المحافظون الإيرانيون يحتفلون بتنصيب نجاد: عملية مقدسة

أوباما وساركوزي وميركل وبراون لن يبعثوا برسائل تهنئة للرئيس الإيراني

أحمدي نجاد يقسم اليمين الدستورية اليوم وسط مطالبات الإصلاحيين للشارع بالتظاهر (أ.ف.ب)
TT

قبل يوم من تنصيب الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، رسميا رئيسا لإيران، وقسمه اليمين الدستورية أمام البرلمان، تعهد قادة الحركة الإصلاحية، أمس، بمواصلة تحديهم لحكومة أحمدي نجاد، قائلين إنهم لن يعترفوا بشرعية الرئيس الإيراني أو حكومته، ولن يتعاملوا معها. وتزامن ذلك مع توجه عدد من الدول الغربية عدم إرسال رسائل تهنئة للرئيس الإيراني بمناسبة إعادة انتخابه، وهو إجراء بروتوكولي عادي في مثل هذه الحالات. فقد أعلنت كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا أنهم لن يرسلوا رسائل تهنئة للرئيس الإيراني. وقال مسؤول أميركي مطلع لـ«الشرق الأوسط» إنه على الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اتخذت خطوات رمزية لفتح صفحة جديدة مع إيران، مثل كلمة أوباما للقيادة والشعب الإيرانيين بمناسبة عيد «النيروز» في بداية السنة الفارسية الجديدة، في مارس (آذار) الماضي، فإنه لا نية لدى واشنطن في إرسال بطاقة تهنئة لأحمدي نجاد، موضحا أن أحداث الانتخابات جعلت أميركا «أكثر حذرا» حيال الحكومة الإيرانية.

وعلى الرغم من مقاطعة الإصلاحيين، وعدد من كبار آيات الله للحكومة، وعدم تهنئة الدول الغربية لأحمدي نجاد، فإن المحافظين الإيرانيين بدوا متحدين، أمس، لدعم أحمدي نجاد. وتحدثت صحيفة «كيهان» الإيرانية المحافظة، أمس، عن ما سمته «الشرعية الإلهية» لمحمود أحمدي نجاد. وكتبت «كيهان»، أكبر صحيفة محافظة في إيران، التي يرأس تحريرها حسين شريعتمداري، ممثل المرشد الأعلى لإيران، آية الله على خامنئي، في مقال، أمس: «إنها عملية حاسمة ومقدسة. ما شاهدناه أمس يمنح الرئيس شرعية إلهية». فيما ركزت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا» على رسائل التهنئة للرئيس الإيراني من القيادة في دولة الإمارات وسلطنة عمان، فيما أرسل عدد من آيات الله المحافظين في قم، مثل آية الله مصباح يزدي، وآية الله همداني، رسائل تهنئة للرئيس الإيراني، مؤكدين أن فوزه «انتصار» لنهج الحريصين على مبادئ الثورة، منددين بالمعارضين له. أيضا أرسل النواب المحافظون في البرلمان الإيراني رسائل تهنئة لأحمدي نجاد.

وجاءت تهنئة عدد من آيات الله ونواب البرلمان ومقالة «كيهان» بعدما ألقى خامنئي خطابا أشاد فيه بمحمود أحمدي نجاد أثناء مراسم تثبيت إعادة انتخابه قبل يومين. وسيتم تنصيب أحمدي نجاد رسميا اليوم أمام البرلمان بقسمه اليمين الدستورية، بعد أكثر من شهر ونصف من احتجاجات المعارضة على نتائج الاقتراع.

وكان خامنئي أشاد، خلال تصديقه على رئاسة أحمدي نجاد، بتصويت الإيرانيين «غير المسبوق» للرئيس أحمدي نجاد، الذي وصفه بأنه «رجل شجاع، وعامل مجد وذكي»، وذلك في مراسم تنصيب اتسمت بغياب قادة المعارضة، وعلى رأسهم رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء، على أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يغيب لأول مرة، منذ الثورة عام 1979، عن تنصيب الرئيس الجديد. كما غاب عن المناسبة زعماء المعارضة الإصلاحية، مير حسين موسوي، ومحمد خاتمي، ومهدي كروبي.

