وأميركا الجنوبية حيث تقلصت الاستثمارات، وتراجعت مداخيل المهاجرين، وفُرضت قيود جديدة على منح القروض، كما أثر انخفاض أسعار النفط والمعادن على اقتصاديات الدول المصدرة لها، وصارت رؤوس الأموال تغادر القارة الإفريقية، في حين تدخلت الدول الغربية للتحكم في الأزمة، ووقف إفلاس البنوك، لكن الأزمة، بذات الوقت، لم تحل دون نمو اقتصاديات بلدان مثل الصين والهند والبرازيل، لكن ذلك لا يحقق نهضة اقتصادية مستديمة، فالتنمية العلمية، يقول غاما، مترابطة مثلما هو ازدهار الاقتصاديات، مبرزا أن نقل الشركات الكبرى إلى دول الجنوب حيث اليد العاملة رخيصة، أسفرت عنه نتائج اقتصادية عكسية.

واعتبر غاما الحوار مع الصين بالغ الأهمية، على الر غم من أنها مصدر الكارثة المالية العالمية لوجود ارتباط بين اقتصادها والاقتصاد الأميركي، مثلما للصين علاقة مع دول الجنوب التي تستورد منها الطاقة والمواد الأولية، لكن غاما حذر من سياسة إغراق الأسواق الإفريقية بالبضائع الصينية الرخيصة التي تهدد الإنتاج المحلي، ولذلك شدد على ضرورة أن تُجري إفريقيا مفاوضات معها.

ومن جانبه، تطرق بابكار ديوب المشرف في جامعة أنتا ديوب في السنغال، والرئيس السابق لمجلس الاتحاد الإفريقي للتنمية، بالعلاقات بين المغرب وبلاده، مبرزا أن ما شاهده في أصيلة أدهشه وأتاح له التعرف على أفكار ومواقف ومفاهيم، وركز ملاحظاته على دور المجتمع المدني بكل تعقيداته وكذا أسلوب انخراطه في مواجهة التحديات التي يواجهها التعاون جنوب ـ جنوب.

وقال ديوب إن ثمة حاجة إلى تغيير الأنماط الفكرية بخصوص التعاون، متسائلا عما إذا كانت الحكومات مستعدة لنقاش حقيقي وصريح مع المجتمع المدني، معطيا المثال بالخلاف الذي نشب أخيرا بين بلاده والمغرب على خلفية الخلاف بشأن شركة الخطوط الجوية المشتركة بينهما، مطالبا بالتحكيم المستقل في مثل تلك المنازعات التي تؤثر على مستوى التعاون بين دول الجنوب، على أن تتولى التحكيم هيئات محايدة، لا المحاكم الدولية.

وقال ديوب إن دكار ستستضيف عام 2011 الدورة المقبلة للمنتدى الاجتماعي العالمي، وفيه ستثار وجهات نظر وتقييمات مختلفة بهدف تنسيق أكثر بينها، معربا في نهاية تدخله عن استمرار المشكلات، متسائلا: «كيف يمكن تحقيق الاتحاد الإفريقي دون المغرب؟».

وانتقد مومودو كوروما، وزير خارجية سيراليون السابق، بعض سمات العولمة التي قال إنها تتضمن سلبيات وإيجابيات، متوقفا عند مسألة تدفق المعلومات التي قال إنها تتحرك في اتجاه واحد، ولا يوجد توازن، ذلك أن أوروبا وأميركا لا تعرفان ما يحدث في إفريقيا.

واستغرب كوروما كيف يرسل الأفارقة الطلاب إلى روسيا لتعلم لغتها، وهي لغة بالغة الصعوبة، والدراسة في جامعاتها، دون أن يفعلوا نفس الشيء حيال أميركا الجنوبية.

وفي معرض حديثه عن العلاقة بين دول الجنوب والمؤسسات المالية العالمية، أشار كوروما إلى أن هذه الأخيرة تفرض قيودا على تمويل مشاريع التنمية رغم حيويتها بالنسبة إلى بلدان الجنوب، وأعطى المثال بمشروع محطة إنتاج للكهرباء في بلاده وقع الاتفاق بشأنها مع المغرب الذي وفر الكوادر الفنية والدراسات، لكن المشروع لم ينفذ لانعدام مصدر للتمويل، موضحا أن المؤسسات المالية الدولية من قبيل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، تشترط سلامة الموازنة من عيوب التضخم وانخفاض معدل النمو.

