وزير خارجية البرتغال في أصيلة: خضنا في الماضي حروبا ضد أفريقيا.. واليوم نخوض أخرى من أجلها

بن عيسى: الماضي المشترك بين الرباط ولشبونة لم يعد يشكل عقدة بل مفخرة

جانب من الجمهور الحاضر في ندوة «أفريقيا والبرتغال» (تصوير: أسامة محمد)
TT

شكلت ندوة «أفريقيا والبرتغال»، المبرمجة في إطار «موسم أصيلة الثقافي الدولي»، في دورته الحادية والثلاثين، لحظة مهمة لاستحضار التاريخ الاستعماري، وإبراز العلاقات التاريخية القائمة بين البرتغال والقارة الأفريقية، بشكل عام، والدول الناطقة بالبرتغالية، بشكل خاص، وكذا التأثير الأفريقي في الثقافة والفكر والإبداع البرتغالي. كما ناقشت الندوة غنى وتنوع التراث الثقافي الأفريقي البرتغالي كعامل لدعم سبل التفاهم والحوار بين الثقافات والحضارات.

وقال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، إن جارة المغرب، على الوجهة الأطلسية، بحضارتها العريقة وفنونها وثقافتها وآدابها، وحضورها الاقتصادي والاستراتيجي والسياسي وكقوة بحرية مهيمنة، طيلة قرون في مياه المحيط الأطلسي الذي يجمعنا «ليست غريبة ولا جديدة على المغرب، وأصيلة بالذات، فقد ربطتنا علاقات سلم وتعاون وحروب ونزاعات، هي ضريبة التاريخ المشترك. ولا تزال آثار ذلك الماضي شاهدة عليه، سواء، هنا في أصيلة، أو في غيرها من مناطق المغرب الواقعة على الواجهة الأطلسية، التي استهوت جيراننا، فدخلوها سلما أو حربا».

وعبر بن عيسى، الذي كان يتحدث مساء أول من أمس في حفل افتتاح الندوة، عن اعتقاده بأن الماضي المشترك الجامع بين المغرب والبرتغال، لم يعد يشكل بالنسبة للبلدين، خاصة للأجيال الجديدة التواقة إلى التواصل ومعرفة الآخر، عقدة، بل إنه مفخرة، ذلك أن تاريخ العالم هو عبارة عن صراع وحروب متبادلة ورغبات في استكشاف المجهول، بشرا كان أو طبيعة. وذهب بن عيسى إلى القول إن «أفريقيا والبرتغال استبدلتا بسلاسة الروابط الاستعمارية علاقات التعاون المنفتح على كل المجالات». وبعد أن أضاف أن «البرتغال جارة صديقة ومسالمة، تسعى إلى تعزيز أواصر التعاون مع المغرب، على الصعيد الثنائي، وأيضا على صعيد الاتحاد الأوروبي»، ختم كلمته بالقول: «نقدر عاليا الجهود المشكورة التي بذلتها الحكومات البرتغالية المتعاقبة من أجل أن يصبح المغرب شريكا ذا وضع خاص لدى الاتحاد الأوروبي».

من جهته، ثمن ميغيل دروفوادا، رئيس جمهورية ساوتومي السابق، أهمية المحور الذي تناولته الندوة، مشيرا إلى أن الحفاظ على مكتسبات الصداقة والتضامن والإخاء هو قاعدة لعلاقات أفريقيا والبرتغال، أفريقيا برمتها وليس أفريقيا البرتغالية، فقط.

واسترجع لويس أمادو، وزير الخارجية والتعاون البرتغالي، تاريخ بلاده الاستعماري، مذكرا بأن مغامرة البرتغال الاستعمارية انطلقت من أفريقيا، وهو واقع تاريخي ما زال يثير خيال البرتغاليين إلى اليوم.

ولخص أمادو مراحل تطور علاقة بلاده بأفريقيا، بقوله: «في الماضي خضنا حروبا في أفريقيا، ضد أفريقيا، قبل أن نسعى نحو إقامة علاقات سلم وتعاون متبادلة، وبعد الحرب ضد أفريقيا، في أفريقيا، ها نحن اليوم نخوض حروبا من أجل هذه القارة، في ظل النظام العالمي الجديد، وهو توجه جعلنا نطور علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية، مع مختلف الدول التي كانت مستعمرات برتغالية في السابق».

وبعد أن استعرض تداعيات الأزمة العالمية، تطرق إلى الرهانات والتحديات التي تواجه أفريقيا، والدور الذي يتعين على البرتغال أن تقوم به، مبرزا أن الاقتصاد العالمي يعيش وضعا جديدا، في ظل بروز موازين قوى مختلفة، الشيء الذي يحتم على أفريقيا أن تكون قادرة على تلمس موقعها الخاص ضمن هذا الوضع المضطرب.