وقال المرشد الأعلى في مصادقته على أحمدي نجاد إن «تصويت الإيرانيين الحاسم، وغير المسبوق، للرئيس، هو تصويت تهنئة على أداء الحكومة المنتهية ولايتها». وبدا الإصلاحيون الإيرانيون مصرون، أمس، على عدم التعامل أو الاعتراف بحكومة أحمدي نجاد، على الرغم من الضغط الكبير عليهم عبر وسائل كثيرة، من بينها المحاكمات لكبار مسؤولي الحركة الإصلاحية، ومنع أي مظاهرات في الشارع، وإغلاق الكثير من الصحف الإصلاحية من بينها صحيفة «الكلمة الخضراء» التابعة لزعيم المعارضة الإصلاحية، مير حسين موسوي.

ونقل عن مهدي كروبي، زعيم حزب «اعتماد ملي»، قوله، أمس، إنه سيواصل، هو وموسوي، الاحتجاجات ضد حكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وقال كروبي في مقابلة مع صحيفة «إل باييس» الإسبانية: «لم أنسحب أنا ولا موسوي. سنمضي في الاحتجاج ولن نتعامل قط مع هذه الحكومة. لن نضر بها، لكننا سننتقد ما تفعله».

وألقى كروبي باللائمة في الاضطرابات واحتجاجات الشوارع الأخيرة في إيران على الطريقة التي أدارت بها السلطات الانتخابات. وقال «بصدق شديد إذا كانت السلطات قد تعاملت بطريقة مختلفة لم نكن قد شهدنا هذه المشكلات، لأن غالبية من تظاهروا خرجوا لهذا السبب».

وأضاف أن الشعب الإيراني يريد حلا للاضطرابات، ويريد فرض الاستقرار في أقرب وقت ممكن، وأنه وموسوي قلقان بشأن مقتل متظاهرين في الشوارع.

ودعم كروبي إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى التي تحاول فتح قنوات اتصال مع إيران. وقال «الشيء الأكثر فائدة للإيرانيين المفاوضات. لا يستفيد أحد من مشكلاتنا المستمرة مع الولايات المتحدة».

من ناحيتها أكدت زوجة زعيم المعارضة الإيراني، مير حسين موسوي، أنه سيواصل معارضته لنتائج الانتخابات، موضحة أن الحركة الإصلاحية لن توقف حركة الاحتجاجات بعد تولى أحمدي نجاد، رسميا، لمهامه. ونقل موقع إلكتروني إصلاحي عن زهراء رهنورد قولها: «على الرغم من كل المصاعب، فإننا سنواصل مسيرتنا لمعارضة نتائج الانتخابات».

ودعت المعارضة الإصلاحية إلى مظاهرات كبيرة في إيران اليوم خلال تنصيب نجاد. وحثت عدة مواقع إلكترونية، محسوبة على الإصلاحيين الإيرانيين، على المشاركة الواسعة في مظاهرات تتزامن مع قسم الرئيس الإيراني اليمين الدستورية، إلا أن الانتشار، واسع النطاق، للحرس الثوري الإيراني، وقوات «الباسيج»، في مفاصل العاصمة والمدن الكبيرة يزيد من صعوبة خروج المتظاهرين، إذ عادة ما تهاجم قوات الأمن المتظاهرين قبل تجمعهم بأعداد كبيرة.

ويأتي ذلك فيما تبحث كتلة الإصلاحيين في البرلمان الإيراني، والمؤلفة من 72 نائبا، قرار مشاركتها من عدمه في مراسم أداء محمود أحمدي نجاد اليمين الدستورية اليوم. وقال المتحدث باسم الكتلة، داوود قنبري، إن الكتلة تتجه لمقاطعة المراسم وجلسة الثقة للحكومة المقبلة، فيما قالت صحيفة «اعتماد ملي» التي تتبع لكروبي أن «ذلك أثار غضب المحافظين».

وكان مصدر إصلاحي إيراني قد كشف لـ«الشرق الأوسط» أن رفسنجاني «لن يعترف بشرعية الحكومة أو الانتخابات»، و«غاضب» من استمرار اعتقال كبار المسؤولين في الحركة الإصلاحية، والتقارير عن تعرضهم للضغط الجسدي والنفسي.

وكان عدد من مراجع التقليد في قم قد قالوا إنهم لا يعترفوا بشرعية انتخاب أحمدي نجاد، ومنهم أسد الله بيات زنجاني، وموسوي أردبيلي، ويوسف صانعي، وعلي منتظري.

