جنبلاط يغادر «14 آذار» إلى «الوسط».. ويبقي لها الأكثرية النيابية

الزعيم الدرزي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه سيعقد مؤتمرا صحافيا لتناول التطورات الأخيرة

كتلة المستقبل النيابية مجتمعة في قصر قريطم برئاسة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

أما وقد قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب اللبناني وليد جنبلاط كلمته و«مشى» تاركا قوى «14 آذار» بعد نحو 5 سنوات من التحالف العضوي، فقد استفاقت الساحة اللبنانية على واقع جديد أطاح ـ مؤقتا ـ بمساعي تشكيل الحكومة الجديدة التي سافر رئيسها المكلف إلى جنوب فرنسا في زيارة عائلية أرادها فرصة «للتفكير الهادئ» بالخطوة التالية.

أما جنبلاط «المنهك» من عدد الاتصالات التي يتلقاها في اليوم الواحد منذ إعلانه الأحد نيته مغادرة تحالف «14 آذار»، فقد بات واضحا أنه أراد لنفسه «حيثية مستقلة»، من دون إفقاد الأكثرية أكثريتها في البرلمان اللبناني ليستقر عددها على 66 نائبا من أصل 128 باعتماده «فصلا» بين أعضاء كتلته عبر تقسيمها إلى كتلة نواب الحزب التقدمي الاشتراكي ونواب «اللقاء الديمقراطي» المتحالفين معه. وعلمت «الشرق الأوسط» أن جنبلاط أبلغ نواب اللقاء الذي يرأسه ويضم 11 نائبا أن قراره يلزم نواب الحزب الخمسة (هو ووزير الأشغال غازي العريضي ووزير الدولة وائل أبو فاعور وأكرم شهيب وعلاء الدين ترو)، وأن النواب الستة الآخرين (مروان حمادة ونعمة طعمة وهنري حلو وأنطوان سعد وفؤاد السعد وايلي عون) أحرار في الموقف الذي سيتخذونه في البقاء ضمن قوى «14 آذار». وفي المعلومات أيضا أن نواب منطقة عاليه سيجتمعون اليوم للبحث في القضية وإعلان البقاء في «14 آذار» واللقاء الديمقراطي في الوقت نفسه على الأرجح.

وكان جنبلاط قد أبلغ «الشرق الأوسط» أنه سيعقد مؤتمرا صحافيا في وقت قريب جدا لتوضيح مواقفه الأخيرة ووضع النقاط على الحروف، فيما قال مفوض الإعلام في «التقدمي» رامي الريس لـ«الشرق الأوسط» إن قرار الخروج من «14 آذار» ثابت ولا عودة عنه، لكنه شدد على أن لا نية لدى جنبلاط لاستعداء «14 آذار» ولا استجداء «8 آذار». وأشار إلى أن الحزب «قرر أن يكون على مسافة واحدة من الجميع وأن يكون بجانب رئاسة الجمهورية التي تضمن الجميع وتقف على مسافة واحدة منهم، مشيرا إلى أن «الهدف الأساسي من خطوة جنبلاط هو كسر الاصطفافات السياسية والانقسامات العمودية التي أدت إلى ما أدت إليه من توتر وتشنج على المستوى الوطني في المراحل السابقة وكادت أن تؤدي بالبلاد مجددا إلى الاقتتال الداخلي».

وعلى الرغم من إعلان مغادرة الرئيس الحريري لبنان في إجازة عائلية، وكذلك رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع وزوجته النائبة ستريدا في إجازة مماثلة، مكذبا ما نقل عنه من انتقادات عنيفة لجنبلاط، فإن الاتصالات التي يقوم بها أصدقاء مشتركون تواصلت لتبريد الأجواء، فيما برزت حركة عربية باتجاه لبنان تمثلت باتصال هاتفي أجراه الرئيس المصري حسني مبارك برئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ووصول وزير الإعلام السعودي الدكتور عبد العزيز خوجة إلى العاصمة اللبنانية اتيا من المغرب.

وبعد نفي جنبلاط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، نيته بزيارة سورية «قريبا جدا»، نقل موقع التيار الوطني عن «مصادر مقربة من الحزب القومي السوري الاجتماعي قالت «للراية» إن الرئيس السوري بشار الأسد يبارك» خطوة انفصال جنبلاط عن «14 آذار»، وأن «هذا التغيير قد يشكل بطاقة دعوة لرعاية إقليمية كي تنجح بشكل جيد». كما نقلت عن المصدر قوله إن «طريق دمشق أصبحت مفتوحة وليس بحاجة وليد جنبلاط إلى أي وساطة، فهو يقرر متى يذهب ومتى يعود إلى سورية».

