أسابيع من السجالات والشائعات أزعجت العاهل الأردني ودعته للمطالبة بالتصدي لأصحاب الأجندات المشبوهة

حديثه أمام كبار قادة القوات المسلحة أرسل رسائل داخليا وخارجيا

TT

اختار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قيادة الجيش، عماد الحكم في بلاده، ليحذر من وصفهم بـ«أصحاب الأجندات الخاصة والمشبوهة» مؤكدا تمسكه «بحق عودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين» ورفضه لأي ضغوط خارجية ضد مصالح مواطنيه.

وخلال الأسابيع الماضية تصادمت فكرتان، الأولى أطلقها شرق أردنيون يعارضون توطين الفلسطينيين على الأراضي الأردنية ويطالبون بعودة الجميع من دون استثناء حماية لهوية البلد من الفلسطنة، فيما رأى أردنيون من أصول فلسطينية أن لهم حقوقا سياسية لا بد من نيلها هنا. ويؤوي الأردن نحو مليون و930 ألف لاجئ، طبقا لآخر إحصاء أجرته الأونروا هذا الصيف، أقل من نصفهم يقيمون في 13 مخيما، وثمة أيضا مليون نازح تعود أصولهم إلى الضفة الغربية، التي كانت جزءا من الأردن بين عامي 1950 و1967، حين وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وبعد الحديث الذي أطلقه أول من أمس أمام كبار قادة القوات المسلحة أرسل رسائل في جميع الاتجاهات داخليا وخارجيا. جاءت كلمة الملك، التي لم يعلن عنها مسبقا، بعد أسابيع من السجالات والشائعات في الصحف وبين النخب السياسية حول وجود تفاهمات أو صفقات غير معلنة لتوطين اللاجئين في الأردن.

ولم يصطحب رأس الدولة، القائد الأعلى للقوات المسلحة، أيا من حاشيته أو أعضاء الحكومة إلى هذا اللقاء، علما بأن رئيس الوزراء (نادر الذهبي) يحمل حقيبة الدفاع، بحسب العرف.

وبعد أن انتقد الملك عبد الله الثاني السجالات عبر الإعلام وفي الصالونات السياسية، حذر الملك الذي اعتلى العرش عام 1999 من «أي محاولة للإساءة للوحدة الوطنية» مشددا على أنها خط أحمر ولن نسمح لأحد في الداخل أو الخارج أن يسيء إليها». وجادل أن أكثرية من «يحاول الإساءة هم للأسف في الداخل وهذا «عيب وحرام». ويرى مراقبون سياسيون انه كان متوقعا من العاهل الأردني أن يخرج على الأردنيين لمصارحتهم وتحذيرهم من فئة تخصصت في بث الإشاعات ضد مستقبل الأردن وإلغاء وجوده من خلال إقامة وطن بديل للفلسطينيين وكذلك أثار بعض وسائل الإعلام الخارجية حول سحب الجنسية الأردنية وغيرها من الموضوعات التي تنادي بها الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة. ويرى سياسيون أن سكوت المسؤولين في الحكومة والنواب والأعيان والأحزاب السياسية الأردنية والنقابات والصحافة على هؤلاء المشبوهين قد أزعج الملك ودعاهم بصورة واضحة وصريحة إلى الرد على هؤلاء وفضحهم أمام الرأي العام لذلك تسارعت الفعاليات الرسمية والشعبية إلى إصدار البيانات المؤيدة لسياسة الملك وشجب تصرفات مروجي الإشاعات الذين يحاولون صنع الفتنة والتخريب في المجتمع الأردني. ويرى مختصون إعلاميون أن الصحافة لم تكن عاجزة عن الرد على مثل هذه الإشاعات التي مست الوحدة الوطنية، إلا أن قانون المطبوعات والنشر الذي يحظر على وسائل الإعلام الإساءة إلى الوحدة الوطنية وتخوفا من المساءلة أمام القانون فقد تعاملت الصحافة مع هذا الموضوع على قاعدة (سكن تسلم) ولذلك طالبت الفعاليات الرسمية والشعبية بأن تكون هناك إجراءات قانونية رادعة بحق هذه القلة.

أما رئيس الوزراء الأسبق النائب عبد الرؤوف الروابدة فيرى أن الملك  كان واضحا جدا من خلال حديثه ومعرفته الأكيدة بأن ما يتردد من إشاعات أو محاولات للإساءة للوحدة الوطنية والثوابت الأردنية يدور في كواليس من يعتبرون أنفسهم نخبة وليس لها أساس أو موقع لدى الشعب الأردني في الريف والبادية والمخيمات.

وقال إن قوة الوحدة الوطنية في هذا البلد خط احمر، ومن منطلق شعبي فإن هذه الوحدة، مرفوضة جدا المتاجرة بها من قبل أي طرف والاستفادة من عملية المتاجرة بها فهذا الوطن لكل أبنائه بغض النظر عن العرق أو الدين أو الأصل، لذلك كان شعار الملك ومنذ البداية كلنا الأردن.

من جانبه يرى أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين اسحق الفرحان «أن إثارة موضوع الوطن البديل هو فتنة تخرج بين الحين والآخر تبث سمومها ما يسمى دولة إسرائيل بهدف الإساءة للوحدة الوطنية».

وأضاف أن الأصوات التي تحاول المساس بالوحدة الوطنية وبمعرفتي الأكيدة بالشعب الأردني الذي يفدي الأردن بالروح والنفس وبأغلى ما يملك هي أصوات محدودة ولا يؤبه بها ولا لرأيهم، فالشعب الأردني شعب واع وقادر على التصدي لتشكيك المشككين وتخاذل المتخاذلين.

وأشار الفرحان إلى أن الملك وهو يؤكد أن لا حل للقضية الفلسطينية إلا على التراب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ليؤكد من جديد أن أكذوبة الوطن البديل للفلسطينيين غير واردة وغير مقبولة ولا تقبل النقاش.

وقال وزير التنمية السياسية السابق الدكتور كمال ناصر لقد سبق للملك أن أشار إلى أن استمرار الحديث عن الوطن البديل هو أمر غير وارد وغير صحي، وكان يتعين على الجميع الالتزام بهذه الرؤية وعدم التشكيك بها أو بمستحقاتها ولا يجوز إطلاقا الانجرار وراء أصحاب أجندات خاصة وتحديدا إذا كان ذلك يتصل بكينونة الدولة الأردنية وهيبتها وصلابتها. وقال إن انتصار الدولة الأردنية للقضية الفلسطينية ليس حدثا عرضيا أو موسميا بل هو من الثوابت الوطنية ونعرف الاستحقاقات الوطنية لنصرة القضية الفلسطينية التي هي قضية مركزية تتمثل بوجوب إقامة الدولة الفلسطينية واعتبار ذلك مصلحة أردنية وطنية عليا.

وبين أن الأردن لم يكن يوما إلا مع عودة اللاجئين ومع تجسيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وقال إن أي حديث عن التوطين يمس ثوابت الدولة الأردنية ويشكك في الجهود التي بذلها ويبذلها الأردن لنصرة القضية ولا يصدر إلا عن مشككين. وأشار إلى أن الحديث عن التوطين والأجندات الخارجية أصبح يشكل ليس فقط خطرا خارجيا بل هو أيضا خطر داخلي يتعين مواجهته وإفشاله.

وبين أن التمسك بهذا الموقف القومي الأصيل فيه تجسيد لحقائق انتماء الأردن لقضاياه العربية وعزته الوطنية وهويته القومية.