وفي مؤشر على العلاقات الصعبة المحتملة بين الحكومة الإيرانية الجديدة والدول الغربية، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية، أمس، إن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لن تهنئ الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، عندما يجرى تنصيبه اليوم رسميا. وأضاف «نظرا لإعادة انتخاب أحمدي نجاد المثير للجدل، فإن المستشارة لن تتخذ الإجراء المعتاد بكتابة رسالة تهنئة».

وفي واشنطن قال مسؤول بالإدارة الأميركية، على علاقة بالملف الإيراني، إن إدارة أوباما لن ترسل بطاقة تهنئة إلى أحمدي نجاد، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «موقفنا مما حدث ضد المتظاهرين عبرنا عنه أكثر من مرة على لسان الرئيس أوباما، ووزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون. كما أن لدينا أسبابا للقلق مما يتعرض له المعتقلون. وفي ضوء هذه الحقائق ليس هناك اتجاه لتبادل الملاطفة البروتوكولية مع طهران». وشدد المسؤول الأميركي على أن الانتخابات الإيرانية، وما جرى خلالها، زاد «عبء» السياسة الأميركية حيال طهران، موضحا: «لدينا قضايا عالقة وشائكة مع الإيرانيين نريد حلها. كنا في البداية نتطلع للحوار مع طهران. الآن نريد الحوار لأنه ضرورة لا مفر منها للاطمئنان حول النوايا النووية الإيرانية وأنشطتها الإقليمية. لكن الانتخابات والشكوك حول المخالفات تجعلنا حذرين أكثر في التعامل مع الحكومة الإيرانية. هم لم يردوا بعد على عرض الحوار، وهذا يجعلنا أكثر حذرا في التعامل معهم، وفيما نتوقع منهم». وكان البيت الأبيض قد أعلن، أمس، أن أوباما لا ينوي إرسال برقية تهنئة للرئيس الإيراني، وأوضح روبرت غيبز، المتحدث باسم البيت الأبيض، للصحافيين: «ليس لدي ما يدعوني للاعتقاد بأننا سنبعث بأي برقية».

وعلى الرغم من عدم تهنئة البيت الأبيض لأحمدي نجاد، فإن غيبس قال إن أحمدي نجاد هو «الزعيم المنتخب لإيران»، موضحا: «كان ذلك قرارا ونقاشا دائرا داخل إيران بين الإيرانيين.. هم يختارون قادتهم».

بدوره أعلن مكتب الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، أن الرئيس الفرنسي لن يرسل بدوره بطاقة تهنئة إلى أحمدي نجاد بعد تنصيبه، موضحا: «لا خطة لإرسال رسالة تهنئة».

كما أعلنت لندن أن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون لن يبعث رسالة تهنئة إلى أحمدي نجاد. وقال المتحدث باسم الحكومة: «رئيس الوزراء لن يكتب ليهنئ السيد أحمدي نجاد»، وامتنع عن الإدلاء بمزيد من المعلومات.

وسادت حالة من الجدل بعد إرسال الحكومة البريطانية، أول من أمس، الرجل الثاني في سفارتها في طهران، باتريك ديفيز، لحضور حفل مصادقة خامنئي على رئاسة أحمدي نجاد، على الرغم من أن طهران انتقدت بريطانيا بشكل شرس بسبب مزاعم عن تدخلها في أزمة الانتخابات الإيرانية، وطرد طهران لمراسل الـ«بي بي سي» جون لين. وسعت وزارة الخارجية البريطانية للتقليل من تأثير مشاركة ديفيز، موضحة أنه حل محل السفير البريطاني في طهران، سيمون غاس، بشكل متعمد لإرسال رسالة إلى طهران مفادها أن «الأمور لا تيسير كالمعتاد» في العلاقات بين البلدين، بعد أزمة الانتخابات، وأن لندن لم ترسل السفير نفسه، بل نائبه، في شكل من أشكال الاحتجاج. وشددت الخارجية البريطانية على أنه بسبب أهمية القضايا العالقة مع طهران التي يريد الغرب الحوار حولها، مثل البرنامج النووي، وأوضاع حقوق الإنسان، يجب أن تكون هناك «قنوات مفتوحة» للحوار مع طهران.