وشدد أمادو على ضرورة التركيز على الأمن والتقدم والتطور، وإرساء علاقات تعاون بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا بعيدا عن النظرة الاستعمارية، وعن ما أسماه «اللعبة الكولونيالية» التي تضبط التوجه الأفريقي وترهنه دوما بالدول المستعمرة.

من جهته، دعا روي فيلار، رئيس مؤسسة «كلوست غولبكيان»، إلى استنباط الدروس والعبر من الماضي، وعدم التخوف من الاختلاف ضمن علاقات التعاون التي تربط أفريقيا والبرتغال، فيما رأى غيلرم دوليفيرا مارتينيز، رئيس المركز الوطني للثقافة البرتغالية، أن التفكير في الثقافة هو تفكير في حقيقة حية، وأن علينا أن نفهم أن هناك، دوما، ثنائية إرث وقطيعة بخصوص كل ما هو ثقافي، مشددا على أن علاقتنا بالتاريخ ينبغي أن تكون، ليس فقط مع الماضي، بل مع طريقة تحليله، في ارتباط مع الأمل في المستقبل.

ورأى فيلار أن الهوية هي عنصر ثراء وتحرر، وأنه لابد أن نتحدث عن الثقافة في إطار ثقافة السلام والعدل، مشيرا إلى أن العولمة لا ينبغي أن تكون معادلا للتنميط، وأن الحوار بين الثقافات ينبغي أن يجعلنا نفهم أين يقف الآخر، مبرزا أن التعدد الثقافي لا يمكن أن يحل على فضاء لا يجد أي فرد مكانه فيه.

إلى ذلك، ذهبت مختلف التدخلات التي ألقيت في جلسة يوم أمس، إلى المنحى نفسه، وذلك ضمن محوري «الإبداع الثقافي والفني في الفضاء البرتغالي» و«الاندماج السياسي ما بين الدول الناطقة باللغة البرتغالية».

وفي هذا السياق، قال لويس أمادو، وزير الخارجية والتعاون البرتغالي، إن الشأن الثقافي واللغوي صار يكتسب أهمية بالغة وبعدا متناميا في إطار لعبة المنافسة الدولية، متحدثا عن الدول الناطقة بالبرتغالية، ومزية محافظتها على هويتها الخاصة، وتطوير العلاقات مع محيطها الجغرافي الإقليمي، مبينا أن المجموعة تشكلت كفضاء ثقافي وسياسي وليس كسوق وفضاء للتعاون والاندماج الاقتصادي، كما كان الشأن مع مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، مشددا على أن التكامل الاقتصادي يبقى مغيبا في علاقات هذه الدول، ما دامت كل دولة ترتبط بمحيطها الجغرافي القريب وتطور علاقات تعاون مع جيرانها الإقليميين، فقط.

وأشاد ميغيل دروفوادا، رئيس جمهورية ساوتومي السابق الذي ترأس الجلسة، بالدور الذي لعبه المغرب في دعم حركات التحرر الأفريقية. وتوقف عند الدور الذي تلعبه مجموعة الدول الناطقة بالبرتغالية، مؤكدا على أن دورها يتعدى البعد الثقافي ليصير فضاء يمكن كل عضو من أن يجد لنفسه نافذة مفتوحة على فضاءات وتجمعات أخرى.

وعدد دروفوادا بعض المشاكل التي تعاني منها القارة الأفريقية، من قبيل الإرهاب والنزاعات والاتجار في البشر وغيرها، والتي رأى أنها تتطلب من أفريقيا أن تعمل على تطوير نفسها ضمن علاقات تعاون دولي مبني على العدالة والاستقرار والازدهار، مشددا على الدور المهم الذي يتوجب على البرتغال أن تلعبه داخل الاتحاد الأوروبي.

من جهته، استعاد أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، العلاقة الثنائية التي ربطت المغرب بالبرتغال على مدى تاريخهما المشترك، مثمنا دور البرتغال كأول دولة في العالم تدعو إلى قمة بين أوروبا وأفريقيا، الشيء الذي جعلها في ذهن الأفارقة والأوروبيين مرادفا للتواصل بين هذين العالمين.

وبعد أن شدد على الحاجة إلى تربية جديدة في التعامل الحضاري بين الدول حتى تراجع طريقة كتابتها للتاريخ، ختم بن عيسى كلمته باقتراح تنظيم مؤتمر خاص بالموسيقى في الدول الناطقة باللغة البرتغالية، خلال الدورة المقبلة من موسم أصيلة الثقافي الدولي.