ودخلت مساعي تأليف الحكومة في إجازة هي الأخرى بعدما أدى خروج جنبلاط من الأكثرية إلى تغيير في توازناتها يختلف عن التوازن النيابي الذي تمت المحافظة عليه لصالح «14 آذار»، إذ أن حصول جنبلاط على 3 مقاعد في الحكومة من شأنه إحداث اختلاف في توازناتها، مما يستدعي «إعادة نظر» قد تؤدي في النهاية إلى بقاء الوضع على ما هو عليه كما يرجح رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نقل عنه أن صيغة 15 (وزيرا للأكثرية بما فيها جنبلاط) + 10 (وزراء للمعارضة) + 3 (وزراء لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان) باقية. وتجنب أمين الجميل الرئيس السابق للجمهورية وأحد أركان «14 آذار» تناول مواقف جنبلاط مباشرة، لكنه أكد «التمسك برمزية مصالحة الجبل، التي أسست ميدانا»، لانتفاضة الأرز عام 2005، ذاك التجمع الوطني الذي أطلقه اغتيال الرئيس رفيق الحريري». وقال الجميّل: «لبنان اليوم، يقف عند مفترق طريق خطر، يؤكد على بقاء أركان ثورة الأرز، قلبا واحدا، حول ثوابت وطنية راسخة، لا مجال للخروج عنها وهي: توحيد الشعب اللبناني، حول شعار السيادة والاستقلال الذي رسخته دماء شهدائنا الأبطال، والتأكيد أن لبنان جزء لا يتجزأ من محيطه العربي».

وكانت كتلة «تيار المستقبل» النيابية عقدت اجتماعها الأسبوعي في قريطم برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، وتشاورت في مسألة تأليف الحكومة العتيدة. وأوضح الرئيس السنيورة للنواب المشاركين في الاجتماع، وفق بيان للكتلة «أن سفر الرئيس المكلف سعد الحريري في إجازة خاصة يهدف إلى أخذ مسافة فعلية عن حرارة الجدل الدائر حول التكوين السياسي لقوى الرابع عشر من آذار، وكذلك عن المشاورات بشأن تشكيل الحكومة». وأضاف «أن سفر الرئيس المكلف يهدف إلى التفكير والتدبر بهدوء، بعيدا عن الجدل الكلامي الذي دار في الفترة الأخيرة». وتناولت الكتلة في مناقشاتها عنوان «لبنان أولا» «الذي أثار الكثير من الاجتهادات والتأويلات غير الدقيقة حول مضمونه» (في إشارة إلى الانتقادات التي وجهها جنبلاط لهذه التسمية)، وقال البيان إن الحاضرين «عبروا عن فهمهم وتمسكهم بشعار لبنان أولا الذي لا يتناقض مع الانتماء العربي إلى لبنان بشكل نهائي وغير قابل للنقاش»، ورأوا «أن لبنان يقدم نموذجا حضاريا ومتنوعا للعيش المشترك وللعروبة إلى جميع أشقائه العرب، وفي ذلك إصرار على أن اللبنانيين اختاروا لبنان وطنا نهائيا ضمن أمته العربية، التي لا ينفصل عنها ولا يقبل بديلا منها». وبرز أمس موقف لافت لوزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي (14 آذار) الذي دعا الرئيس المكلف سعد الحريري إلى «اتخاذ المبادرة والإعلان عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بأسرع وقت ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم». وقال: «إذا كان البعض يفكر أو يخطط لإحراج الرئيس الحريري أو تطويقه سياسيا، فإن الحريري، بما يمثل من كتلة نيابية ومن إرث سياسي، قادر على استعادة المبادرة إيجابيا وإظهار أن الطائفة السنية عبر تاريخها وبحكم موقعها في تركيبة النظام السياسي، هي صاحبة الدور المسهل وليس الدور المعطل، الدور المنفتح على الجميع والحاضن للجميع، فلا أحد يستطيع أن يدفع بها إلى التقوقع الداخلي ولا أحد يستطيع المزايدة عليها أو عزلها عن محيطها العربي». واعتبر «أن موقع رئاسة الحكومة هو موقع جامع للبنانيين وهي الأحرص على سير عمل الدولة ومؤسساتها لأنه لم يكن للطائفة السنية يوما أي مشروع خارج مشروع الدولة السيدة والديمقراطية».

وفي الإطار نفسه رأى النائب نعمة الله أبي نصر، من كتلة النائب ميشال عون، أن «مغادرة الرئيس الحريري المكلف بتشكيل الحكومة الأراضي اللبنانية في إجازة عائلية، هي بكل بساطة عملية اعتكاف من دون اعتزال مما يدخل لبنان في أزمة حكومية مفتوحة على المجهول». ورأى «أن هذا الوضع يستدعي دعوة مجلس النواب للانعقاد فورا وللبدء بتعديل الدستور لجهة تحديد المهلة المعطاة لرئيس الحكومة المكلف بستين يوما على أن تعطى لرئيس الجمهورية صلاحية تمديد هذه المهلة ثلاثين يوما فقط، إذا شاء ذلك أو يعمد إلى إعادة الاستشارات النيابية مجددا لتكليف شخصية تتولى تشكيل الحكومة حتى ولو وقع الخيار على الشخصية نفسها».