ومن جهته، قال سارا فالديس مدير عام إفريقيا بوزارة الخارجية المكسيكية، إن العولمة عملية متعددة الأوجه والمظاهر، ما يفرض على دول الجنوب انتهاج سبل جديدة لتحقيق التعاون والاندماج بينها، إذ لا يمكن لأي بلد أن يتصدى وحده للمشكلات والتحديات الموروثة عن القرن الماضي مثل قضايا البيئة والأمن والسلام والطاقة والفقر، أضيفت إليها تحديات جديدة من قبيل الجريمة المنظمة، والرق الجديد، وتدفقات الهجرة.

واستعرض فالديس، في هذا السياق، علاقات التعاون بين بلاده والعالم العربي، ومؤسسة الجامعة العربية، التي حصلت المكسيك على وضعية عضو مراقب بها، وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الإفريقي، كما ترتبط المكسيك بعلاقات تعاون جيدة مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وعدّد لويس البيرطو ستال، سفير المكسيك السابق في نيجيريا، القواسم المشتركة السلبية والإيجابية بين إفريقيا وأميركا الجنوبية مثل الصراعات المسلحة والمشكلات المتفرعة عن التنمية، لكن بلدان القارتين قطعت أشواطا في مجال ترسيخ الحقوق والإصلاحات، مشيرا إلى أنه ستقام على مدى السنوات المقبلة احتفالات بأعياد الاستقلال في أميركا الجنوبية، منبها إلى أن نيل الاستقلال وحده لا يكفي بل لا بد من تعزيز الاستقلالية، معتبرا الديمقراطية قاعدة للازدهار والتقدم بالنسبة إلى إفريقيا وأميركا الجنوبية. وألحّت ماريا بيتانكور، الأستاذة الجامعية الكولومبية، على ضرورة أن يكون التعاون البيني بين دول الجنوب ذا طابع مستديم وطبيعة مهيكلة، مؤكدة أن المجتمع المدني له بالفعل دور محوري، لكنها تساءلت عن كيفية الانتقال من العمل إلى العملية التنموية، ملاحظة أن المجتمع المدني له القدرة على التعرف على المشكلات بكيفية ملموسة وإيجاد الحلول البديلة، لكن على هذا المجتمع، من جهة ثانية، أن يقوّي مبدأ مساءلة الحكومات لتعزيز سلطة القانون.

وسجلت بيتانكور أن بعض الحكومات شرعت في إشراك المجتمع المدني في بعض المشروعات، لكنها اشترطت أن يتم ذلك عند المنطلق أي لحظة رسم السياسات لا خلال مراحل تنفيذها.

إلى ذلك، دعت الندوة إلى «تغيير نمط التفكير، وذلك عبر التعارف المتبادل والمبادلات الثقافية وديناميات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذا مبادئ الانسجام والإنصاف والاحترام المتبادل بين الشركاء». واعتبر المشاركون في الندوة، في بيان ختامي، أن التعاون جنوب ـ جنوب ليس اختيارا ولكنه ضرورة سياسية تتطلب تعديلات في ممارسات الحكومات والمنظمات الجهوية ومنظمات المجتمع المدني. وأكد المشاركون على أهمية الاندماج الجهوي، وضرورة تقديم حصيلة للمسارات من أجل تدبير جيد للمسلسل يمكنه أن يأخذ بعين الاعتبار التنوع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلدان وخصوصيات كل فضاء أو جهة، مشيرين إلى أن تنوع المقاربات من شأنه أن يشكل مزية وليس عائقا في تعريف الرؤية للشراكة جنوب ـ جنوب، وذلك على الخصوص بفضل تبادل التجارب ونقل الخبرات بين البلدان. وثمن المشاركون عاليا الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس السبت الماضي للمشاركين في أشغال الدورة الـ31 للموسم الثقافي الدولي لأصيلة، والتي شدد فيها على التحدي الكبير الذي يطرحه تعزيز التعاون جنوب ـ جنوب، ودور المجتمع المدني في تحقيق الأهداف المتعلقة به.